أصيبوا بخيبة أمل كبيرة

مسلمو الروهينغا يأملون أن تمنحهم سوكي حق المواطنة

صورة

على الرغم من أنها مجرد بطاقة هوية بلون أزرق فاتح، وناعمة الملمس، غير أنها تمثل أكبر مصدر للإهانة بالنسبة لمحمد صديقي من طائفة مسلمي الروهينغا في بورما. ولا تأتي هذه الإهانة من التفاصيل الروتينية لبطاقة الهوية مثل: الاسم، وتاريخ الميلاد، والصورة وبصمة الإبهام، وإنما من المعلومات التي أغفلت بطاقة الهوية عن ذكرها. وبخلاف الوثائق التي يحملها سكان ميانمار ليس هناك ذكر لدين صديقي أو مجموعته العرقية.

الجيش يستثني الروهينغا من الجنسية

عام 1982، أصدر الجيش قانوناً قلل من عدد المجموعات التي تحمل الجنسية الكاملة للدولة، لتتضمن فقط «135 مجموعة عرقية وطنية»، والتي تدعي أنها كانت موجودة في الدولة قبل غزو الاستعمار البريطاني عام 1824. واستناداً إلى هذا التصنيف لم يتم تضمين مسلمي الروهينغا ضمن المجموعات العرقية الوطنية. وبموجب هذا القانون فإن أفضل ما يمكن أن يتأمله مسلمو الروهينغا هو التجنيس، ومجموعة محدودة من الحقوق التي تمنح لهم من خلال عملية تحقق ثبت أنها بطيئة وغير شفافة.


أزمة الروهينغا

يوصف مسلمو الروهينغا بأنهم أكثر شعب مضطهد في العالم.

وكانت متحدثة باسم الأمم المتحدة قد وصفت وضع الروهينغا بأنهم، على ما يبدو، «أكثر شعب بلا أصدقاء في العالم». إذ إنهم يُرفضون من البلد الذي يقولون إنه وطنهم، ولا ترغب الدول المجاورة في إيوائهم، وهم طائفة بلا دولة، أرهقها الفقر، ولايزالون يفرون من ميانمار منذ عقود.

وقال مكتب حقوق الإنسان التابع للمنظمة الدولية للمرة الثانية هذا العام، إن ما يواجهه أفراد الروهينغا يبلغ حد الجريمة ضد الإنسانية.

وقد شهد العام الماضي موجة نزوح كبيرة لأبناء الروهينغا.

ويقول تون خين الذي يعمل في منظمة الروهينغا ببريطانيا، إنهم يواجهون أعمالاً وحشية جماعية على يد قوات الأمن في الجزء الشمالي من ولاية راخين.

والروهينغا هم إحدى الأقليات العرقية الكثيرة في ميانمار، وهم يقولون إنهم ينتمون إلى نسل التجار العرب والجماعات الأخرى التي وفدت إلى المنطقة قبل أجيال.

لكن الحكومة في ميانمار تحرمهم الحصول على الجنسية، وترى أنهم مهاجرون غير قانونيين من بنغلاديش، وهذا هو رأي كثير من السكان في ميانمار.

ويعرف تاريخ ميانمار - التي تسودها أغلبية بوذية - بالقلاقل الطائفية، التي ربما سمح لها بالاشتعال، الحكم العسكري الديكتاتوري لعقود، وربما استغلها أيضاً.

ومحمد صديقي، 25 عاماً، من طائفة الروهينغا، وهي أقلية قوامها نحو مليون شخص بلا وطن حالياً، كما أنهم يعيشون في ظروف شبيهة بـ«الابارتهايد» في هذه الدولة البوذية، التي يبلغ تعداد سكانها نحو 53 مليوناً، وكانت تعرف سابقاً باسم بورما، وتحمل الآن اسم ميانمار.

وتم تجريد أفراد هذه الطائفة من جنسيتهم من قبل الحكام العسكريين السابقين للدولة، والعديد منهم محتجزون بصورة فعلية في القرى ومعسكرات الاعتقال، دون الحصول على حق العمل أو الزواج، بحرية ضمن هذه الدولة التي ولدوا فيها.

وبعد نصف قرن من الحكم العسكري، أمل ناشطو حقوق الإنسان وحلفاء ميانمار الدوليون، أن تقوم الحائزة جائزة نوبل، أونغ سان سوكي، بتخفيف القيود المفروضة على أقلية الروهينغا، عندما تسلمت حكومتها السلطة في ميانمار العام الماضي. ولكنها رفضت إعادة الجنسية لمسلمي الروهينغا، أو الاعتراف بهم كمجموعة عرقية، وهي إشارة إلى استمرار نفوذ الجيش، إضافة إلى العداوة والكره الشديدين اللذين يكنهما البوذيون بمن فيهم قادة حزب سوكي، نحو المسلمين.

وفي خطوة محدودة قامت سوكي بتبني خطة لإصدار بطاقة هوية للروهينغا، تعترف بأنهم من مواطني الدولة، وبدأت عملية دراسة منحهم للجنسية دون أي ضمانات.

ولكن العديد من أفراد الروهينغا يرفضون هذه البطاقات، ويقولون إنها تعمد إلى حذف عرقيتهم، وهو سلوك يعتبر جزءاً من جهود متواصلة لإزالة أي علامة لوجودهم في الدولة. وقال صديقي في منزله بقرية يو يين تار التي يقطنها الروهينغا «هذه الحكومة لا تريد قبولنا كمواطنين في ميانمار»، وتتشكل هذه القرية من أكواخ خشبية خارج مدينة سيتوي الساحلية في ميانمار. ويضيف بصوت غير مسموع بسبب طرقات صوت المطر الغزير على سقف الكوخ «إنهم فقط يريدون طردنا من هذه الدولة».

وتأتي خطوة بطاقة الهوية في الوقت الذي يستعد فيه مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، للتحقيق في تقارير تفيد بأن جيش ميانمار قام بقتل واغتصاب وتعذيب المدنيين الروهينغا بصورة عشوائية، خلال أعمال القمع التي ارتكبها الجيش ضد هذه الأقلية المسلمة في ميانمار، والتي بدأت في أكتوبر الماضي في شمال ولاية راخين التي تبعد 60 ميلاً عن سيتوي.

وقال ماتيو سميث، الذي شارك في تأسيس منظمة «فورتفاي رايتس» أو قلعة الحقوق، وهي مجموعة تدافع عن حقوق الإنسان في جنوب شرق آسيا «إن الثقة تدهورت بين الروهينغا والحكومة منذ عقود»، وأضاف «من الجنون التفكير بأن الجنود يمكن أن يرتكبوا هذه الجرائم الوحشية اليوم دون عقاب، وأن نرى المدنيين يتعاونون مع برنامج الهوية بيسر وسعادة في اليوم التالي. وفي واقع الأمر، فإنه ليس هناك فرق معقول بين النظام السابق والحالي، في ما يتعلق بهذه القضية بالذات».

ولطالما كانت ميانمار ترى في مسلمي الروهينغا، الذين يتشاركون بسمات جسدية وثقافية ولغوية، مع المجموعات العرقية الأخرى في جنوب شرق آسيا، أنهم مجموعة من الغرباء القادمين من بنغلاديش المجاورة، على الرغم من أن العديد من العائلات يعيشون في ميانمار منذ أجيال عدة.

وقال الباحث في جامعة ديكين الأسترالية، الذي درس قضية الروهينغا رونان لي «من الصعب جداً أن تجد في هذا الكوكب مكاناً يتم فيه التمييز بين المجموعات العرقية، كما هي الحال في ميانمار».

وفي عام 2014، أمرت الحكومة السابقة بعد فرض نظام بطاقات الهوية، مسلمي الروهينغا بتحديد أنفسهم على أنهم «بنغاليون» وهي الصفة التي يرفضها مسلمو الروهينغا. وفي العام الماضي، أعادت رئيسة الحكومة المدنية سو كي إطلاق هذه المبادرة، ولكنها حاولت تجنب قضية المجموعات العرقية عن طريق حذف اسم المجموعة العرقية، والدين من التصنيف.

وبحلول بداية شهر فبراير الماضي، قال مسؤولون إنهم أصدروا 6202 هوية في ولاية أركان الواقعة في غرب ميانمار، التي تضم معظم السكان من مسلمي الروهينغا. ويقول قادة الروهينغا إن العديد من الذين قبلوا هذه البطاقات تم إكراههم. وقال صديقي إنه أجبر على أخذ هذه الهوية، كشرط لإطلاق سراحه من السجن الشهر الماضي.

وكان صديقي قد مكث في السجن لمدة 17 شهراً لانتهاكه قيود السفر، التي تم فرضها بالقوة منذ اندلاع الاشتباكات بين البوذيين ومسلمي الروهينغا في عام 2012. وقامت الحكومة بحجز نحو 120 ألف شخص من مسلمي الروهينغا في مخيمات النزوح التي تغطيها المستنقعات على أطراف مدينة سيتوي. وبالنظر لعدم قدرتهم على العمل والدراسة بحرية، حاول الآلاف من مسلمي الروهينغا الهرب عبر زوارق صيد، كانت تكتظ بالمسافرين نحو تايلاند أو ماليزيا.

وفي أكتوبر 2015، اقتنص صديقي الفرصة عن طريق الاختباء في سيارة كانت متجهة إلى الجنوب نحو مدينة يانغون عاصمة ميانمار، ولكن الشرطة اكتشفته واعتقلته. وفي اليوم الذي سبق الإفراج عنه، تم احضاره إلى غرفة، حيث التقط موظف السجن له صورة وطلب منه التوقيع وأن يضع بصمة إبهامه. واعتقد صديقي أن هذه الإجراءات تتعلق بإطلاق سراحه، ولم يكن يعلم أنها تتعلق بإصدار هوية له. وعندما فتح بطاقة الهوية شعر بصدمة قوية. وكانت الهوية تحمل عنواناً مكتوباً بأحرف كبيرة «بطاقة هوية للتحقق الوطني».

وعندما وصل إلى منزله أخرج بطاقة الهوية على مضض ليراها أفراد عائلته، وكان يحملها من أطرافها وكأنها متسخة. وعلى الرغم من أن المسؤولين قالوا إن البطاقة يمكن أن تمنحه حرية التنقل، إلا أن الشرطة عند نقاط التفتيش لا تسمح له بمغادرة قريته المغلقة اصلاً.

تويتر