بعدما استعانت بها الحكومات في فترة ما بعد الحرب

عصابات الياكوزا تجد نفســـــها مكشوفة أمام القانون الياباني

درجت الحكومات اليابانية على استخدام الياكوزا لتفريق التظاهرات المعارضة لسياساتها. أرشيفية

مثله مثل الكثير من رجال الأعمال اليابانيين، بدا القلق واضحاً على زعيم الـ«ياكوزا»، ماساتوشي كوماجاي، بشأن المستقبل، بسبب تبدل شروط العمل، وينبغي عليه «عولمة» عمله، إلا أن العثور على أشخاص قادرين على تحمل ظروف العمل أمر صعب للغاية، إذ يفتقر جيل الشباب إلى الروح المتعطشة للطموح، والتي أعادت بناء اليابان بعد الحرب العالمية الثانية.

الـ«ياكوزا» هي عبارة عن عصابات إجرامية منظمة عابرة للحدود ومنشؤها اليابان. وتطلق عليهم الشرطة اليابانية، ووسائل الإعلام «جماعات العنف»، في حين تطلق الـ«ياكوزا» على نفسها اسم «منظمات الشهامة»، ويلتزم أفرادها بسلوك صارم، وتتميز بطبيعة إقطاعية. لديهم حضور طاغٍ في وسائل الإعلام اليابانية، ويصل تعدادهم على الصعيد الدولي الى ما يقدر بـ 102 ألف عضو.

ولاتزال الـ«ياكوزا» تعمل علناً في اليابان، حيث يوزع أفرادها بطاقات العمل الخاصة بهم في الاجتماعات، وعليها اسماؤهم، ولكن بدأت أعدادهم تتراجع مع زيادة ازدرائهم من قبل افراد الشعب.

كوماجاي هو في الواقع جزء من عالم عصابات الجريمة في اليابان. وظلت الـ«ياكوزا»، على مدى عقود، تلتزم التزاماً صارماً بقوانينها، وترتبط بعلاقات سرية بالأعمال التجارية والمالية، في حين تمارس بعض الانشطة المتحايلة على القانون، ومعظمها بعيد عن متناول الشرطة والمحاكم اليابانية. ويقول كوماجاي إن الـ«ياكوزا» تواجه اليوم «أكبر تغيير في فترة ما بعد الحرب»، حيث تحولت مشاعر الرأي العام ضدها، وتهدد وجودها قوانين مكافحة العصابات.

• تعتبر العضوية في «مجموعات الشهامة» قانونية 100%، فهذه المنظمات محمية بموجب حرية تكوين الجمعيات المكفولة في الدستور الياباني.


الانضمام إلى الـ «ياكوزا»

دخل كوماجاي عالم «ياكوزا» عندما كان في سن المراهقة، في أعقاب ما أطلق عليه تربيته المضطربة. وكان يرغب في الانضمام لقوات الشرطة، ولكن حال دون ذلك أخذه الثأر من اثنين من أفراد عصابة من منطقة أخرى بسبب ضربهم المبرح لصديق قديم له، ويمضي قائلاً: «شعرت بالرعب وأنا أركض وراءهم، على الرغم من أنهم كانوا يكبرونني بخمس سنوات، وكان أحدهم يحمل سيف الساموراي». وأصيب اثنان من أفراد العصابة، ودخل كوماجاي السجن ليقضي 18 شهراً، لهذا السبب قرر أحد كبار «ياكوزا» المحليين تجنيده.

ويروي عن ذلك قائلاً: «حتى بعد أن رفضت مرات عدة، أصروا على ذلك، وأخذوني إلى نوع معين من الحانات، كانوا يرتدون ملابس أنيقة، وحولهم نساء جميلات، ويقودون سيارات جميلة. واشتروا لي ملابس جديدة لأنهم رأوني أرتدي دائماً الملابس نفسها، وعندما انظر الآن إلى الوراء أدرك أنهم اصطادوني مثل سمكة على خطاف».

ماساتوشي كوماجاي قلق بشـأن ما يحدث لمنظمته.  غيتي

ويعكس مكتبه أسلوب «ياكوزا»، حيث لا يرتدي زياً رسمياً كبقية رجال الاعمال اليابانيين، ويوظف شابات رزينات، يرتدين ملابس أنيقة، ممتلئات نشاطاً وحركة، يتحدثن بلغة مهذبة، ويقدمن حلوى «الواغاشي» والشاي الأخضر للضيوف.

وتحمل أكواب الشاي شعاراً يمت بصلة لمنظمة «اناغاوا- كاي»، وهي ثالث أكبر عشيرة تعمل بالجريمة المنظمة في البلاد، وهي التي صنفتها وزارة الخزانة الأميركية في عام 2013 على أنها منظمة إجرامية عابرة للحدود.

أعداد الـ«ياكوزا» تتقلص

تعمل الـ«ياكوزا» بشكل منفتح في وضح النهار، ولدى افرادها مكاتب، وبطاقات تحمل أسماءهم، ومكاتب مؤجرة، ورهون عقارية، وعلامات تجارية معروفة، إلا أن أعدادهم آخذة في الانخفاض بشكل حاد، فقد تدنى من 180 ألف عضو في ستينات القرن الماضي إلى نحو 53 ألفاً و500 عضو في عام 2014، وفقاً لوكالة الشرطة الوطنية.

ويبلغ أفراد «اناغاوا- كاي» ما يقرب من 3000 عضو، مع عدد مماثل من الشركات المرتبطة بها. وتأسست المجموعة في عام 1949 في منطقة أتامي، وهي عبارة عن منتجع ساحلي يقع على بعد 60 كيلومتراً جنوب غربي العاصمة طوكيو. وشهدت هذه الفترة، وهي فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، عصابات الـ«ياكوزا» تتحول من عصابات شوارع إلى مجموعات تمتلك شركات كبرى لها مصالح ونفوذ يمتد عميقاً في مجال الأعمال والسياسة.

وتعتبر العضوية في هذه المنظمات أو «مجموعات الشهامة» ــ كما يطلقون على أنفسهم ــ قانونية 100%، فهذه المنظمات محمية بموجب حرية تكوين الجمعيات المكفولة في الدستور الياباني، كما يقبلها أفراد الشعب ضمنياً على أساس أن الجمعيات والمنظمات، بغض النظر عن نشاطها، ينبغي أن تكون منظمة أكثر من كونها غير منظمة.

وعودة إلى ثمانينات القرن الماضي، توسعت هذه العصابات في امتلاك العقارات، وسوق الأوراق المالية، وشركات أخرى مشروعة، لكنها تعرضت للطرد من هذه القطاعات.

ويقول كوماجاي: «وبما أن البلاد والاقتصاد يشهدان تغييرات جذرية، وبالتالي فإن العالم السفلي لن يظل من دون تغيير»، ويضيف «لقد عانينا جراء انفجار فقاعة الاقتصاد، وأزمة العملة الآسيوية عام 1997، ثم أزمة انهيار مؤسسة ليمان براذرز المالية، لهذا فإن قراءة هذه التغييرات والاستجابة لها من مهام الزعماء، وتلك المنظمات التي لا تستطيع التكيف سوف تزول من الوجود».

لم يكن التباطؤ الاقتصادي في اليابان، بعد ثمانينات القرن الماضي، جميعه سيئاً لهذه العصابات، فقد استطاعت الـ«ياكوزا» الحصول على أموال طائلة من خلال «تحصيل» القروض المعدومة والأصول المتعثرة والشركات المفلسة لصالح شركات وجهات أخرى. ولاتزال تسوية المنازعات المالية نشاطاً أساسياً لها، ويرجع ذلك جزئياً إلى أن النظام القانوني يتميز ببطئه المعروف والمكلف في اليابان، ويؤكد كوماجاي «يمكننا إنجاز الأمور بشكل أسرع».

حياة جديدة

انضم كوماجاي للعالم السفلي في عام 1980 وكان لديه نية صادقة لمغادرته بسرعة، يقول: «فكرت لو أنني تركت المجموعة وعمري 30 عاماً، كنت أستطيع في تلك السن أن أبدأ حياة جديدة». وعندما بلغ عمره 28 أصبح زعيما لإحدى العصابات المحلية، الا أن تسارع مساره المهني داخل «اناغاوا- كاي» حدث بسبب نزاع على الخلافة قبل 10 أعوام.

وعلى الرغم من أن «اناغاوا- كاي» مصنفة كمنظمة دولية، الا أن كوماجاي لايزال يعتقد أن منظمات الجريمة العشائرية في اليابان ضيقة الأفق.

ويقول كوماجاي، الذي يعمل الآن على إقامة روابط مع نظرائه في آسيا: «إنه مع القيود التي نواجهها في اليابان، يتوجب علينا إجراء اتصالات مع الاقتصادات التحت أرضية في بلدان أخرى. وأخبرت مرؤوسيّ بأن عليهم التفكير على مستوى عالمي».

مثله مثل أفراد «ياكوزا» الآخرين، يدافع كوماجاي عن منظمته في أنها ساعدت البلاد على الحفاظ على النظام في الشوارع من خلال القضاء على الجرائم الصغيرة، وفرض قواعد على العالم السفلي، أو عالم الجريمة. ويحذر من أنه في حالة نجاح السلطات في حملتها للقضاء على هذه المجموعات، فستكون هناك عواقب وخيمة.

ويؤكد أن «المجموعات الأخرى التي تفعل ما نفعله سوف تتوقف عن النشاط، وبالتالي سينتهي النظام والانضباط في الشوارع، وبدأ هذا يحدث بالفعل مع ظهور بعض من المجرمين الأجانب الذين يجوبون الشوارع بالدراجات النارية، ويطلق البعض على نفسه شبه (ياكوزا)»، ويضيف «إنهم خارجون عن القانون».

تويتر