آثاره كارثية ومدمّرة

اغتيال الدبلوماسيين ورجال الــــدولة يُفضي إلى حروب طاحنة وإبادة جماعية

صورة

نقلت وسائل الإعلام المشهد المروّع لاغتيال السفير الروسي لدى تركيا، أندريه كارلوف، بعد أن أطلق عليه شرطي تركي خارج الخدمة الرصاص، يوم الإثنين الموافق 19 ديسمبر، خلال افتتاحه معرضاً فوتوغرافياً بأنقرة. وعلى الرغم من أن البلدين تجاوزا المحنة، وعبّرا عن رغبتهما في مواصلة التعاون، فإن الآثار الكارثية، الدبلوماسية منها والسياسية، التي تخلّفها مثل هذه الاعتداءات القاتلة، جسيمة للغاية، وتؤثر في العلاقات بين الدول المعنية، وقد أدت بالفعل إلى حروب طاحنة لم تكتوِ بنارها الدولتان المعنيتان فحسب، وإنما العالم بأسره، كما حدث في الحرب العالمية الأولى.

وكان عام 1985 هو آخر مرة يُقتل فيها دبلوماسي روسي في نهاية القرن العشرين، في ذروة ما كان يعرف باسم أزمة الرهائن اللبنانية، حيث اختطف مسلحون أربعة دبلوماسيين سوفييت وبعض العاملين في السفارة، في سبتمبر من ذلك العام، أحدهم موظف في القسم القنصلي، هو أركادي كاتكوف، الذي عثر عليه في ما بعد ميتاً بطلق ناري.

مراهق يُشعل الحرب العالمية الأولى

لمشاهدة اغتيالات وهجمات تعرّض لها سفراء في القرن الـ 21، يرجى الضغط على هذا الرابط.

اشتعلت الحرب العالمية الأولى جراء أزمة دبلوماسية تمخضت عن اغتيال وريث العرش النمساوي المجري، الأرشيدوق فرانز فرديناند، في سراييفو على يد المراهق الصربي، غافريلو برينسيب، في 28 يوليو 1914، وبعد 30 يوماً من ذلك الحادث، أعلنت النمسا والمجر الحرب على صربيا. وسرعان ما سقطت أحجار الدومينو، حيث أعلنت ألمانيا في الرابع من أغسطس الحرب على روسيا وفرنسا، وغزت فرنسا ثم بلجيكا، ونتج عن الغزو الأخير دخول بريطانيا العظمى الحرب في ما عُرف لاحقاً بالحرب العالمية الأولى. كل ذلك كان جراء أزمة دبلوماسية استمرت شهراً وحصدت الكثير من الأرواح.

وقع الاغتيال أثناء زيارة وريث العرش النمساوي وزوجته لسراييفو، عاصمة البوسنة والهرسك، وتجمّع في الشارع الذي سيمر به الموكب ستة أعضاء من حركة «البوسنة الشابة»، هم: نيديليكو كابرينوفيك، سيفيتكو بوبوفيتش، محمد باسيك، غافريلو برينسيب، تريفكو غاربيز وفاسو كبريلوفيك، الذين جهّزهم تنظيم «اليد السوداء السرية» لتنفيذ الاغتيال.

عند الساعة 10:10 صباحاً اقتربت سيارة ولي العهد من الحشد، فألقى نيديليكو كابرينوفيك قنبلة على سيارة الأرشيدوق المكشوفة، وتسبب ذلك في إصابة ضابط الحراسة وعدد من المشاهدين راوح عددهم بين 16 و20 مصاباً، وحاولت بقية المجموعة تنفيذ عملية الاغتيال، لكن سيارة ولي العهد مرت بسرعة من بينهم، بعد حادثة القنبلة الأولى. بعد ساعة من هذا الحادث وبعد عودة ولي العهد من مستشفى سراييفو لزيارة ضابط الحراسة المصاب، اتخذت قافلته منعطفاً خاطئاً ودخلت أحد الشوارع، ومن باب المصادفة أن غافريلو برينسيب كان واقفاً هناك ليطلق طلقتين من مسدسه على ولي العهد في الوريد الوداجي، أما الطلقة الثانية فأصابت زوجته صوفي.

كان الهدف السياسي من الاغتيال هو تحرير سلاف الجنوب في النمسا - المجر، ليتمكنوا من الانضمام إلى يوغسلافيا، وكانت دوافع منفذي الاغتيال تتوافق مع ما أصبح يعرف باسم البوسنة الفتاة.

الدبلوماسيون الأميركيون هم الأكثر استهدافاً

تعرّض الدبلوماسيون والمسؤولون الأميركيون لأسوأ الهجمات، لاسيما خلال القرنين الماضي والحاضر، ففي عام 1979 تعرّض السفير الأميركي لأفغانستان، أدولف ديوبس، للاختطاف من قبل مسلحين، الذين قتلوه في وقت لاحق خلال محاولة لإنقاذه. وعلى الرغم من المناشدات من جانب الولايات المتحدة للحكومة الأفغانية بعدم اتباع نهج عنيف خلال عملية الانقاذ، استمر المسؤولون الأفغان في هذا المنحى، ما أدى الى مقتل الدبلوماسي وتعرّضهم لانتقاد شديد في ذلك الوقت من قبل إدارة الرئيس الأميركي السابق، جيمي كارتر. وبغضّ النظر عن ديوبس، تعرض خمسة سفراء أميركيين آخرين للقتل في هجمات مسلحة خلال شغل كارتر منصبه.

ويعتبر مقتل السفير الأميركي لليبيا، كريستوفر ستيفنز، في مقر البعثة الأميركية الخاصة في بنغازي في سبتمبر 2012، آخر حادثة يُقتل فيها دبلوماسي أميركي، حيث قضى في ذلك الهجوم أيضاً ثلاثة أميركيين آخرين. وواجهت وزيرة الخارجية الاميركية آنذاك، هيلاري كلينتون، انتقادات شديدة بسبب ما اعتبره البعض تقصيراً من جانبها، وفشلاً شخصياً في حماية أفراد البعثة الدبلوماسية بعدد كافٍ من أفراد الأمن. فجّر مقتل السفير وثلاثة من الدبلوماسيين في ليبيا، أزمة أمنية في هذا البلد الشمال إفريقي، وارتفعت حدة التوتر في منطقة الشرق الأوسط، وتصاعدت المخاوف حول ما اذا كانت الولايات المتحدة توفر حماية كافية لدبلوماسييها في الخارج.

وردّت الولايات المتحدة على الهجوم بإرسال مدمرتين بحريتين لمياه المنطقة، وعشرات من مشاة البحرية، ومحققين فيدراليين، وعناصر مخابرات الى ليبيا لحماية الأميركيين، والمساعدة في مطاردة المتطرفين الذين يشتبه في أنهم نفذوا الهجوم.

مقتل رئيسين يؤدي إلى إبادة جماعية

لم تقتصر الاعتداءات على الموظفين الدبلوماسيين على الدول الكبرى فحسب، مثل الولايات المتحدة وروسيا، بل تعرضت دول اخرى لما هو أسوأ من ذلك، حيث قضى الرئيسان، الرواندي جوفينال هابياريمانا، والبوروندي سيبريان نتارياميرا في عام 1994، بعد سقوط طائرتهما بصاروخ تم إطلاقه من الأرض.

ففي ليلة السادس من أبريل عام 1994 أُسقطت طائرة كانت تُقلّ الرئيس الرواندي آنذاك ونظيره البوروندي، وقتل جميع من كانوا على متنها. وأنحى متشددو الهوتو باللائمة على جماعة الجبهة الوطنية المتمردة، وبدأوا على الفور حملة منظمة للقتل. وادعت الجبهة الوطنية الرواندية أن الهوتو هم من أسقط الطائرة كذريعة لتنفيذ إبادة جماعية. وقتل خلال 100 يوم فقط من المذابح الجماعية في رواندا، نحو 800 ألف شخص، في عام 1994 على يد متطرفين من قبائل الهوتو الذين استهدفوا أفراد أقلية التوتسي، بالإضافة إلى خصومهم السياسيين الذين لا ينتمون إلى أصولهم العرقية.

تويتر