صحافي يسلّط الضوء على مآسي اللاجئين

الصورة تفقد أثرها في تغيير الأوضاع الإنسانية في سورية

صورة

كنت أنظر إلى (خلود) وزوجها (جمال)، وفي جيبي صورة أخذتها للزوجين قبل عامين، ولا أدري عما اذا كان يتوجب علي أن اعطيها لهما. وكانت (خلود) في الصورة وهي مصابة بشلل رباعي، مستلقية على سرير في خيمة تعيش بها مع عائلتها في وادي البقاع في لبنان، وكان زوجها (جمال) يجلس في نهاية السرير ويمسك بيدها، وكان الزوجان ينظران الى بعضهما بعضاً بحب يتناقض مع الصورة ذات اللونين الأسود والأبيض، التي تعكس حقيقة وضعهما البائس.

واذا كان ثمة صورة خانت اعتقادي بقوة تأثير الصورة في خلق التغيير فإنها هذه الصورة، التي التقطتها قبل عامين. والآن وبينما أجلس في الخيمة المظلمة ذاتها لم يتغير أي شيء. ولسذاجتي اعتقدت أنني اذا جعلت قصة خلود معروفة للملأ، فان ذلك ربما يؤدي الى تغيير وضعهما السيئ، ولم أمنع نفسي من الشعور بالفشل. وأخيراً مددت يدي وأخرجت الصورة من حقيبتي وقدمتها لهما، وقلت: «عندما التقطت هذه الصورة قبل عامين لم تكن صورة لاجئ وزوجته المقعدة، وانما أخذت صورة عاشقين، وهذا ما ستعنيه لي الصورة دائماً».

وفي عام 2014 ذهبت إلى لبنان مع منظمة «هانديكاب» الدولية الخيرية، لتوثيق بعض قصص اللاجئين السوريين الأكثر صعوبة وبؤساً، مثل كبار السن، والمرضى، والعائلات التي يعيش معها أب واحد، إضافة إلى الذين يعيشون بإعاقة.

العودة أمّاً مرة ثانية

في عام 2013، وبينما كانت (خلود ــ 32 عاماً)، تعمل في حديقة منزلها لزراعة بعض الخضار، بسبب قلة المواد الغذائية، مع أطفالها، أطلق أحد القناصة رصاصة استقرت في رقبتها، وأصيبت بشلل من الرقبة إلى بقية أنحاء جسمها. وبعد ذلك وجدت العائلة نفسها تعيش في خيمة بأحد مخيمات وادي البقاع الكثيرة. وعندما التقيت بها كانت قد أمضت خمسة أشهر في سكنها الجديد. وكانت وكالة اللاجئين التابعة للأمم المتحدة تقدم للعائلة كوبونات للحصول على الطعام، ولكن ذلك لم يكن كافياً، إذ إن العائلة كانت تناضل للبقاء، كما أن (خلود) كانت بحاجة للعناية 24 ساعة، وسألتها عن أملها في المستقبل فقالت: «أن أعود أماً مرة ثانية».

وشاهدت اللاجئة السورية (ريم ــ 38 عاماً)، التي تعرض منزلها للقصف في إدلب، ما أدى إلى مقتل زوجها وأحد أطفالها، وفقدت (ريم) إحدى ساقيها. وعندما التقيت بها كانت تعيش في خيمة في سطح مبنى لم يكتمل بعد. وكانت ترفض أن يعيش من بقي حياً من أطفالها معها، لأنها كانت تشعر بالخجل من إعاقتها، لأنها منعتها من أن تكون أماً حقيقية لهم، وكان يعيش معها والدها (عبد) فقط.

وخلال الأسابيع التالية شاهدت العشرات أمثال (ريم)، يكافحون من أجل البقاء والحفاظ على الكرامة في لبنان. وكنت نفسي أتعافى من حادث نجم عنه تغيير حياتي، فقد أصبت خلال عملي في أفغانستان عام 2011. وكان الأشخاص الذين التقيت بهم يتركون أثراً عميقاً في حياتي وعملي، ولكن عندما التقيت بـ(خلود)، وفي ما بعد بطفلة اسمها (آية)، عثرت على الإلهام الحقيقي وعملت على تجديد الهدف من عملي في التصوير.

وعندما التقيت مع (آية) كانت تجلس وحيدة على أرض اسمنتية داخل خيمة مظلمة. وكانت مشلولة من وسطها إلى الأسفل. والانحناء في عمودها الفقري يمنعها من الجلوس بصورة طبيعية، وكانت في الرابعة من العمر. وعندما رأيتها على هذه الحال اعتقدت أني لا أستطيع التقاط صورة لها. فقد بدت ضعيفة جداً، وهذا يخالف أسلوبي في العمل، ولكن (آية) أثبتت لي أني كنت على خطأ، اذ اتضح لي أنها أكثر طفلة مشاكسة في سن الرابعة رأيتها في حياتي.

وأمضيت يوماً مع عائلة (آية)، وحدثتني أمها (سيهان) عن علاقتها مع شقيقتها (إيمان)، إذ إنهما لا تتركان بعضهما بعضاً. وعندما تعرض البيت للقصف في ادلب قامت (إيمان ــ 10سنوات)، بنقل شقيقتها (آية) إلى الملجأ. واثناء رحلتها الشاقة إلى لبنان، التي استمرت لاسابيع عدة، كانت (إيمان) تحمل شقيقتها (آية) معظم الوقت. وواصلت زيارة عائلة (آية وخلود)، وكنت أشعر بالتأثر الشديد لدى سماع (أيمن)، والد (آية)، وهو يحدثني عن امكانية انفصال العائلة عن بعضها بعضاً لأن الظروف صعبة جداً، وهو محروم من العمل لأنه لاجئ، وأطفاله مرضى دائماً، كما أن العائلة تغرق في الديون بصورة متواصلة، و(آية) لا تحصل على العلاج الطبي الذي تحتاج اليه بشدة، كما ان اطفاله الآخرين لا يذهبون إلى المدرسة، ولذلك فإنه يفكر في إرسالهم للعيش عند عائلات أخرى. وكان قلق العائلة الرئيس يتمثل فيما اذا كانت (آية) ستتحمل برد الشتاء.

وفي آخر زيارة لي للعائلة التي كانت تقوم بتقوية الخيمة، التي يعيشون بها كي تتحمل برد الشتاء، كانت الأم (سيهان) تبكي، وأبلغتني أنها تخشى احتمال تعرض (آية) للموت بسبب كل هذه الصعاب. ولكن الصغيرة قاطعت أمها قائلة: «آية لن تموت».

وعند العودة إلى منزلي كنت أفكر في هذه العائلات التي كنت على تواصل مع بعضها، في حين أن بعضها الآخر لا أعرف عنه شيئاً. وفي عام 2015 طلبت مني وكالة اللاجئين الدولية العمل على توثيق الأزمات التي يعيشها اللاجئون في أوروبا والشرق الاوسط. وكان المشروع يتضمن توثيق مشاهد مألوفة للجميع، وتبعت رحلة اللاجئين إلى برلين عابراً اوروبا محاولاً تسجيل قصصهم، ولكني كنت أدركت أن الأزمة الحقيقية موجودة في لبنان.

وفي فبراير 2016 عدت إلى هناك، وزرت عائلة (آية)، وكانت قد غادرت الخيمة وتعيش الان في منزل في إحدى ضواحي طرابلس. وكانت (آية) كما هي تعيش حياتها كما تريد، وصوّرتها بينما كانت تجلس على كرسيها المتحرك، ويدفعها اشقاؤها، وهي تصرخ بهم «أسرع أسرع»، وكانت الحياة لاتزال صعبة، و(أيمن) ممنوع من العمل. والتقيت مع عائلة (آية) مرة أخرى بعد ذلك، وتحدثوا عن رغبتهم في العودة إلى سورية بأسرع وقت ممكن، ولكن بعد مرور نحو ست سنوات من الحرب، فإنهم يتساءلون الان عما اذا كانوا سيعودون أصلاً. وحتى لو عادوا فماذا تبقى لهم، إذ ان المدارس والمستشفيات والمكاتب أصبحت جميعها خرائب، ومنزلهم قد دمّر بصورة شاملة، وليس هناك أي مستقبل لهم.

وبالنظر إلى أن مستقبل العودة إلى سورية أصبح الآن غير وارد، كما أن الحياة في لبنان مستحيلة، فإنهم يأملون الآن في الهجرة. وقال (أيمن): «لم أنوِ الذهاب إلى أوروبا بعيداً عن سورية، ولكن اذا كان ذلك لمصلحة أطفالي سأفعل»، وقدمت العائلة طلباً للجوء إلى فرنسا، عبر وكالة اللاجئين الدولية، ولكن مضت أشهر عدة دون أخبار جديدة عن ذلك.

جايلز ديولي - صحافي ومصوّر بريطاني

تويتر