لا يحملون أوراقاً ثبوتية وحكومة بورما لا تعترف بهم كمواطنين

مسلمو الروهينغا الأقلية الأكــثر تعرّضاً للاضطهاد في العالم

صورة

لطالما يمكث الروهينغي نورالام مستيقظاً ساعات عدة في الليل، عندما تهب الرياح الدافئة عبر الكوخ الذي يقيم به، حاملة معها رائحة البحر. وهو ينظر الى شقيقته مستلقية الى جانبه على بساط رث. ويرى شقيقه بالقرب من قدميه، وكذلك أمه، وهما نائمان. واذا اتجه نحو البحر، كما فعل ذات يوم وسلم نفسه له متجهاً نحو ماليزيا، فإنه سيترك عائلته هنا، في مخيم اللاجئين الواقع في غرب بورما.

وبالطبع فإنهم سيشتاقون اليه، ولكن ألن يمنح ذلك أشقاءه وأمه متسعاً أكبر خلال إقامتهم في الغرفة؟ ولكن أليس ذلك سيجعل من نورالام، 23 عاماً، شخصاً حقيقياً؟ شخصاً يمتلك عملاً وحقوقاً كما قال لنفسه. وباعتباره أحد أفراد أقلية الروهينغا المسلمين، فإنه غير معترف به كمواطن في بلده. وفي السنوات الأخيرة، كان البوذيون المتطرفون يؤلبون الشعب ضد المسلمين. وعلى الرغم من انه ولد في بورما، إلا أن السلطات في بلده تشير إليه بلقب «بنغال».

قوانين

يدرك نورالام أنه ثمة أربعة قوانين عنصرية تجري الآن مناقشتها في البرلمان، ووافق الرئيس البورمي، ثين سين، على بعضها، حيث ينص الأول: على المرأة أن تقدم طلباً للحكومة اذا كانت تريد الزواج من رجل مسلم. والثاني ينص على تحريم تعدد الزوجات. والثالث ينص على منع المرأة من الإنجاب سوى طفل واحد كل ثلاث سنوات. والرابع ينص على أنه من يريد تغيير دينه يجب أن يحصل على موافقة الحكومة.

ويخشى ناشطو حقوق الانسان أن يتم تطبيق هذه القوانين من قبل الحكومات المحلية في المناطق التي يعيش بها الروهينغا. لكن الحقيقة تؤكد أن قلة منهم يملكون أوراقاً تثبت هويتهم.


اغتصاب

بحسب الأمم المتحدة، فإن مسلمي الروهينغا هم أكثر الأقليات اضطهاداً في العالم. وبدات معاناتهم تشتد قبل ثلاث سنوات، عندما وقعت حادثة أدت إلى تقسيم حياتهم إلى مرحلتين ما قبل الحادثة وبعد الحادثة. ففي مايو عام 2012 اتهمت مجموعة من المسلمين باغتصاب وقتل امرأة بوذية، وقام البوذيون على أثرها بحرق قرى الروهينغا انتقاماً لذلك. وقتل المئات من الروهينغا وفر الآلاف منهم، ولايزال الآلاف منهم يعيشون في المخيمات منذ تلك الفترة.

ولكن ما الذي يدفع رجلاً مثل نورالام، للبقاء في دول يعتبر فيها مشرداً، ولن تمنحه جواز سفر أو أوراقاً ثبوتية؟ بالنظر إلى أنه لا يملك القيام بأي شيء افضل من ذلك، فإنها تبقى مجرد أفكار تراود نورالام كثيراً خلال بقائه في المخيّم.

ولطالما شاهد نورالام الأطفال العراة في المخيّم، وهم يقفون ويلعبون وسط مياه المجاري. وحتى العام الجاري قام نحو 2500 من أفراد الروهينغا بالهرب بواسطة القوارب عبر خليج البنغال. وكانت صور رحلاتهم الطويلة البائسة قبالة شواطئ تايلاند، وماليزيا، وإندونيسيا، قد تم تناقلها عبر أنحاء العالم. وقال نورالام لنفسه: «سأكون واحداً منهم يوماً ما».

وبحسب الأمم المتحدة، فإن مسلمي الروهينغا تعد إحدى أكثر الأقليات اضطهاداً في العالم.

وبدأت قصة نورالام قبل ثلاث سنوات، عندما وقعت حادثة أدت إلى تقسيم حياة الروهينغا إلى مرحلتين قبل الحادثة وبعد الحادثة. وفي مايو عام 2012 اتهمت مجموعة من المسلمين باغتصاب وقتل امرأة بوذية، وقام البوذيون على أثرها بحرق قرى الروهينغا انتقاماً لذلك. وقتل المئات من الروهينغا وفر الآلاف منهم، ولايزال الآلاف منهم يعيشون في المخيمات منذ تلك الفترة.

وفي تلك الفترة كان نورالام يعمل قائداً لعربة تعرف باسم «الركشا» في مدينة اسمها سيتوي. وهو لم يذهب الى المدرسة في حياته. وعندما عاد إلى منزله في الثامن من يوليو 2012 وجد جارته مكومة أمام المنزل، ورأسها المقطوع بجانب ابنها. وشاهد نورالام في تلك الليلة البوذيين وهم يقتلون الروهينغا المسلمين، واضطر للهرب إلى الغابات، وبعد ذلك ساعدته الحكومة على العيش في مخيم.

وفي ليلة 14 أبريل، عندما كان جميع أفراد عائلته نياماً، نهض نورالام، وخرج بهدوء من الكوخ، واتجه نحو البحر. وكان قد اتفق مع أحد المهربين الذي كان بانتظاره هناك. ولم يكن نورالام يعرف ما الرحلة التي سيبدأها، وانما كان يريد أن يضع هذه الحياة البائسة في بورما وراء ظهره إلى الأبد، ولكنه عاد بعد بضعة أسابيع إلى الكوخ، الذي تعيش فيه عائلته، المكونة من أمه وأشقائه الثلاثة منذ ثلاث سنوات في «كامب بودوبا»، وهي منطقة تم طرد مسلمي الروهينغا إليها في ولاية راخين، التي تعتبر أشد الولايات فقراً في بورما، ويعيش فيها نحو ثلاثة ملايين شخص، بمن فيهم نحو مليون شخص من الروهينغا.

ومنهم 140 ألف شخص أجبروا على العيش في قرى شبيهة بحياة الغيتو، ولا يسمح لهم بالمغادرة. ويقول نورالام: «نحن نعيش في سجن كبير هنا».

وكان المهرب الذي التقى مع نورالام على الشاطئ، قد أخذه إلى سفينة جاءت من تايلاند، وكان على متنها 400 شخصاً من الروهينغا من بورما وبنغلاديش، حيث يعيش نحو 200 الف من الروهينغا. وعندما أبحرت السفينة نحو البحر بدأ نورالام يبكي، حيث تذكّر أمه النائمة، ومع ذلك فإنه كان مقتنعاً بأنه فعل الصواب. ولم يطلب منه المهرب المال في البداية، ولكن عندما كان أي شخص يريد مغادرة السفينة يطالبه بضرورة دفع الأتعاب. وكان ثمن نقل الشخص من بورما عبر بحر «اندامان» إلى تايلاند، ومن ثم عبر طريق برية إلى ماليزيا، يبلغ 2000 دولار.

وأما الذين كانوا لا يملكون المال فقد تم اعتقالهم على السفينة من قبل المهربين، ونقلهم إلى أكواخ في الغابات، حيث يقومون بتعذيبهم ويتصلون بأقربائهم، ويجبرونهم على دفع المال، وكانت السفينة التي تقل نورالام قد رست أمام شواطئ تايلاند، ولكن لم يسمح له بمغادرة السفينة. وتقول منظمات حقوق الانسان إن نحو 4000 من مسلمي الروهينغا هائمون على وجوههم، لا يدرون أين يذهبون، وترفض الدول استقبالهم، في حين أن كثيرين منهم يجري احتجازهم في الغابات، حتى يضطر أقرباؤهم الى دفع أجر نقلهم عبر البحار.

ويتحدث نورالام كيف أنه بقي في السفينة الراسية أمام تايلاند 10 أيام، دون أن يسمح له بالخروج، لأنه لم يكن يملك المال، وكيف أنه كان يخشى الموت جوعاً وعطشاً، إلى أن ظهرت سفن البحرية التايلاندية، واضطرت سفينة المهربين لترك الاشخاص المحبوسين داخلها، وبعد ذلك عاد نورالام إلى مدينة سيتوي، حيث وصل إلى كوخ العائلة وهو ضعيف ومتعب، ويشعر بالخجل الشديد، لفشله في الخروج من بورما.

وتقول شقيقة نورالام إنها ستجد زوجة لشقيقها، مضيفة «لأننا ننتمي إلى هذا البلد»، ويبدو أنها متوهمة بحقيقة أن الروهينغا يمكنهم أن يقدموا طلب المواطنة من الدرجة الثانية، اذا تمكنوا من اثبات أنهم عاشوا في بورما لأكثر من 60 عاماً. ومع ذلك فإنه يتعين عليهم قبول اسم «بنغالي»، ويبدو أنها مبادرة سخية من الحكومة أن تقدم لهم ذلك. وترفض الاغلبية البوذية منح المواطنة للروهينغا، خصوصاً المنظمات القومية المتشددة مثل حركة 969 التي تمتلك نفوذاً واسعاً في بورما، حيث تقول هذه الحركة إن البوذيين هم المواطنون الحقيقيون في بورما.

وعندما يفكر نورالام في المستقبل، يقول إنه يعتقد بأنه سيعمل في بيع الدجاج، مضيفاً أنه أمر جيد أن يكسب بعض المال من أجل أمه. ويؤكد أنه شخصياً لا يقلقه كونه لا يملك أي شيء، فهو يدرك أنه ليس لديه أي فرص في بورما. وهو يريد البقاء حراً وغير ملتزم بأي شيء، الأمر الذي يسهل عليه الهرب عندما يريد.

حياة  لا تُطاق

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2015/08/356446.jpg

سان سو كي تصمت على عذابات مسلمي الروهينغا خشية فقدان أصوات الناخبين. أرشيفية

تمثل ولاية راخين صورة للاضطرابات الداخلية في بورما، إذ أصبحت بورما منفتحة على العالم منذ وصول الرئيس ثين سين إلى السلطة في مارس 2011، بعد نصف قرن من الحكم العسكري الاستبدادي. ونالت زعيمة الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية، أونغ سان سو كي، الاعتراف الرسمي زعيمة لحزب معارض في حينه، وتم إطلاق سراح السجناء السياسيين، ورفع الغرب معظم العقوبات المفروضة ضد بورما. ولبعض الوقت بدت بورما إحدى القصص المثيرة للإعجاب حول العالم. ولكن سرعان ما تغير ذلك، وبدأت موجة العنف ضد الروهينغا.

وخلال المرحلة الانتقالية السياسية الهشة نحو الديمقراطية في الأعوام الأخيرة، أذكت الحكومة نار أعمال العنف القديمة. ويمكن تحديد هوية بورما بأنها دينية إلى حد كبير. ويعتقد العديد من البوذيين أن مسلمي الروهينغا، تم جلبهم إلى بورما عن طريق المستعمر البريطاني السابق، ولذلك فإنهم يشعرون بالتهديد من قبلهم.

وفي حقيقة الأمر فإن المجتمع الاسلامي في بورما موجود فيها منذ القرن السادس عشر. وخلال مرحلة الاستعمار البريطاني جاء المسلمون كعمال، وعندما استقلت بورما عام 1948، كان المسلمون يمثلون الأغلبية في العديد من مناطق ولاية راخين، ولكن البوذيين اتهموهم بأنهم يحظون بدعم البريطانيين. وفي عام 1982 رفضت الحكومة منح الروهينغا الجنسية البورمية، واستمر التمييز العنصري ضدهم حتى يومنا هذا.

وحتى أونغ سان كي، التي حازت جائزة نوبل، والتي تعرضت للإقامة الجبرية سنوات عدة، من قبل حكم الدكتاتورية العسكرية، تصمت الآن ولا تتحدث بأي كلمة بحق الروهينغا. وربما يعزا ذلك إلى أنها لا تريد أن تخسر الناخبين في الانتخابات المقررة قريباً، وعندما سئل المتحدث باسم سو كي عن الروهينغا، قال «إنهم مهاجرون بنغال».

وثمة آثار قليلة على وجود أعمال مساعدة تقدمها المنظمات الدولية في المخيم الذي يعيش فيه نورالام. وفي عام 2014 اقتحم البوذيون في ولاية راخين مكاتب منظمة «أطباء بلا حدود» المحلية، وحطموا الأثاث، وطالبوا بالحصول على نصف المساعدات الموجودة لديهم. وتسيطر الآن لجان البوذيين على المخيم، وتترك المدارس بلا معلمين، والمستوصفات بلا أطباء. ويقول نورالام: «الحياة هنا لا تُطاق».


التحريض  على الكراهية

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2015/08/356574.jpg

الراهب فيراثو أشد المتطرفين تحريضاً ضد مسلمي الروهينغا.

في مدينة ماندالاي بوسط بورما يستقبل الراهب أشن فيراثو، 46 عاماً، زائريه في دير ماسو يين. وهو رجل صغير الحجم ناعم الصوت يحمل ابتسامة لطيفة، لكنه مع ذلك اطلقت عليه مجلة تايم الأميركية «ابن لادن البورمي»، وحكم على فيراثو بالسجن لمدة سبع سنوات، لقيامه بالتحريض على الكراهية. ونظراً إلى إطلاق سراحه من قبل برنامج العفو قبل بضع سنوات، فقد أصبح الآن زعيماً لنحو 2500 راهب، بيد أن كثيرين ينظرون إليه باعتباره دمية في يد النظام.

ولا يتحدث فيراثو إلا عن موضوع واحد، يفيد بأن مسلمي الروهينغا سيسيطرون على بورما. وعندما سئل فيراثو عن سبب معاداته لمسلمي الروهينغا، قال: «المسلمون أقلية هنا، ولكنهم في الوقت ذاته يشكلون تهديداً علينا، ويمكنك أن ترى ما فعله المسلمون في العالم، من تفجير وقتل في العديد من دول العالم. إنهم يريدون تحويل ولاية راخين إلى جمهورية بنغالي»، ولكن عندما سئل عن سبب هروب الروهينغا لاذ بالصمت.

وعندما سئل عن سبب عدم تقديم المساعدة للاجئين، قال: «بورما غير مسؤولة عنهم. وفي نهاية المطاف فإن المشردين لا يمكن أن يكونوا لاجئين»، وكان يبدو سعيداً بجوابه الأخير. وادعى أن دولاً إسلامية تقدم المساعدة للروهينغا.

تويتر