جواز سفره الأميركي لم يمنحه حصانة أو يمنع ترحيله

إسرائيل تعتقل الأميركي جورج خوري في المطار لأن أصوله فلسطــينية

صورة

هذه قصة أميركي من أصول فلسطينية، هاجر إلى أميركا قبل 46 عاماً، وحصل على جنسيتها، ثم أراد العودة إلى وطنه لرؤية أهله وأصدقائه، لكنه تعرض للاحتجاز في إسرائيل، بعد أن وصل إليها عبر مطار بن غوريون، ليس لسبب سوى أنه من أصول فلسطينية. ويروي جورج خوري قصته، والمهانة والذل والاستفزاز الذي تعرض له خلال فترة احتجازه من عملاء «الشين بيت»، بل استفزاز الإسرائيليين للدولة التي منحته جوازها.

يقول خوري: «بعد 21 عاماً من غيابي عن القدس ووطني فلسطين، قرّرت السفر إلى هناك، وهذه المرة باعتباري مواطناً أميركياً أحمل جواز سفر أميركياً، حصلت عليه عام 1975، وكان الغرض من الزيارة هو الحج مع الأب برنارد بوجي، وأيضاً لرؤية الأهل والأصدقاء، الذين لم أكن قد رأيتهم منذ عقود. وبمجرد وصولنا إلى مطار بن غوريون في تل أبيب، سمحوا للأب برنارد بالدخول، وعندما حان دوري، طلبت مني جندية شابة أن أتبعها إلى «الغرفة الخضراء» من أجل استجوابي.

استجوبني أحد الأفراد، وأعتقد انه ينتمي إلى جهاز الشين بيت، وكان أسلوبه استفزازياً في الاستجواب، وجرى على النحو الآتي:

«إذن، أتيت عبر مطار بن غوريون، فأجبته: نعم، وما المشكلة في ذلك؟! فرد عليّ: غير مسموح لك بأن تدخل من هنا. سألته: لماذا؟ فأنا أحمل جواز سفر أميركياً، وأتيت إلى هنا مع الأب بيرنارد لقضاء أسابيع قليلة في القدس، وهذا كل ما في الأمر، أتينا إلى هنا من أجل الحج وزيارة بعض الأصدقاء والأسرة.

ويرد علي العميل بأنني لا أستطيع دخول إسرائيل، وكان من المفترض ان أدخل من ناحية جسر اللنبي. وأسأله: لماذا ينبغي ان أفعل ذلك؟ فأنا لم آتِ إلى هنا كفلسطيني، ولكن كمواطن أميركي! فيقول لي العميل باستفزاز أيضاً: لا، أنت فلسطيني، لماذا تنكر ذلك؟، فأرد عليه: أنا لا أنكر أنني فلسطيني، أنا فلسطيني من رأسي إلى أخمص قدميّ، والدي فلسطيني، والدتي فلسطينية، إخوتي جميعهم فلسطينيون، جدي كان قسيساً أرثوذكسياً، وأستطيع أن أتتبع جذوري الفلسطينية إلى 500 عام مضت، ماذا تعني بأنني أُنكر، أنا لا أنكر شيئاً؟!

ويقول لي العميل: لا، أنت تنتمي إلى الفلسطينيين، إسرائيل لنا، لليهود، لا ينبغي أن يأتي فلسطيني إلى هنا، عليك أن تذهب إلى هناك عن طريق جسر اللنبي.

وأسأله عن سبب زعمه ذاك، وأتساءل: هل أحمل جواز سفر فلسطينياً؟ هل أعيش تحت إمرة السلطة الفلسطينية؟ عندما تشكلت السلطة الفلسطينية لم أكن فلسطينياً، ولم أكن أحمل جواز سفر فلسطينياً! ويقول لي العميل إنني أحمل هوية إسرائيلية، ويشير إلى الهوية الإسرائيلية التي صدرت لي بعد احتلال إسرائيل للضفة الغربية عام 1967، وأكد لي أنني كنت أحمل هوية إسرائيلية إلى أن غادرت إلى الولايات المتحدة عام 1969. وأرد عليه بأن الهوية الإسرائيلية ليست جواز سفر فلسطينياً، وأنني لم أكن ابداً مواطناً لبلد تسمى فلسطين، وأنني أتيت إلى هنا بجواز سفر أميركي، وأن عليه أن يحترم ذلك.

ويرد عليّ العميل باستفزاز شديد: كيف تريدني ان أحترم جوازك الأميركي؟ هل تريدني أن أقبله.. أحتضنه أو أعبده؟ وهناك شيء آخر: أنت إنسان وقح غير مهذب، أنت فلسطيني، متطاول وغير محترم.

قلت له إنني لست إنساناً وقحاً، ولكنني أوضح الحقائق، وانني أشرح لك بأنني أميركي خلال الـ40 عاماً الماضية، وعشت في أميركا 46 عاماً، فتجاهلت كل هذه الحقائق القانونية.

وفي نهاية المطاف أخبرني العميل بأنني سأُرحل إلى الأردن، وعليّ ان أدخل إسرائيل عبر جسر اللنبي، إن كنت أريد الذهاب إلى الضفة الغربية. فعدت إلى الأب بيرنارد، الذي كان ينتظر في الخارج، وأخبرته ما حدث بيني وبين عميل (الشين بيت). وبعد فترة قصيرة عاد العميل ومعه أمر ترحيلي. ثم انتظر حتى عاد اثنان من ضباط الأمن ليخبراني بأنه لن يتم ترحيلي إلى الأردن، ولكن عبر آخر مطار سافرت منه إلى بن غوريون (في إيطاليا)، ومن هناك يمكنني السفر إلى الأردن ان أردت ذلك. أصبت بالصدمة ولكنني لم يكن لدي خيار، اعطاني الأب بيرنارد رقم هاتفه في الأردن، واتفقنا على أن نتقابل هناك في اليوم التالي.

افترقنا أنا وبرنارد وعدت مع ضباط الأمن الإسرائيليين، وأبقوني مع آخرين في المطار حتى الساعة 01:30 بتاريخ 21 يوليو الماضي. وبعد ان تضورنا جوعاً، أحضروا لنا شطائر في نهاية المطاف، وكان معنا في الاحتجاز امرأة فلسطينية وابنتها (أميركيتان من أصول فلسطينية)، وأخبرهما مسؤولون إسرائيليون بأنهما سترحلان إلى الولايات المتحدة، لكن كل واحدة على حدة. انخرطت المرأة وابنتها في البكاء، وطلبتا السماح لهما على الأقل بترحيلهما معاً، ولكن دون جدوى. كان هناك في الحجز أيضاً امرأة بريطانية شابة، كانت تعمل مع مجموعة حقوق الإنسان في إسرائيل، ورجل كوري، وروسية شابة، لا أحد منهما يتحدث الإنجليزية بطلاقة.

أخذتنا سيارة إلى بعد نحو نصف ساعة تقريباً عن المطار، وكان الشاب الكوري يتحدث بإنجليزيته الركيكة، كان جائعاً، ومفلساً، وسأل الحراس بصوت ضعيف للغاية: هل نحن ذاهبون للموت الليلة؟ كانت تقلنا شاحنة صغيرة محاطة بقضبان، ومصممة للسجناء، واحتجزونا مثل المجرمين في معتقل مخصص للمهاجرين المخالفين.

أغلقوا علينا الأبواب، ومنعوني أنا شخصياً من الاحتفاظ بالهاتف المحمول، أو أخذ كتاب معي داخل تلك الغرفة القذرة، ورموا بي هناك مع مجموعة من الفقراء، والجوعى، وأناس تائهين من مختلف الخلفيات والقوميات والأعراق. كان الوقت نحو الثانية صباحاً.

قضينا في مركز الاعتقال يوم الثلاثاء بأكمله، ولم نكن نعرف متى سيتم ترحيلنا، كان هناك حارس عربي خارج الزنزانة، تجرأت وسألته: أنت بالتأكيد تعرف أسماءنا وكل شيء عنا، فما اسمك؟ قال لي: اسمي جورج. وبدا لي من لهجته أنه من أبناء الناصرة، ثم سألته مرة أخرى: لماذا تعاملوننا مثل السجناء؟ فرد عليّ قائلاً: هذا هو بالضبط وضعكم. ثم سمح لي بأن استخدم الهاتف للاتصال بزوجتي ناريمان، لأقول لها أين أنا. لم أستطع النوم طوال الليل، لأن أضواء النيون الساطعة ظلت مضاءة طوال الوقت.

في نحو الساعة الرابعة من صباح ذلك اليوم، جاء حارس ليخبرني بالاستعداد للحاق برحلتي الجوية. وفي نحو الساعة الثامنة صباحاً جاء حارس آخر ليخبرني بأن طائرتي جاهزة، ثم أخذني مباشرة إلى المدرج بدلاً من العبور من خلال مبنى المطار. وبمجرد دخولي إلى الطائرة سألته: إلى أي مكان سترحلونني؟ فرد علي: إلى بوغوتا. قلت: لماذا؟ فرد علي: ألست أنت كارلوس؟§ قلت له: لا، أنا جورج خوري، دعني أنظر إلى الاسم المكتوب على الجواز الذي معك. فقال لي انه لرجل كولمبي اسمه كارلوس. أدرك الحارس خطأه، فأخذني مرة أخرى إلى مركز الاعتقال، كان كارلوس هناك يغط في نوم عميق، فأخذوه إلى الطائرة. جاء الحارس في الساعة 09.30 صباح الأربعاء وأخذوني عبر المدرج إلى الطائرة مباشرة، حتى تلك اللحظة أخبروني باني سأسافر إلى إيطاليا، ومن هناك يمكنني السفر للأردن، وكان الحارس يحمل في يده تذاكر جوية لرحلتي إلى أميركا من إيطاليا، ثم نيويورك، ثم إلى سان فرانسيسكو. أخبرني وكيل السفر بأنه سيعيد لي جواز سفري بعد ان يتأكد من أنني في الطائرة متجهاً إلى أميركا، وهذا ما حدث بالضبط عندما وصلت إلى إيطاليا. فقبل ان أهبط من الطائرة سألت المضيفة عن جوازي، فأخبرتني بأنه لدى شخص ينتظرني خارج الطائرة. كان هناك ضابط إيطالي ينتظرني على سلم الطائرة. أخذني في سيارة جيب إلى جهة غير معلومة بعيداً عن المطار، تشبه مخفر شرطة، وضعني في غرفة مع خمسة أو ستة أشخاص آخرين. وفي نحو الساعة الخامسة مساء ركبت في طائرة متجهة إلى أميركا وسلموني جوازي.

وصلت إلى نيويورك حول الثامنة مساء في اليوم نفسه. وبقيت في المطار حتى صباح اليوم التالي، ثم أخذت طائرة أخرى في الساعة السادسة صباحاً. وصلت بيتي منهكاً، ثم اتصلت بوكيل سفري لأسأله ما اذا كان من الممكن تعويضي عن حقيبة سفري المسروقة، وقيمة التذاكر التي لم أستخدمها، فاكتشف أن قيمة التذكرة تم استخدامها لتكاليف ترحيلي إلى الولايات المتحدة».

 

 

تويتر