يقدمها بأسعار زهيدة داخل مطاعمه

الفلافل والمقلوبة والشكشوكة.. مأكولات فلسطينية يسطو عليها الاحتلال

صورة

«الكبار يموتون والصغار ينسون».. عبارة لم يطلقها الإسرائيليون جزافاً، وإنما هي جوهر الاستهداف المنظم للفلسطيني، فلم يكتفِ الاحتلال بسلب الأرض، وتزوير معالمها التاريخية، بل عمد إلى سرقة الموروث الفلسطيني بكل أنواعه، من الأزياء والمطرزات التراثية، والمأكولات الشعبية، وذلك بهدف تفريغ الذاكرة الفلسطينية من مخزونها الثقافي والتاريخي.

«الشكشوكة» واحدة من الأطعمة الشعبية المعروفة، التي تعرضت لعملية سرقة واضحة، وهي واحدة من الأكلات الرئيسة، وعرفت في فلسطين منذ قدم التاريخ، وانطلقت من قراها إلى الوطن العربي، حيث تتكون من البندورة المقلية والفلفل الحار والبصل، ثم يضاف إليها البيض مع الكمون والملح، والفلفل الأسود، ولها أسماء عدة منها، «قلاية البندورة بالبيض»، كما تعرف بـ«الجز مز» لدى معظم المهجرين من القرى الفلسطينية.

ولم يكن من قبيل المصادفة أن يقدم وفد إسرائيلي أكلة الشكشوكة للأمين العام للأمم المتحدة السابق، بان كي مون، خلال الاحتفال السنوي التقليدي بمناسبة ما يسمى بـ«عيد الاستقلال»، وهو اليوم الذي يعرف بذكرى النكبة، التي سُرق بموجبها كل مقدرات الشعب الفلسطيني.

في حين ادعت وزارة السياحة أن الشكشوكة طبق شعبي إسرائيلي، وأعلنت، أخيراً، أنها ستصبح طبق الشهر، وطالبت أصحاب المطاعم بتقديمه بأسعار زهيدة لمدة شهر كامل، إضافة إلى وضع الطبق المسروق ضمن كتاب للمأكولات التراثية اليهودية، وزع داخل المطاعم الكبرى في أوروبا.

أكلات تراثية

الأمر لم يتوقف عند الشكشوكة، فالمفتول الفلسطيني المعروف بنكهته الفلاحية، بإضافة اليخني والقرع، تعرّض إلى عملية السرقة، إذ تناست دولة الاحتلال أن المفتول أصبح علامة فلسطينية في كل دول العالم منذ عقود، ومع ذلك تشارك إسرائيل في المهرجان السنوي للمفتول بمدينة سان فيتو لوكار الإيطالية، وكانت قد فازت بالجائزة الأولى لأحسن طبق مفتول في العالم على مسمع من الدول المشاركة.

الفلافل والفول والحمص أيضاً من المأكولات التي تعرّضت للتهويد، وعلى مستويات عدة، إذا إنها تباع على صعيد أوروبا كاملة على أنها أكلة إسرائيلية تراثية، ولم تكتفِ إسرائيل بذلك، بل توزع بين الفينة والأخرى مطبوعات وصوراً، وتعقد مهرجانات من أجل إثبات سرقتها، وتصديرها للعالم.

السطو على تراث الأكلات الشعبية، يأتي في إطار نهج متصل مع سرقات أخرى يمارسها الاحتلال بشكل منظم، من أعلى المستويات إلى أدناها، فشركة «العال» للطيران تقدم على خطوطها الجوية الأكلات الفلسطينية، جزءاً من تراث الدولة المزعومة إسرائيل.

الحاج ياسين طبيل (80 عاماً)، من قرية الخصاص، يقول لـ«الإمارات اليوم»: «كانت أكلتنا التراثية جزءاً من خير الأرض، نزرع ونأكل من خيرات أرضنا، كما نربي الدجاج، لنصنع من بيضه الشكشوكة، أما القمح فنصنع منه المفتول الذي نزينه بحبات القرع التي كنا نحتفظ بها طوال العام، وكذلك كنا نحصد الفول والعدس والحمص لطهي الدمسة والفول بالبصل، والحمص».

مقلوبة بشيت

على الرغم من سنوات الغربة الطويلة في الولايات المتحدة الأميركية، إلا أن الحاجة طرفة عسقول (78 عاماً)، لم تنسَ سنوات طفولتها التي عاشتها في قريتها بشيت قضاء مدينة الرملة المحتلة، إذ تقول لـ«الإمارات اليوم» بتنهيدة عميقة: «إن قائمة طويلة من الأكلات الشعبية والتراثية الفلسطينية مازالت تحرص على طبخها وتقديمها لكل أصدقائها من العرب والأجانب الذين يترددون على بيتها».

وتضيف «أحرص على طهي المسخن المصنوع من خبز الطابون، والمغطى بالدجاج والبصل المقلي والسماق وزيت الزيتون، وعلى الرغم من عدم تشابه زيت الأميركان بزيت فلسطين، لكننا لا نستطيع التخلي عن طبخه في كل المناسبات والعزائم والجمعات العائلية».

وتحظى المقلوبة، بحسب الحاجة عسقول، بعشق أهل بشيت الذين يشتهرون بطهيها، فهي تتكون من الدجاج أو اللحم والأرز، إلى جانب البطاطا والقرنبيط والفلفل الأخضر والباذنجان، مضيفة «أما العلاقة التي لم تغيرها السنوات ولا النكبات، فهي علاقة الفلاحين بورق العنب الذي استطعنا إيصاله إلى كل العالم».

أما الحاجة أم محمود منصور (84 عاماً) اللاجئة من قرية بيت دراس المحتلة، فقد ثارت غاضبة عندما علمت بوجود محاولات إسرائيلية لسرقة المفتول البدرساوي، وقالت بعلو صوتها «إلا المفتول، في فلسطين كلها ما حدا بيعمله بنكهة أهل بيت دراس، وما حدا بقدر يسرق تراثنا وتاريخنا وحضارتنا».

سرقة منظمة

من جانبه، يقول الباحث والمؤرخ الفلسطيني، سليم المبيض، إن «إسرائيل تسطو على كل ما تقع عليه يدها بطريقة منظمة وممنهجة، في محاولة لصناعة تاريخ لدولتها المزعومة، فهي سرقت الشيكل، والنجمة، والثوب الفلاحي، والأكلات التراثية المختلفة، والكثير من الكلمات والمقتنيات، ولاتزال تبذل جهودها بطرق غير مباشرة لسرقة الكوفية الفلسطينية التي كان يستخدمها الفدائيون قديماً، ووضعت النجمة السداسية بداخلها، ولونتها بالأخضر والأزرق وألوان أخرى، وهذا نوع من التشويه للتراث الفلسطيني».

تويتر