تكتسي أزقّتها وبلداتها زينة خاصة تخفّف من أوجاعها

القدس تخلع ثوب المعاناة فــي رمضان

صورة

لشهر رمضان المبارك روح أخرى في القدس المحتلة ليست لغيرها من المدن، فأكاليل النور الملونة تملأ سماء المدينة المقدسة في الليالي الرمضانية، معلنةً فرحتها بزائرها السنوي.

ورغم كل الألم الذي تمر ومرت به مدينة القدس، لاسيما خلال أحداث المواجهات الأخيرة بين الشبان الفلسطينيين والقوات الإسرائيلية، إلا أن البلدة القديمة اكتست حلتها الرمضانية الخاصة، ما أضفى جمالاً ورونقاً مميزاً على مظاهر شهر الصيام داخل أزقة المدينة وحاراتها.

وأضاءت زينة رمضان أزقة وأحياء القدس، نازعة ثوب المعاناة عن مدينة السلام، التي استقبلت الزوار من كل المناطق والقرى الفلسطينية، الذين شدوا الرحال ليقضوا رمضان في رحاب المسجد الأقصى.

ولا تقتصر الطقوس الرمضانية في القدس على المحال التجارية وتزيين الأزقة، بل تمتد لمنازل القدس العتيقة، التي يعيش ساكنوها أجواء روحانية فريدة من نوعها لقربهم من المسجد الأقصى المبارك.

تزيد زينة شهر رمضان المدينة المقدسة وقاراً وجمالاً، ففي كل ركن فيها تتناثر الزينة والفوانيس والأضواء، فيما تغطي أجزاء من جدران بيوت بنيت بالحجر التراثي، لتخفف أوجاع المقدسيين، وتخفي التشويه الذي يهدف إلى طمس هوية القدس، ومكانتها التاريخية.

ولعل أكثر الحارات تميزاً في أشكال الزينة التي تشد الناظرين كل عام، هي «حارة باب حطة» التي تتبنى الأفكار الابداعية في الزينة الرمضانية.

ماهر الترياقي واحد من عشرات الشبان المسؤولين عن تزيين حارات القدس، والذين يؤمنون بأهمية العمل والتعاون بين أبناء البلدة القديمة، لترتدي مدينتهم ثوباً مغايراً لأشهر العام التي تقضيها في ظل معاناة قاسية.

ويقول الترياقي لـ«الإمارات اليوم»: «إن لمدينة القدس طقوساً خاصة في رمضان لا تعرفها أي مدينة أخرى، فقد زيّنا الطرق المؤدية للأقصى بكرات زجاجية مضيئة تحمل أسماء المحافظات الفلسطينية، حيث وضعت بشكل عمودي، لترافق المصلين بدءاً من طريق (باب حطة) حتى وصولهم للمسجد الأقصى».

واحتفالاً بحلول الشهر الكريم شكلت 10 مؤسسات مقدسية ائتلافاً من أجل رمضان، للقيام بفعاليات عدة خلال أيامه ولياليه، حيث كانت أولى الفعاليات تنظيم مسيرة أطفال الفوانيس التي انطلقت مساء الجمعة الثانية من شهر رمضان، والتي انطلقت من (سوق القطانين) قرب المسجد الأقصى المبارك، مروراً بشارع الواد، وصولاً إلى باب العمود، حيث حمل الأطفال الفوانيس المضيئة.

ويقول منسق الائتلاف المقدسي ومدير جمعية الرازي للثقافة والمجتمع، جميل دويك، معلقاً «إن هذه المسيرات هدفها استرجاع الماضي، للتأكيد على إسلامية القدس وعروبتها في وجه التهويد الذي تعيشه هذه الأيام».

في باب العامود أشهر أبواب المدينة القديمة تختلط أصوات الباعة على البسطات، لتزداد رغبة المارة في الإقبال على بضاعتهم، وأكثرها القطايف التي تعد سيدة الحلويات في القدس، فعندما يحل رمضان لا تغيب عن البال حلوى القطايف، التي يقبل الناس على شرائها بكميات كبيرة.

ويقول بائع القطايف في سوق باب العامود، عادل زلاطيمو، معلقاً «إن حلوى القطايف ارتبطت بشهر رمضان، حيث يكثر بيعها والإقبال عليها، خصوصاً في أوائل وأواخر الشهر، ففي أوله يكون الناس مشتاقين له، وفي أواخره يودعونه إلى لقاء في عام آخر».

وإضافة إلى القطايف تشتهر القدس بالكثير من الحلويات الرمضانية التي لا يكتمل سحور المقدسيين إلا بها، ومنها البرازق، والهريسة، والكنافة، والكلاج، إلى جانب زيادة الإقبال على المشروبات الرمضانية كشراب الخروب، وعرق السوس، واللوز، والليمون.

حافظ المقدسيون على عادتهم في إطلاق مدفع رمضان منذ العهد العثماني، وذلك رغم تعاقب العديد من الأنظمة على المدينة المقدسة، ليبقى مدفع رمضان رمزاً مقدسياً وإرثاً تاريخياً وحضارياً، وعادة رمضانية تضاف إلى العادات الأخرى الخاصة بأهل المدينة.

وتكون الطلقة الأولى لهذا المدفع عند ثبوت رؤية هلال رمضان، حيث تترقب العائلات المقدسية وعبر عشرات السنوات الإعلان عن شهر رمضان عبر سماعها صوت مدفع رمضان في أرجاء المدينة، إيذاناً ببدء الشهر الفضيل، ثم يستمر استخدام المدفع للإعلان عن الإمساك عن الطعام والإفطار، والذي يتكرر يومياً مرتين.

ويقع مدفع مدينة القدس في مقبرة باب الساهرة الإسلامية، بشارع صلاح الدين وسط القدس، وقرب أسوارها التاريخية، وتوارثت عائلة صندوقة المقدسية الإشراف على ضرب المدفع أباً عن جد منذ عشرات السنين.

ويرافق الطفل كرم صندوقة والده عادل مرتين يومياً لإطلاق مدفع رمضان، وهو ما يزيد من فرحته بقضاء مظاهر رمضان في القدس.

وببراءة الطفولة يقول الطفل كرم: «إن أكثر ما يسعدني في رمضان هو مراقبة انطلاق المدفع، وسماع صوته إيذاناً بحلول موعد الإفطار».

في كل عام يشد الفلسطينيون رحالهم إلى المسجد الأقصى المبارك، متسابقين خلال أيام الجمع الفضيلة للصلاة فيه، إذ تحتشد بهم الطرقات الواصلة إلى القدس من رام الله، وتضيق بهم عتبات المسجد القديمة، بعضهم يحمل تصريحاً مؤقتاً من قبل الاحتلال، وآخر يتحدى الممارسات والقيود الإسرائيلية التي تضاهي سنوات عمره الثقيلة، في سبيل الوصول إلى الأقصى.

ويقول الناطق باسم مؤسسة الأقصى للوقف والتراث، محمود أبوالعطا، لـ«الإمارات اليوم»: «قبيل أذان الظهر بساعات تمتلئ باحات الأقصى بالمصلين، وأكثر من يحضرون إلى المسجد المسنون والنسوة والأطفال، فيما يجتمع من استطاع الوصول من الشباب لتبادل الصور حاملين على ظهورهم حقيبة خفيفة، استعداداً للاعتكاف والتعبد لأيام معدودات».

ويعمل سكان وشباب البلدة القديمة، بحسب أبوالعطا، ليل نهار من أجل توفير كل سبل الراحة للمصلين والمعتكفين والزائرين، فيما تشرف اللجان والمؤسسات والجمعيات الخيرية في القدس على خدمة الوافدين للأقصى المبارك في الشهر الفضيل، وتقديم وجبات الإفطار للصائمين الوافدين للأقصى، بالإضافة إلى إعداد برامج حافلة بالدروس الفقهية والدينية لأئمة المسجد وعلمائه.

تويتر