تساؤلات حول علاقة إمبراطورية مردوخ الإعلامية بالجريمة

مقتل التحري دانيال مورغان يثير الشكوك حول نزاهة الشرطة البريطانية

صورة

لايزال المقتل الشنيع للتحري الخاص، دانيال مورغان، يؤرق السلطات البريطانية، ويضع صدقية وقدرات وكالة التحري الرسمية اسكوتلاند يارد على المحك، إذ إن مقتله يثير بعض الغموض، ويكشف كل يوم عن معلومات جديدة في هذا الشأن، على الرغم من مرور 20 عاماً على مصرعه من قبل بعض الأشخاص.

وكانت الشرطة قد عثرت، في 10 مارس 1987، على مورغان، البالغ من العمر 37 عاماً، ميتاً في ما يبدو من ضربة فأس، كانت لاتزال غائرة في رأسه عند العثور عليه في موقف سيارات النادي الليلي «الأسد الذهبي» جنوب لندن. ويبدو أن القتلة كانوا يعرفون جيداً ما يفعلون، فقد كان مقبض الفأس، أداة الجريمة، مكسواً بشريط بلاستيكي لاصق، كي لا يتم التعرف إلى بصمات القاتل.

كان دانيال مورغان مخبراً خاصاً، يشارك أحد الأشخاص في وكالة تحرٍ خاصة صغيرة جنوب العاصمة البريطانية لندن، يطلق عليها «التحقيقات الجنوبية».

وخلال العقود الثلاثة التي تلت مقتله، كافح شقيق الضحية، أليستر، لتقديم القتلة إلى المحكمة، وظل مصمماً على أن هناك تستراً واضحاً من جهات متنفذة، تقف وراء مقتل شقيقه. وتحولت القضية تدريجياً، من كونها قضية قتل عادية يتخفى وراءها مجرم غامض إلى قضية رأي عام تمس مفاصل حياة المجتمع البريطاني، وتسترعي انتباه كبار السياسيين.

معلومات سرية

بعد مقتل مورغان، وتحت إدارة شريكه، جوناثان ريس، أصبحت وكالة «التحقيقات الجنوبية»، المكان المفضل لصحيفة «نيوز أوف ذي ورلد»، التي دفع لها في وقت من الأوقات 150 ألف جنيه إسترليني في السنة، من أجل الحصول على معلومات سرية. وتزعم بعض الجهات أن ريس كانت لديه شبكة من الضباط، الذين يبيعون له معلومات سرية. وكان بمثابة الدجاجة التي تبيض ذهباً بالنسبة لـ«نيوز أوف ذي ورلد»، وغيرها من الصحف التي تستفيد من خدماته، لدرجة أنه كان من الصعب جداً على تلك الصحف أن تتخلى عن خدماته، حتى بعد أن أدين بتهمة محاولة توريط امرأة.

وبسبب مخاوف الشرطة بشأن وكالة «التحقيقات الجنوبية»، وارتباطها بضباط فاسدين، تم وضع مكتب الوكالة تحت المراقبة، وإرسال ضابط متخفٍ، يدعى ديريك هاسلام، للكشف عن خباياها. وتكشف بعض المعلومات التي مررها إلى رؤسائه أن محرر التحقيقات في «نيوز أوف ذي ورلد»، مزهر محمود، كان يعالج قصصاً لمشتبه فيهم في قضية مقتل مورغان. منهم ريس، والمخبر السابق للشرطة البريطانية، سيد فيرلي، الذي عمل لصالح «التحقيقات الجنوبية»، بعد مقتل مورغان.


• يعتقد أن فريق التحقيق يحقق في وفاة أخرى، على صلة محتملة باغتيال مورغان، حيث إنه بعد أربعة أشهر من مقتل مورغان، في يوليو 1987، عثرت الشرطة على آلان هولمز مقتولاً بالرصاص في حديقة منزله، في ما أعلن رسمياً أنه انتحار.

أصبحت تداعيات مقتل مورغان خارج «حانة الأسد الذهبي» في سيدينهام، تشكل خطراً على جهود إمبراطور الإعلام، روبرت مردوخ، من أجل الاستحواذ على وكالة سكاي بمليارات الجنيهات الإسترلينية. كما أنها شوهت سمعة اسكوتلاند يارد وصدقيتها في التعامل مع الفساد، وظلت هذه القضية تطرح أسئلة جوهرية حول العدالة البريطانية.

وقضى أليستر سنوات عدة يجادل باستماتة شرطة العاصمة، بعد التحقيق الأولي المغلوط عن وفاة شقيقه، إذ يقول معلقاً: «كأنني أعيش في غابة، لقد ظل الوضع يبعث على الإحباط والأسى لعقود من الزمن».

وبعد تحقيق جديد عام 2007، أعلنت الشرطة البريطانية أن الدافع وراء القتل على الأرجح هو أن مورغان «كان على وشك أن يفضح شبكة مخدرات جنوب لندن، والتي ربما كانت تضم ضباط شرطة فاسدين».

إلا أن ذلك الاستنتاج بالنسبة لأليستر أبعد ما يكون عن نهاية هذه القصة المأساوية، إذ يقول: ينبغي التقصي في دور الشرطة، وكذلك دور إمبراطورية مردوخ الإعلامية في هذه القضية، ويؤكد أن شاهد عيان أخبر المباحث بأن مورغان كان يتفاوض مع صحيفة «نيوز أوف ذي ورلد» المملوكة لمردوخ، ليبيع لها قصة عن فساد الشرطة قبل فترة وجيزة من مقتله.

وأخبر النائب العمالي، توم واتسون، البرلمان في عام 2012، بأن شاهد العيان ذكر اسم الموظف التنفيذي في «نيوز أوف ذي ورلد»، الذي كان مورغان يتفاوض معه. وفي بيان له، ذكر المحامي بريان ماداغان أن «دانيال مورغان أخبرني بأنه كان على وشك أن يبيع قصة لإحدى الصحف. وأستطيع أن أؤكد الآن أنني أعتقد أن هذه الصحيفة هي (نيوز أوف ذي ورلد)، حيث اتصل دانيال مورغان بأليكس مارونشاك».

كان مارونشاك من أقدم الموظفين في «نيوز أوف ذي ورلد»، حيث تدرج من منصب مراسل لأخبار الجرائم إلى موظف تنفيذي. وأخبر ماداغان الشرطة بأن مورغان كان يتفاوض معه، للحصول على مبلغ 40 ألف جنيه إسترليني نظير تلك القصة.

وأضاف مارونشاك أن الشاهد، الذي كان يعرف مورغان وشريكه في العمل، جوناثان ريس، وهو أحد المشتبه فيهم أيضاً في جريمة القتل، ذكر أن «دانيال أخبر كثيراً من الناس عن خطته لبيع قصته، لأنه كان من ذلك النوع من الأشخاص الذين لا يستطيعون كتمان مثل تلك الأمور، وأعتقد أن مثل هذا التصرف كان خطأ وغير حكيم». ويضيف «شعرت بأن القصة كانت عن فساد الشرطة، وعمله كمحقق خاص».

والمزاعم التي تحيط بـ«نيوز أوف ذي ورلد»، والتي تم إغلاقها من قبل مردوخ بسبب فضيحة القرصنة الهاتفية، لعبت دوراً رئيساً في مطالبة الحكومة بإجراء تحقيق «ليفينسون» ثانٍ عن أخلاقيات وسائل الإعلام، مع التركيز على فساد الشرطة ووسائل الإعلام. وفي ما بعد أعلنت الحكومة ما أطلقت عليه «ليفينسون 2»، في أعقاب الكشف عن القرصنة الهاتفية.

لكن يبدو أن الحكومة غيرت رأيها حول «ليفينسون 2»، وعقدت مشاورات حول ما إذا كان ينبغي المضي قدماً في التحقيق. وأخبر نائب زعيم حزب العمال، توم واتسون، صحيفة الغارديان بأن هناك ضرورة ملحة لإجراء تحقيق سليم في قضية مورغان، لمعرفة ما «إذا كان هناك شخص أمر بقتله».

ويشير أليستر إلى تفاصيل صغيرة، يعتقد أن من شأنها تعزيز قضية «ليفينسون2»، فعلى سبيل المثال أنشأ المديران التنفيذيان لـ«نيوز أوف ذي ورلد»، مارنشاك وكريغ ميسكيو، شركة تشير السجلات إلى أنها مسجلة في عنوان «التحقيقات الجنوبية» نفسه، إلا أن مارنشاك نفى تورطه في أي عمل مخالف للقانون، ورفضت شركة «نيوز يوكي»، وهي الشركة التي تملك صحف مردوخ البريطانية، التعليق على أنشطتها أو الأشخاص الذين يعملون تحت إمرتها، بما في ذلك مارنشاك وميسكيو ومحمود.

وآخر تحقيق في مقتل دانيال انتهي عام 2011، حيث لايزال المتهمون أحراراً بعد انهيار القضية ضدهم، إلا أنهم رفعوا هذا العام دعوى قضائية ضد الشرطة البريطانية، مدعين محاولتها توريطهم في أنشطة خبيثة، مطالبين ببراءتهم. وخسر ريس وأخواه: جلين وغاري فيان، قضيتهم في فبراير الماضي، حيث أخبرت الشرطة المحكمة في جلسة الاستماع بأن ريس دفع لجلين فيان لتنفيذ عملية القتل، وأن فيان ضرب الضحية مرتين بالفأس.

المخاوف حول قضية مورغان دفعت رئيسة الوزراء، تيريزا ماي، عندما كانت وزيرة للداخلية بإصدار أمر لإجراء تحقيق في مزاعم الفساد، ومن المتوقع أن يرى هذا التقرير النور في سبتمبر.

ويعتقد أن فريق التحقيق يحقق في وفاة أخرى على صلة محتملة باغتيال مورغان، حيث إنه بعد أربعة أشهر من مقتل مورغان، في يوليو 1987، عثرت الشرطة على آلان هولمز مقتولاً بالرصاص في حديقة منزله في ما أعلن رسمياً بأنه انتحار. بعض المسؤولين في الشرطة ليسوا على ثقة من هذا الاستنتاج. ويقول مصدر في الشرطة إنهم يعتقدون أن هولمز أخبر مورغان عن مؤامرة متورط فيها ضباط فاسدون ومجرمون، بغرض جلب مخدرات إلى المملكة المتحدة. ويقول أليستر إن هناك حاجة ملحة لـ«ليفينسون 2»، وأن اللجنة التي شكلتها الحكومة ليست كافية.

تويتر