• نتيجة الفراغ الذي خلّفته حركة «فارك» بعد اتفاق السلام

تصاعد أعداد القتلى على أيدي العصابات في كولومبيا

صورة

بعد أن تمت سحب الناشط بوروفيرو غاراميللو، 64 عاماً، من منزله وقتله من قبل أربعة رجال كانوا على متن دراجات نارية، أثار ذلك غضب المسؤول الكولومبي عن وحدة ضحايا الحرب الأهلية، ووصف الوضع بكلمات غاضبة، وحذر من أن الدولة تواجه مجزرة تحدث بوتيرة بطيئة.

تفكيك تجارة المخدّرات

تتضمن اتفاقات السلام تفكيك تجارة المخدّرات، حيث تسهم «فارك» في إقناع المزارعين في المناطق التي كانت تسيطر عليها سابقاً بتحويل نشاطهم نحو زراعة محاصيل أخرى، وإعادة الأراضي التي استولوا عليها إلى أصحابها الذين كانوا يملكونها سابقاً.

ولكن المجموعات الإجرامية متعطشة للسيطرة على التجارة، في المناطق التي لم تحل فيها سلطة الحكومة مكان سلطة «فارك» بسرعة كافية. وذكرت تقارير أن بعض هذه المجموعات تحاول استمالة المتمردين السابقين إلى جانبها، حيث تقدم لهم راتباً شهرياً يعادل ثلاثة أضعاف ما ستدفعه لهم الحكومة، بعد إعادة دمجهم في القوات الحكومية.

وكان الهجوم على غاراميللو هو حادثة القتل رقم 17 التي تقع لقائد مجتمع محلي، منذ أن وقّعت كولومبيا اتفاقية سلام مع حركة «فارك» (القوات المسلحة الثورية في كولومبيا) المتمردة، في ديسمبر الماضي. ونجم عن هذا الاتفاق فوز الرئيس خوان مانويل سانتوس بجائزة نوبل، لأنه منح دولة عانت طوال نصف قرن من الحرب، إمكانية التوصل الى السلام من جديد.

ولكن بالنسبة للعديد من الناشطين والسياسيين الذين بدأوا الحملات بهدف رسم شكل كولومبيا الجديدة، اتضح أن السلام أشد خطراً من الحرب، نظراً إلى أنهم تعرّضوا للموت عن طريق الاغتيالات. وتزايدت أعمال القتل بصورة روتينية، بينما كانت الحكومة والمتمردون يقتربون من السلام، حيث سقط 100 قتيل العام الماضي، في الوقت الذي كانت المفاوضات قد وصلت إلى نهايتها.

وقال آلان جارا، الذي يترأس وحدة الضحايا التي تهدف إلى تعويض ثمانية ملايين شخص تأثروا بالحرب: «نشعر بقلق شديد من هذه الأفعال، لأن الحقيقة تفيد بأن قادة المجتمعات يتعرضون للقتل بدم بارد»، وأضاف جارا للصحافيين بعد ظهور أخبار مقتل غاراميللو: «وعمل هؤلاء القادة شرعي بالمطلق، ولذلك علينا تزويدهم بالحماية الشخصية من أجل حياتهم، حتى يتمكنوا من مواصلة عملهم بهدف تحسين ظروف الحياة في مجتمعاتهم».

وينتشر العنف بسرعة، خصوصاً في مناطق هجرها مقاتلو «فارك» بعد اتفاقية السلام، لأن قوات الأمن الحكومية الموعودة لم تصل إلى هذه الأماكن. وليس من الواضح تماماً من الذي يقف خلف أعمال القتل هذه، ولكن هذه المناطق التي كانت تحت سلطة المتمردين في الغالب، وهي عبارة عن مناجم غير شرعية، أو مزارع للكوكا التي يُصنع منها مخدر الكوكائين، باتت هدفاً مغرياً للعصابات المسلحة، والمنشقين عن حركة «فارك»، الذين رفضوا تسليم أسلحتهم.

ويبدو أن وتيرة أعمال القتل باتت مخيفة هنا، إذ إن الحكومة التي كافحت بجد من أجل التوصل الى اتفاقية سلام، تتراخى الآن بصورة خطرة، بشأن تحويل الخطط المرسومة على ورق إلى حقيقة.

ويقول مدير مركز دراسات أميركا اللاتينية في جامعة جورج تاون في واشنطن، مارك تشيرنيك: «إنهم يخلّفون وراءهم فراغاً في السلطة، على الرغم من أن هذا كان متوقعاً. وقالت الحكومة إنها ستعمل على نقل القوات المسلحة الكولومبية إلى هذه المناطق، ولكنها لم تفعل، الامر الذي يجعل السكان المدنيين في هذه المناطق يشعرون بالقلق الشديد»، وأضاف تشيرنيك «يعتبر ذلك خطراً في ما يتعلق بتعزيز اتفاقية السلام. واذا عجزوا عن السيطرة ووقف عمليات الاغتيال، سيكون من الصعوبة بمكان أن تتقدم هذه الاتفاقية إلى الأمام. وأعتقد أن الجميع يفهم ذلك، ومع ذلك فإننا لم نرَ الحكومة تتحرك، وترد على الأمر بصورة ملائمة».

ولاتزال تخيم على الدولة ذاكرة اتفاقية سلام أخرى مع مجزرة قبل نحو 30 عاماً، حيث جرى قتل 3000 عضو من منظمة «يونيو باتريوتيكا» اليسارية، الأمر الذي أدى إلى تقويض تلك الاتفاقية، كما أنها تركت جرحاً عميقاً في الذاكرة الوطنية.

وأشار مركز الذاكرة التاريخية الكولومبي في رده على جولة من القتل، التي جرت في نوفمبر الماضي، والتي تضمنت مقتل سيدة عجوز بالرصاص في باحة المدرسة، إلى أن مجموعات حقوق الانسان متأكدة من أن أعمال القتل تهدف إلى نشر حالة من الرعب في المجتمع، في الوقت الذي تتقدم فيه عملية السلام في كولومبيا، وتتزايد البدائل السياسية مكان القتال. وحذرت المجموعات، في بيان لها، من أنها تشعر بالقلق من أن اتفاقية السلام ربما لاتزال في حالة خطرة، وقالت: «لا تدعوا الكوارث التي وقعت في السابق تحدث من جديد».

وعند التدقيق في الأعمال العنيفة، لابد أن نجد غالباً إما الصراع على حقوق الأراضي أو صناعة الكوكائين التي تساوي قيمتها المليارات، والتي لطالما ساعدت في تمويل حركة «فارك» سنوات عدة. وخلال سنوات الحرب، تمت السيطرة على أجزاء كبيرة من الأراضي من قبل مربي الماشية ومهربي المخدرات والمجموعات المسلحة ذاتها، التي ليس لها مصلحة كبيرة في التخلي عنها.

وفي إحدى مناطق الدولة، التي تدعى تشوكو، كان الفراغ الأمني ينطوي على نتائج كارثية إلى درجة أنه في شهر نوفمبر الماضي أخذ السكان المحليون يتوسلون مجموعة المتمردين الوحيدة الباقية، والمعروفة باسم «إيه.إل.إن»، كي تسيطر على المنطقة التي خلّفتها حركة «فارك»، حسبما ذكرته صحيفة «إيل باييس» الإسبانية.

وانضمت الكنيسة الكاثوليكية إلى المحذرين من مغبة ترك الفراغ الأمني، الذي خلفته حركة «فارك» بعد اتفاق السلام. وفي بداية الشهر الماضي، نشر أسقف بلدة أبارتادو، الواقعة في شمال الساحل الكولومبي، هوغو ألبرتو، بياناً شديد اللهجة حذر فيه الحكومة من أن معظم أجزاء الدولة ستخرج عن سيطرة الحكومة بسرعة كبيرة، اذا لم يتم اتخاذ الإجراء اللازم لمنع ذلك. وقال الأسقف: «نستطيع أن نرى أن المنطقة يتم قضمها من قبل قوى تحل مكان حركة (فارك)، وهذه القوى عبارة عن مهربي المخدرات، وعصابات إجرامية من الشبان، اضافة إلى ظهور أعمال المناجم غير القانونية، كما أن تدمير البيئة يتزايد بصورة مطّردة»، وأضاف الأسقف ألبرتو «لا نستطيع نسيان ما حدث في الماضي، وثمة تهديدات بالعودة إلى الكارثة، وهي التاريخ المخيف للاغتيالات الممنهجة للعديد من الأشخاص الملتزمين بإجراء التغييرات السياسية والاجتماعية».

ووعدت الحكومة بإرسال نحو 70 ألف جندي إلى المناطق التي كانت تسيطر عليها حركة «فارك»، ولكن من غير الواضح حتى الان متى سيتم نشر هذه القوات في تلك المناطق. وثمة إحساس في هذه المناطق التي تعاني المخاطر، بأن الوقت ينفد دون إيفاء الحكومة بوعودها. وتقول مؤسسة السلام والمصالحة الكولومبية: «في نهاية المطاف فإننا في سباق مع الزمن، فبينما تعمل القوات الحكومية على التكيف مع الوضع الجديد، تجد المجموعات المسلحة نفسها في بيئة مساعدة على نموها وازدهار أعمالها غير القانونية».

تويتر