يوميات مواطن عراقي في ظل احتلال «داعش»

الحلاقة مهنة خطرة.. وكشف وجه المرأة يعرّضها للجَلد هي وزوجها

صورة

بعد ان سيطر تنظيم "داعش" على اجزاء من المحافظات والمدن العراقية، فرض قوانينه وتعليماته على السكان المحليين، واصبح من بقي منهم في تلك المناطق يعاني الامرين، في كسب عيشه وفي حياته العامة، ولم يكن لهم بد سوى التعامل مع الواقع المفروض عليهم، الرجال يتعرضون للجلد اذا خالفوا تعليمات شرطة داعش الدينية، والنساء ايضا اذا كشفت عن وجوههن في الشارع او المناطق العامة. ومن خضم هذا الواقع المرير تخرج قصص واقعية يرويها السكان.

قصة الحلاق

حكم "داعش" على سالم بالجلد ثمانين جلدة، لأنه خالف تعليماته، وحلق لحية ابن عمه العريس، وغاب عن الوعي بعد تنفيذ خمسين جلده على ملأ من الناس، وتم نقله الى المستشفى. فقد ظل سالم يمارس مهنة الحلاقة في مدينة الفلوجة، الواقعة على بعد 40 ميلا إلى الغرب من بغداد، حتى بعد احتلال داعش لها في يناير من العام الماضي، حيث اصبحت مهنة الحلاقة، على عكس ما كان سائدا من قبل، واحدة من المهن الخطرة، التي تعرض صاحبها للعقاب البدني والسجن. ويبلغ سالم 35 عاما من العمر، وهو الشخص الوحيد المعيل لعائلته، ويرعى أيضا والده المريض كبير السن.

خلال الأشهر الستة الأولى من الاحتلال، كانت هذه المليشيات معتدلة عموما في تطبيقها للنظام والقانون. ولم تكن تسيطر على جميع اجزاء المدينة، كما انها لم تكن ترغب في تنفير الناس منها. الا انها تتعامل بحزم، من حيث المبدأ، مع الامور التي ترى انها تحتاج لشدة وحزم، مثل مراعاة الحلاقة على الطريقة الإسلامية، حسب رؤيتها، حيث تمنع بشدة حلق اللحية بالكامل، كما تمنع منعا باتا قصات الشعر الغربية. واغلق "داعش" معظم صالونات الحلاقة في الفلوجة، ولكنه لم يغلق صالون سالم لأنه، كما يقول، محل بسيط لتصفيف شعر الفقراء، وليس به ملصقات صور تعرض قصات شرقية وغربية.

وعلى الرغم من أن صالونه ظل مفتوحا، الا أن هناك حدودا صارمة ينبغي عليه ان لا يتجاوزها، ان اراد ان يظل مصدر رزقه مستمرا. ولجأ سالم لبيع الخضار في السوق لدعم دخله، والعمل بالحلاقة فقط عندما يتلقى مكالمة من عملاء قدامى وأصدقاء وأقارب، يريدون قص شعرهم.

وهكذا سارت الامور على ما يرام، الى أن حان يوم زفاف ابن عمه، وعندها وقعت الطامة الكبرى، اذ يقول سالم "جاء ابن عمي للصالون وطلب مني ليس فقط قص شعره، وإنما حلاقة لحيته أيضا". اقشعر بدن سالم من مثل هذا الطلب، لأنه يعلم تماما العقاب الذي من المحتمل أن ينتظره، إن تجاهل تعليمات "داعش". فرفض طلب ابن عمه، الا أن الرجل طلب بإلحاح منه قص شعره بشكل مخالف لتعليمات "داعش" مدعيا بأن أحدا لن يلاحظ ذلك في وقت الظهيرة، لأن جميع الشوارع فارغة من المارة، فامتثل سالم كرها لطلب ابن عمه، وقص شعره ودلكه بالجيل ليبدو لامعا.

وسرعان ما اكتشف سالم وابن عمه انهما اساءا التقدير، ولم يلاحظا انهما كانا تحت المراقبة اللصيقة من مخبري "داعش"، فبعد أربعة أيام من الزفاف، علم سالم أن احد المخبرين ابلغ السلطة الدينية المحلية عنه، التي القت القبض عليه وحكمت عليه بالجلد 80 جلدة، بالإضافة إلى إغلاق صالون الحلاقة.

بعد ان فقد مصدر رزقه في الفلوجة ذهب سالم أولا الى الرمادي، عاصمة محافظة الانبار، التي كان معظمها تحت سيطرة "داعش"، ومكث مع شقيقه فترة من الزمن، الا ان المدينة اصبحت خطرة، بسبب القصف من قبل سلاح الجو العراقي والميليشيات الشيعية، لهذا غادرها إلى بغداد، ومن هناك الى مدينة أربيل، عاصمة إقليم كردستان العراق، حيث يأمل في العثور على وظيفة مناسبة. وأصبح واحدا من العديد من النازحين من المناطق التي يسيطر عليها "داعش".

الحياة في الموصل

أحست هناء بالملل من طول المكوث بالمنزل، لانها لم تر الشارع منذ ان سيطر "داعش" على المدينة، وعلى الرغم من أنها تعلم جيدا أن "داعش" يغالي في التشدد بشأن ملابس النساء في الأماكن العامة، ولا يطلبون فقط من النساء ارتداء الملابس الطويلة، وانما ايضا تغطية الوجه بخمار، الا انها اصرت على زوجها الخروج معه لاحد المطاعم، التي اعتادا ارتيادها خلال فترة الخطوبة، وبعد ان جلسا اخبرها زوجها ان ترفع الخمار لأنه لا يوجد احد من "داعش" بالمطعم، حيث انه مكان مخصص للعوائل، تقول "احسست بالراحة وكشفت عن وجهي، ولكن سرعان ما جاء صاحب المطعم، وطلب من زوجي ان يطلب مني تغطية وجهي، لان هناك تفتيش مفاجئ ل"داعش" للمطعم، وانه سيتعرض هو للجلد إن رأوا وجهي سافرا". وتمضي هناء قائلة، "سمعنا قصصا عن رجال تعرضوا للجلد، لان زوجاتهم لم تضع القفازات على ايديهن، ومنعت "داعش" والدي فتاة من قيادة السيارة لنفس السبب، ومن يعارض هذه التعليمات يتعرض للجلد والمهانة". وتقول هناء انها استجابت لطلب صاحب المطعم، وتعجبت من مدى الجهل الذي يتصف به "داعش"، وانعدام الرحمة الذي يمارسه، وتضيف انهما عندما خرجا من المطعم شاهدت ابا يبحث عن ابنته وسط بحر من الملابس السوداء.

شقيق محمود

يقول محمود، احد سكان الموصل المحتلة، "ظل شقيقي الاصغر البالغ من العمر 12 عام في المدرسة، على الرغم من سيطرة داعش عليها، لانه لم يكن هناك بديل آخر، فهو على الاقل يستطيع ان ينعم بشئ من التعليم بدلا من الجلوس في المنزل، لكنني لاحظت بعد فترة ان شقيقي اصبح يرسم علم داعش، ويردد اناشيدهم، أخذت الرسم منه وقطعته، وحذرته من عدم الاقدام على ذلك، او ترديد اي من الاناشيد التي يسمعها منهم، ومنعته من الذهاب الى المدرسة، لانه من الافضل ان يكون من دون تعليم بدلا من ان يتعرض لغسيل دماغ".

تويتر