انتقل من الساحات الرياضية إلى مواجهة العدو.. وهاجم عبدالحليم حافظ لاستمراره في الغناء

رحيل شاعر المقاومة الشعبية ضد إسرائيل كابتن غزالي

ودعت السويس ومدن القناة وجموع شعبية وجماعات المثقفين قبل أيام شاعر ومغني المقاومة الشعبية ضد إسرائيل في مدن السويس وبورسعيد والإسماعيلية وخط القناة (قناة السويس)، كابتن غزالي، الذي ارتبط اسمه بالتصدي بالكلمة والأغنية لحالة الإحباط والاستسلام للعدوان الإسرائيلي بعد هزيمة 1967، حيث أسس فرقة «ولاد البلد الشهيرة»، وواصل نشاطاته حتى حرب أكتوبر 1973، مروراً بحرب الاستنزاف، كما تواصلت نشاطاته حتى بعد اتفاقية «كامب ديفيد»، ايماناً منه بعمق عدوانية إسرائيل، وممارساتها بحق الشعب الفلسطيني والشعوب العربية، وتعرض للاعتقال على يد نظام السادات، ونجح في صنع حالة شعبية واسعة مناصرة لفكرة المواجهة.

بيت شعر لا ينساه المصريون

تحفظ الذاكرة الشعبية في مدن القناة، منذ سنوات هزيمة 1967، ثم حرب الاستنزاف، فانتصار 1973، كلمات لا تنسى، أشعلت لدى الناس روح المقاومة ضد إسرائيل، وأعادت نشرها معظم الصحف والمواقع المصرية، تثميناً لها، بمناسبة رحيل كابتن غزالي، تقول هذه الكلمات: وإن كان على الأرض هنحميها، وإن كان على بيوتنا هنبنيها، وعضم ولادنا.. نلمه نلمه، نسنه نسنه، ونعمل منه مدافع.. وندافع، ونجيب النصر، هدية لمصر.


حافظ سلامة يحضر الجنازة

حضر قائد المقاومة الشعبية في السويس ضد إسرائيل حافظ سلامة، جنازة كابتن غزالي، رغم تدهور صحة سلامة الملحوظ وتقدمه في السن. كان اسم حافظ سلامة هو الأبرز، خصوصاً أثناء حرب 1973، التي لعبت فيها المقاومة الشعبية في المدينة الباسلة الدور الأبرز، وتمكنت من وقف تقدم الدبابات الإسرائيلية في المدينة بعد ثغرة الدفرسوار، وكان لهذا الصمود معنى كبير، اذ كان يعني سقوط مدينة السويس وقتها، وفتح الطريق أمام العدو الإسرائيلي للتقدم إلى القاهرة.

ولد الكابتن محمد أحمد غزالي في قريه أبنود بمحافظة (قنا) في 10 نوفمبر من عام 1928، والتحق بالكتّاب التقليدي الذي حفظ فيه القرآن الكريم، ثم دخل مدرسة النهضة الابتدائية والإعدادية، ثم مدرسة السويس الثانوية، ليتخرج كاتباً عمومياً في مصلحة حكومية.

بدأ كابتن غزالي حياة موازية بعد التخرج، حيث أصبح مصارعاً محترفاً، واكتسب بصفته لاعباً رياضياً ومدرباً جمباز شهرة واسعة في الساحات الشعبية في مدن القناة المختلفة، ثم سرعان ما استطاع أن يجمع مع هذه الصفة، حباً للقراءة والثقافة وكتابة الشعر والفن، فأصبح في نظر جمهوره «المصارع المثقف» أو «المصارع الفنان» و«الرسام». لكن سرعان ما انتقل بعدها إلى مرحلة ثالثة ودائمة في حياته، هي مرحلة «المثقف المقاوم» بعد تعاطفه مع تحركات الفدائيين في السويس ومدن القناة، ومع حركات المواجهة الشعبية ضد الإنجليز، فاشترك في مظاهر الاحتجاجات المختلفة، وتخصص هو وزميله بكر حماد في كتابة الشعارات الوطنية المناوئة للاحتلال والمنادية بالمقاومة، على جدران السويس، بحسب روايات مؤرخين ومثقفين عاصروا غزالي.

كانت هزيمة 1967 نقطة فاصلة في تاريخ كابتن غزالي، بحسب هذه الروايات، حيث برز في كتائب المقاومة الشعبية، التي تشكلت عقب عدوان إسرائيل الغاشم ضد مصر في شهر يونيو، وكوّن فرقة موسيقى شعبية ثورية اسمها «أولاد الأرض»، مهمتها رفع الروح المعنوية للجنود، والمقاومة وللشعب، وللمهجرين من مدن القناة، حيث رددت أغاني ثورية على «آلة السمسمية» التي اقترنت بمدن القناة، وراحت تجوب كل مدن وقرى مصر لدعم الشعب في مواجهة إسرائيل.

وعي خاص

تميزت أغاني كابتن غزالي بوعيها الخاص، وعدم اتباعها نهجاً انشائياً أو عاطفياً بلا مضمون، حيث طالبت بمحاكمة المسؤولين عن هزيمة 1967، واتجهت - أي هذه الأغاني - مباشرة للشعب، ورفعت سقفاً عالياً لم ترتح إليه أحياناً بعض العناصر في دائرة صنع القرار، لذا التف حوله الناس، ومن أوائل أغانيه «عايزين تغيير»، وهي القصيدة التي هاجم فيها كل المتسببين في هزيمة يونيو 1967، حيث قالت كلماتها:

ملعون أي صوت يعلى فوق صوت المعركة، ملعون أي كلمــــــــــــــة تسلبني الحــــــركة، ملعونة الـمداين ملـــــعونة الجـــــــــناين، ملعون أي خـــــــــــــاين يرعش يوم النضال، مـــــــــــلعون.

كما غنى كابتن غزالي، اضافة الى القصائد التي كتبها أغان لآخرين مثل ( يا ريس البحرية يا مصري) لكامل عيد، و(كلامنا يا علمنا) كامل حسين.

تعرض كابتن غزالي للاعتقال ثم لتحديد الإقامة في عصر السادات، قبل شهور من حرب اكتوبر1973 بسبب انتقاداته النظام، وصلاته برموز الحراك السياسي الثوري المطالب بالحرب وقتها، ثم أفرج عنه لاحقاً ليعود ويستقر مجدداً في السويس.

نعت الفنانة فيروز كراوية، ابنة بورسعيد رحيل كابتن غزالي، وقالت على حسابها على صفحة التواصل الاجتماعي «فيس بوك» معلقة: «لروح كابتن غزالي، وكل الذين تربوا على تراث الغناء الحر في منطقة القناة ومدنها.. لا يشغلني كثيراً أدوارهم السياسية، بل ان ما يشغلني هو انهم أوجدوا في المزاج المصري نوعاً من الإيقاع كله حركة، وكلام صادر عن روح مغمورة بالحب ومفعمة بالحياة. انها روح السواحل».

ويروي الكاتب الصحافي حسين العشي، في كتابه «سنوات الحب والحرب»، أن فرقة «ولاد الأرض» ظهرت على يد الشاعر والمغني محمد غزالي، الشهير بـ«الكابتن غزالي»، مع نكسة يونيو 1967 دون مساندة أو دعم من أي جهة رسمية، وهي تجربة تلقائية خرجت من المقاومة الشعبية بالسويس، لتساند الأهالي والجنود.

هاجم كابتن غزالي الإعلام المصري والمؤسسة الثقافية، وما تبثه الإذاعة المصرية من أغان عاطفية، واعتبرها ليست على قدر ما حدث للبلاد من كارثة الهزيمة، وهاجم الفنان الراحل عبدالحليم حافظ، لاستمراره في الغناء العاطفي على الرغم من بعض أغانيه الوطنية، وألف كابتن غزالي أغنية ثورية ضد أغنية عبدالحليم حافظ العاطفية «سواح»، قال فيها: «سواح، لأ لأ لأ لأ لأ مش ح أغني للقمر، ولا للشجر، ولا للورد في غيطانه، ولا نيش سواح، ولا هقول للهوى طوّحني، طول ما فيكِ يا بلدي شبر مستباح».

كما هاجم المثقفين الجالسين على المقاهي في قصيدة قالت كلماتها «يا شعرا، يا كتّاب، يا نضال ع القهاوي، يا هم، يا غم، يا سبب البلاوي».

تحولت «دكانة كابتن غزالي» إلى منصة مقاومة، فزاره ثوار وعسكريون ومقاومون شعبيون في تلك الفترة، كما زاره شعراء كبار مثل صلاح جاهين، وأمل دنقل، وعبدالرحمن الأبنودي، وأحمد فؤاد نجم، والشاعر الفلسطيني محمود درويش، الذي انبهر بالفرقة، وقال بعد أن سمع غناءها «عندما سمعت هذه الكلمات شعرت بأنني أتحول إلى تلميذ مبتدئ في مدرسة شعر المقاومة».

هذا وقد شُيع كابتن غزالي (89 عاماً)، الذي رحل بعد صراع طويل مع المرض، وبعد 10 أيام فقط من وفاة زوجته، الآلاف من أبناء السويس.

 

 

تويتر