اتفاق السلام مع المتمردين لم يجلب الأمن والازدهار لمنطقتهم

شعب «ناسا» في كولومبيا يكافح لاستعادة أراضيه

صورة

يزداد التوتر هذه الأيام على الخط الأمامي للكفاح المميت من أجل الأرض والبيئة في وادي «كاوكا» الكولومبي. ويطالب السكان المحليون باستعادة أراضيهم ويحملون شعار «تحرير أُمنا الأرض»، وقد نشأت هذه الحركة لاستصلاح أراضي الأجداد التي التهمتها مزارع السكر والمزارع الأخرى، والمنتجعات السياحية التي اكتسبت زخماً في الفراغ الذي خلفه اتفاق السلام في العام الماضي، بين الحكومة والميليشيات المسلحة، التي كانت تسيطر على المنطقة في وقت سابق، لتنتهي بذلك أطول حرب أهلية في العالم.

وقد تم الاستيلاء على موقع فوق تلة من مزرعة للسكر في منطقة «كورينتو»، التي دمرتها شرطة مكافحة الشغب، ثم أعاد ناشطون احتلالها بهدف وقف تزويد «الكوكا» (المكون الرئيس للكوكايين) لصالح تجار المخدرات في الجبال، وذلك من خلال زراعة الخضراوات في السهول عوضاً عن «الكوكوا».

وعلى الرغم من وفاة اثنين، العام الماضي، فإن هنود «ناسا»، الأكثر تنظيماً من بين 20 مجموعة من السكان الأصليين في الوادي، نظموا حملات إصلاح فلاحية، وقاموا باحتلال أحادي للأراضي بهدف الزراعة. ويلتحق المئات وربما الآلاف من النشطاء، كل أسبوع، بهذه الإجراءات المجتمعية، والمعروفة باسم «مينغا»، التي تنطوي على حرق واختراق مساحات من قصب السكر، ثم إقامة المخيمات وزراعة المحاصيل التقليدية بما في ذلك الذرة والـ«كسافا».

لمشاهدة الموضوع بشكل كامل، يرجى الضغط على هذا الرابط.


إغلاق المناجم

أغلقت مجموعة مكونة من 2000 فرد، تشكلت من 20 مجتمعاً محلياً في الوادي العديد من المناجم، على الرغم من تهديدات الميليشيات، التي يُدعى أنها تتقاضى رواتب من أصحاب مشروعات التعدين. أمّا قوة المتطوعين، التي يرتدي عناصرها الزي الأخضر والأحمر، فهي مسلحة فقط بوسائل خشبية مزينة بشرابات ملونة.

والآن بعد أن وضعت «فارك» أسلحتها، أصبحت الحراسة أكثر صرامة.

وتضمن المادة الأولى من اتفاق السلام الإصلاح الزراعي، وتنص على أن الأراضي التي أخذت أثناء النزاع ستعود إلى أصحابها الشرعيين. ولا تحدد السلطات ما يعنيه ذلك، ولكن الشعوب الأصلية فسرت ذلك، على أنه تمكين سريع باستعادة أراضي الأجداد. وقال كاباز، وهو أحد كبار أعضاء حرس السكان الأصليين «حتى وقت قريب، تم استيعاب شعب (ناسا) من خلال إنقاذ مجتمعنا من الحرب، ومنع الجماعات شبه العسكرية من تجنيد أطفالنا»، متابعاً «الآن لا توجد حرب، يمكننا أن نركز أكثر على تحرير أُمُنا الأرض. الصناعات الاستخراجية والزراعة الأحادية، تتعارض مع نظامنا المحلي القديم». ويضيف قائلاً «الناس هنا يدركون ما يجري في أماكن أخرى من العالم، ونحن نعرف كيف يتغير المناخ. نحن نعرف أشياء كثيرة عن تلوث الأرض ولا نريد ذلك».


• شكل وادي «كاوكا» منذ فترة طويلة قاعدة العمليات لكثير من المجموعات شبه العسكرية المتحاربة في البلاد، وحتى مع تفكيك أكبر منظمة (فارك)، لايزال هناك 12 جماعة مسلحة أخرى نشطة في الوادي، الذي يمتد لمئات عدة من الكيلومترات.

بالنسبة لهنود «ناسا»، يعتبر ذلك أحدث مرحلة في نضال دام قروناً من أجل الأرض، وصراع بين منظورين عالميين متناقضين: أحدهما يسعى إلى الانسجام مع الطبيعة، وآخر يهتم فقط بالحصول على أكبر قدر ممكن من الأرباح، بغض النظر عن التأثير في الناس والبيئة.

يقول خوسيه رينيه غيتيو، وهو من كبار قبيلة «ناسا»، إن «تحرير الأرض يعني الدفاع عن الأرض»، متابعاً «لقد دفعنا الغالي في سبيل هذه الأرض ومستقبل أفضل لأطفالنا».

البيئة

والجوانب البيئية هي أيضاً من بين الدوافع، ويقول هنود «ناسا»، إنه ينبغي ألا يعيشوا في مثل هذه الأعداد الكبيرة بالقرب من المواقع المقدسة في التلال، ولا سيما البحيرات والأراضي الرطبة والشلالات، «هناك الكثير منا في الجبال».

ويقول إدوين موريسيو كاباز، وهو منسق حقوق الإنسان لجمعية مجالس السكان الأصليين في شمال كاوكا (أسين)، «هذا ليس جيداً لأننا ندمر مصدر المياه». لكن هذا الموقف وضعهم في مواجهة القانون وسلطات الأمن في كولومبيا، إضافة إلى مواجهة بعض من أكبر أصحاب الممتلكات في البلاد وموردي السكر العالمي.

وترى الحكومة الكولومبية الأمور بشكل مختلف، قائلة إن الدولة تتحمل مسؤولية حماية الملكية المعترف بها قانوناً، وإنه لا ينبغي الخلط بين قضايا الأراضي الأصلية وحماية البيئة. لكنها تعترف بأن السلام قد أدى إلى زيادة مجحفة في الأراضي التي كانت تعتبر من قبل خارج الحدود، بسبب احتلال القوات المسلحة الثورية الكولومبية (فارك). وارتفعت نسبة إزالة الغابات في كولومبيا بنسبة 44٪ في العام الماضي، كما ارتفع إنتاج «الكوكا» بسرعة. ولمواجهة ذلك، قام الرئيس خوان سانتوس، بترسيم مناطق أكثر للحفاظ على البيئة، ووعد بالاستعانة بالجيش والعمل مع المتمردين السابقين لحماية الغابات.

حل المشكلات

وقال وزير البيئة والتنمية المستدامة لويس موريللو، إن جهاز الأمن في كولومبيا هو الحل للمشكلات البيئية وليس المشكلة، «إننا بحاجة إلى التحرك بسرعة كبيرة لإقامة وجود في المناطق التي لم يكن لدينا فيها وجود من قبل»، مشيراً إلى أن الحكومة تعمل على اتخاذ إجراءات لحماية حقوق الإنسان والمدافعين عن البيئة.

وكان وادي «كاوكا» منذ فترة طويلة قاعدة العمليات لكثير من المجموعات شبه العسكرية المتحاربة في البلاد، وحتى مع تفكيك أكبر منظمة (فارك)، لايزال هناك 12 جماعة مسلحة أخرى نشطة في الوادي، الذي يمتد لمئات عدة من الكيلومترات، وبعض هذه الجماعات متمردون مسلحون، مثل جيش التحرير الوطني، ولكن بعضها الآخر تعمل في التصفيات الجسدية مثل فرق الموت التي تتقاضى مليوني بيزو (665 دولاراً) لكل عملية قتل.

عصابات المخدرات والميليشيات وشركات الأمن الخاصة -التي كثيراً ما تتداخل- جعلت المنطقة واحدة من أخطر الأماكن في العالم، بالنسبة للناشطين في مجال حقوق السكان الأصليين والمدافعين عن حقوق الإنسان والصحافيين. وفي العام الماضي، قتل 37 ناشطاً في كولومبيا، وهي الثانية بعد البرازيل في تصنيف عالمي لعمليات القتل من هذا القبيل، وفقاً لمنظمة «غلوبال ويتنس»، وهذا العام يبدو أنه سيكون قصة مماثلة، مع 28 حالة وفاة حتى الآن.

وكانت أسوأ الاشتباكات قد وقعت في كورينتو، التي تبعد نحو ساعة بالسيارة عن مطار كالي. هذا هو المكان الذي كثف فيه نشطاء من هنود «ناسا» جهودهم لاحتلال الأراضي داخل مزرعة واسعة يملكها كارلوس أرديلا لول، ملياردير تجارة السكر والتعبئة والتغليف والإعلام.

إبادة بالرصاص

وفي بداية مايو، قتل دانييل فيليبي كاسترو، 17 عاماً، وأصيب أشخاص عدة، عندما فتحت الشرطة النار خلال عملية احتلال أراضٍ زراعية «مينغا»، ويقول أحد أقارب الضحية «كنا نقطع قصب السكر عندما حضرت الشرطة في شاحنة صغيرة وفتحت النار علينا. كان الأمر كأنهم يحاولون إبادتنا بالرصاص»، موضحاً «كل من لم ينبطح أرضاً بسرعة تعرض للقنص. إنهم لا يريدوننا هنا ولن نتحرك، لذلك يحاولون قتلنا».

وتحدثت صحيفة «أوبزرفر» مع ثلاثة ناشطين آخرين، قالوا إن الشرطة تستخدم الذخيرة الحية، وأظهر أحدهم ندبة بالقرب من كتفه، حيث قال إنه أصيب بالرصاص الشهر الماضي، ولاتزال الرصاصة في جسده، ويمكن الشعور بها تحت جلد ظهره.

وأرجع هيرميس بيليكو، وهو أحد أعيان «ناسا»، العنف إلى الضغط المتزايد على الأراضي بعد أن أتاح اتفاق السلام الوصول إلى المنطقة. وقال بيليكو الذي كان موجوداً في مكتب رئيس الوزراء سانتاندر دي كويليتشاو «يفترض أن تكون كولومبيا في خضم السلام، ولكن في أراضينا يستمر الصراع»، متابعاً «اتفاق السلام جعل حياتنا أكثر صعوبة. المزيد من الناس يدخلون أراضينا للمطالبة بالأرض، ويرجع ذلك جزئياً إلى أن الحكومة تمنح المزيد من التنازلات لصالح أعمال التعدين واستخدام المياه».

تويتر