قدّموا الدعم المادي والسياسي لبلدهم الأصلي

سوريون أميركيون لعبوا دوراً إيجابياً في الصراع الحالي

صورة

تعهّدت الولايات المتحدة بقبول آلاف اللاجئين من سورية التي مزقتها الحرب، وتقول السلطات الأميركية إنها استقبلت نحو 15 ألف لاجئ منذ يناير 2014. ويعتبر ذلك جزءاً صغيراً جداً من 4.8 ملايين لاجئ سوري، فروا من الحرب الأهلية الوحشية بحثاً عن مكان آمن في جميع أنحاء العالم. وفي عام تشهد فيه البلاد انتخابات عامة، لايزال الجدل قائماً حول ما إذا كان هؤلاء اللاجئون سيصبحون عبئاً أو حتى خطراً على المجتمع الأميركي، أم سيكون لهم دور إيجابي؟

وللتكهن بأداء هؤلاء الوافدين الجدد في الولايات المتحدة، قام باحثون بالنظر إلى بيانات نحو 90 ألف مهاجر سوري جاؤوا إلى أميركا منذ فترة أطول بكثير من الآن. في الواقع، يعتبر أداء السوريين الذين يعيشون في البلاد منذ عقود جيداً جداً. فقد تعلموا اللغة الإنجليزية، وحصلوا على وظائف جيدة، إضافة إلى امتلاك المنازل وإدارة أعمال تجارية منافسة ومثيرة للإعجاب، وذلك وفقاً لتحليل أداء المهاجرين السوريين، الذي أجراه معهد السياسة المالية ومركز التقدم الأميركي. ويخلص التحليل إلى أن «هذه النتائج تبعث على الاطمئنان، وينبغي أن توفر الأساس للنظر بشكل مدروس وأكثر استنارة، لكيفية تفكير المهاجرين واللاجئين السوريين في الحاضر والمستقبل».

ويحصل المهاجرون السوريون على رواتب جيدة بمتوسط 52 ألف دولار في العام، مقارنة بمتوسط الأجور للمهاجرين الآخرين الذي يبلغ نحو 32 ألف دولار.

مجتمع مزدهر

ناشطون

مع تزايد حدة الاحتجاجات في سورية وتحوّلها إلى صراع مسلح، كثف السوريون في أميركا من أنشطتهم الإنسانية، لكنهم لم يتخلوا في الوقت ذاته عن النشاط السياسي المناهض لنظام دمشق. وانخرط عدد من النشطاء السياسيين والمعارضين السابقين للنظام، في أنشطة سياسية تحولت لاحقاً إلى تكتلات سياسية حاولت التأثير في الموقف الأميركي حيال النزاع السوري. وعقد النشطاء السياسيون اجتماعات مكثفة مع مسؤولين في واشنطن وشخصيات فاعلة، في محاولة للضغط على البيت الأبيض لاتخاذ موقف أكثر حزماً تجاه النظام السوري.

وفي هذا السياق، سعت منظمة «التحالف الأميركي السوري» منذ تأسيسها في 2012 إلى الضغط على الحكومة الأميركية، عبر سلسلة لقاءات عقدها أعضاء المنظمة مع مسؤولين في البيت الأبيض وأعضاء في الكونغرس.

الولايات المتحدة وافقت على استقبال اللاجئين السوريين، للقيام بدورها في الجهود الإنسانية إلى جانب أعضاء المجموعة الدولية.

ووجدت الدراسة أن أغلب الأميركيين من أصول سورية هم أصحاب أعمال أو يمتلكون حصصاً في شركات متوسطة أو صغيرة. ولدى 11% منهم تجارة أو عمل خاص. أما السوريون المولودون في الولايات المتحدة، فتقول البيانات، إنهم حصلوا على مستويات جيدة من التعليم؛ إذ حاز أكثر من ربع الذكور على شهادات متقدمة في الجامعات الأميركية. وبعد العيش أكثر من 20 عاماً في أميركا، حصل أغلب المهاجرين على الجنسية الأميركية، وهي نسبة تفوق معدل التجنيس لدى المهاجرين الآخرين بكثير.

يقول خبراء أميركيون إنه ينبغي لهذا المجتمع السوري-الأميركي المزدهر، توفير قاعدة صلبة من الدعم للاجئين السوريين الجدد. ويورد التقرير مثالاً من النادي السوري-الأميركي في هيوستن، وهو مجموعة غير ربحية من المهنيين تساعد الوافدين الجدد على تقديم طلبات العمل وتحضيرهم لمقابلات التوظيف، كما تجمع الأموال لصالح المنح الدراسية الأكاديمية.

ورغم الحملة السياسية الأخيرة التي أثارت مخاوف حول المهاجرين، إلا أن آراء الأميركيين تجاه هؤلاء القادمين الجدد أصبحت، في الواقع، أكثر إيجابية في السنوات الأخيرة، وفقاً لاستطلاع أجراه أخيراً مركز «بيو» للأبحاث، إذ قال ما يقرب من ثلثي البالغين في الولايات المتحدة (63٪) إنهم يعتقدون أن المهاجرين سيؤثرون إيجاباً بسبب الخبرة الكبيرة والمواهب التي جلبوها معهم، مقابل 27% فقط من الأميركيين، الذين يتوقعون أن اللاجئين سيكون لهم تأثير سلبي في البلاد، بما في ذلك شغل وظائف أكثر من الأميركيين، وعبء الخدمات الاجتماعية والرعاية الصحية.

هذا ما يناقض تماماً المواقف في التسعينات، وفقاً لمركز «بيو»، عندما كان 63% من الأميركيين يرون في المهاجرين عبئاً على بلادهم، في حين قال 31٪ فقط إنهم يشكلون تعزيزاً لقدرات الأمة.

وقد وافقت الولايات المتحدة على استقبال اللاجئين السوريين للقيام بدورها في الجهود الإنسانية إلى جانب أعضاء المجموعة الدولية، ولم يكن الدافع بالضرورة الاستفادة اقتصادياً. ويقول مسؤولون إنه من المبكر الحديث عن الاستفادة من هذه الدراسة الحديثة، وما إن كان أداء المهاجرين الذين جاؤوا في وقت سابق سيعزز الثقة بالوافدين الجدد ليصبحوا قوة إيجابية في الحياة الأميركية.

كوكب آخر

تعيش آلاء بستنة في «دي بلاينز» في ولاية إلينوي، وقد أسهمت في التنسيق للثورة في سورية انطلاقاً من حاسبها المحمول. وكانت الطالبة في مجال الطب، البالغة من العمر 23 عاماً، تقضي ما بين ست الى ثماني ساعات يومياً على الانترنت، تتواصل مع الناس في بلدها الأصلي. وكانت تساعد على إيجاد طرق لهروب المحتجين في بداية الثورة وبعدها، مستخدمة الخرائط والمواقع المختلفة، إضافة إلى ذلك أسهمت في ربط النشطاء بعضهم ببعض، في مختلف المناطق بسورية.

ولدت آلاء في سورية وانتقلت مع عائلتها إلى الولايات المتحدة عندما كان عمرها ستة أشهر. ولأنها صدمت بما قام به نظام الأسد في درعا، خلال مارس 2011، بتعذيب 15 طفلاً بسبب كتابة شعارات مناهضة للنظام على جدران مدرسة؛ فقد قررت الانخراط في الثورة عن بعد، في بداية الأمر. وكانت حينها طالبة في الكلية تعيش حياة عادية، مثل أغلب الأميركيين. وتروي الشابة قائلة: «شعرت وكأني أسمع خبراً من كوكب آخر»، مضيفة «لذلك بحثت في جميع أنحاء الغرفة، وكان أول ما رأيته جهاز الكمبيوتر المحمول، وقلت في نفسي سأقدم المساعدة باستخدام هذا الجهاز».

شبكات فعالة

درست إيفا سوبودا، وهي زميل «معهد تنمية ما وراء البحار»، المساهمة التي قام بها الأميركيون من أصول سورية في الحرب الأهلية، «سوريو المهجر قاموا بدور مهم للغاية في هذا الصراع»، وتوضح سوبودا «منذ البداية وجدت منظمات الإغاثة الدولية صعوبة كبيرة للوصول إلى المناطق المتضررة، وفي غياب المساهمة الدولية فقد ملأت جهود المهاجرين هذا الفراغ»، وتضيف قائلة: «لديهم طرق جيدة للتواصل، وهم سوريون يتحدثون العربية، كما أنهم أنشأوا شبكات فعالة للتعامل مع آثار الدمار، وتقديم المساعدة للمحتاجين». في المقابل، تقول الباحثة الأميركية، إن العلاقات الشخصية التي يمتلكها الأميركيون من أصول سورية قد تكون عبئاً، أيضاً، مع أنها ذات قيمة كبيرة في وقت الصراع «من الصعب أن يرى أحدهم أقاربه أو أصدقاءه يعانون».

يقول زاهر سهلول، وهو طبيب سوري يحمل الجنسية الأميركية، إن رؤية «من نحب يعانون بات واقعاً يجب التعامل معه»، ويوضح الطبيب الذي ذهب مرات عدة إلى سورية، لتقديم الدعم للكادر الطبي هناك «لا أعتقد أن هناك سورياً في العالم لم يتأثر بما يحدث في بلاده. كل واحد منا لديه شخص يعرفه قتل أو جرح أو تعرّض للتعذيب أو السجن»، مضيفاً «من منا لا يعرف قريباً أو صديقاً دمر منزله، أو محل عمله، بقصف مدفعي أو غارة جوية».

تويتر