عددهن كبير جداً

رعاية أرامل العسكريين أهم تحديات الكونغو

صورة

بعد عقدين من الحرب الأهلية، من المقرر إجراء إحصاء في شرق الكونغو يهدف إلى تعداد الآلاف من أرامل العسكريين، إذ إن العديد منهن لا يحصلن على التعويض الشهري الذي وعدن به. وإحدى هؤلاء الأرامل مارجوري مارتن، التي تعمل الآن في جمعية الأرامل في بلدة روتشورو، وهي جمعية خاصة قامت بتأسيسها القوات البحرية الكونغولية عام 2004، وهو العام ذاته الذي قتل فيه زوج مارتن، الذي يعمل في الجيش الكونغولي، بعد أسبوع على وجودها في روتشورو. ووجدت مارتين نفسها وحيدة، للقيام برعاية خمسة أطفال، وحاولت الحصول على التعويض الشهري الذي يقدم لأرامل العسكريين. وأدركت مارتن أن العديد من الأرامل في مقر قيادة الجيش المحلية، كن محبطات ويبكين، لأن الضباط العسكريين رفضوا منحهن أية تعويضات. ولم تحصل هؤلاء الأرامل على أية أموال كتعويض منذ سنوات عدة، واكتشفت السيدة مارتن أنه ليس لديهن أية موارد مالية. وتعلق بالقول: «أدركت أنه يتعين عليّ الدفاع عن هؤلاء النساء. فأوضاعهن مثلي تماماً».

جنود أشباح

يعتبر الإحصاء الجديد عملاً كبيراً بالنسبة للجيش المضطرب تاريخياً، والذي طالما فشل في دفع رواتب جنوده الموجودين على رأس عملهم. وتمثلت المشكلة الكبرى عادة في «الجنود الأشباح» غير الموجودين، والذين تذهب رواتبهم إلى المسؤولين. وتشير التقديرات إلى أن تعداد الجنود الموجودين على رأس عملهم في الجيش الكونغولي يبلغ نحو 150 ألفاً. وتضاف هذه العقبة إلى التحدي الذي تشكله أرامل العسكريين، اللواتي ربما تم تشريدهن نتيجة القتال، وغالباً يعشن في المناطق الريفية التي تربط مع بعضها بطرق سيئة. وببساطة فإن بعض النساء لم يكنّ مدركات للتعويضات المستحقة لهن، وبعض هؤلاء الأرامل غير مسجل زواجهن رسمياً بأزواجهن الذين قضوا في القتال.

ومنذ ذلك التاريخ أصبحت مارتن عبارة عن فريق مؤلف من نفسها فقط، تعمل في جمعية الأرامل في روتشورو، التي تدافع عن الأرامل وتطالب بتقديم التعويضات لأرامل العسكريين، في شرق الكونغو. وتعاني الخدمات الاجتماعية في جمهورية الكونغو الديمقراطية وباء الفساد، إثر عقد من الحرب الأهلية، الأمر الذي نجم عنه وجود جيش من الأرامل.

وبالنظر إلى عدم وجود منظمات غير حكومية في المنطقة كي تقدم المزيد من الدعم، تبقى مارتن هي الوجه الوحيد الذي يدافع عن الأرامل في روتشورو، حيث تقوم بجمع المعلومات عن الأرامل، وتلاحق المسؤولين العسكريين والحكوميين لتأمين التعويضات لأصحابها، بحيث تضمن حصول كل أرملة على تعويضها من الجيش.

وللمرة الأولى منذ عام 2011 تتوصل القوات المسلحة في جمهورية الكونغو الديمقراطية، إلى إجماع رسمي حول دفع التعويض لجميع أرامل العسكريين في إقليم كيفو الشمالي، الذي كان مركزاً للصراع الذي بدأ في شرق البلاد، إثر نهاية عمليات الإبادة التي ضربت رواندا. ويعتبر إحصاء عدد الأرامل أول خطوة حاسمة، نحو تأمين التعويض الكافي للأرامل، اللواتي يعتمد حجم تعويضهن الشهري على الرواتب التي كان يتقاضاها أزواجهن لحظة مقتلهم. وخلال أبريل عام 2014 كان تعداد أرامل العسكريين في إقليم كيفو الشمالي نحو 3000، حسب الباحثة في المعهد الإفريقي الاسكندنافي جوديث فيرفيجين.

ويقال إن إحصاء عام 2011 عمد إلى تقليل عدد أرامل أفراد القوات المسلحة في جمهورية الكونغو الديمقراطية، الذي كان أصلاً في ملفات كيفو الشمالية، وقام بإحصاء الارامل اللواتي قدمن أنفسهن للسلطات على أنهن أرامل في مدينة غوما، عاصمة الإقليم. ولكن القيادة المحلية الجديدة التي وصلت عام 2012 ستبدأ مشروع الاحصاء الجديد بهدف العثور على العديد من الأرامل، الذين يدركون أنهم كانوا مفقودين. وهناك ممثلون مستقلون مثل مارتن، على طول المناطق الشرقية الذين يساعدون في جعل هذا الإحصاء شاملاً وممكناً، على نطاق واسع.

ويعتبر هذا الإحصاء مشروعاً كبيراً، وجزءاً من جهود أكبر، نحو إعادة تنظيم القوات المسلحة في جمهورية الكونغو ومنحها الشفافية، خصوصاً مع تدفق الأموال.

وحسب ما ذكرته القوات العسكرية في الكونغو فإن 201 من جنودها قتلوا في كيفو الشمالي عام 2013 فقط، ويعتقد كثيرون أن عدد الوفيات أكثر بكثير من ذلك. وحتى الآن لا يوجد إحصاء وطني شامل لأرامل العسكريين، على الرغم من أن بعثة «قطاع الإصلاح» من الاتحاد الاوروبي، داخل جمهورية الكونغو، حاولت أن تبدأ نظاماً قياسياً بشرياً، من أجل التعرف الى الأشخاص في عام 2011. وقال المقدم سيبرين سيكولولو، رئيس المجلس الإداري في كيفو الشمالية، الذي يشرف على الإحصاء في المكاتب العسكرية الخمسة في الاقليم: «مهمتنا هو تحديد الأرامل، والظروف التي يعشن فيها. ونحن نتحقق عما إذا كنّ يتلقّين رواتب التعويض أم لا، وإذا لم يكنّ يتقاضينه، فإننا نجد حلاً كي يتمكنّ من الحصول عليه».

حملة خاصة

وبعد الكفاح الذي قادته في المقرات العسكرية في روتشورو، بدأت مارتن حملتها الخاصة وحدها، وجمعت أسماء قائمة من الأرامل في منطقتها، وسافرت إلى غوما عاصمة إقليم كيفو الشمالي، للمطالبة بدفع التعويض لهن. ووافق ضباط القوات المسلحة في الجيش الكونغولي على دفع بعض المال لهؤلاء الأرامل، ولكن هذه التعويضات كانت زهيدة، مقارنة بما كان يحصل عليه أزواجهن عندما كانوا على قيد الحياة. وقالت مارتن: «ما نحصل عليه الآن أقل من القليل، وليس له أية قيمة. وشعرنا أنه تم تجاهلنا تماماً من قبل الحكومة».

وأثمرت جهود مارتن مع مرور الوقت، حيث أصبحت تتلقى الآن نحو 86 دولاراً شهرياً من الحكومة، وهو مبلغ يزيد قليلاً على ما يتلقاه الجندي الموجود على رأس عمله في الكونغو. وهي تعمل معظم عطل نهاية الأسبوع، من مكتبها الصغير في مدخل بلدة روتشورو. وخلال أيام الأسبوع تقوم بالتعليم في المدرسة الابتدائية، الموجودة في البلدة عند الصباح، وتبيع البضائع بعد الظهر. وخلال هذه الايام تقوم بإجراء ثلاثة احصاءات غير رسمية في المنطقة، كما أنها ستساعد في الإحصاء العسكري الذي يجري في بلدة روتشورو. وهي تقول: «إنهم يقومون بذلك نتيجة الضغط الذي يمارس عليهم، من قبلي والنساء الأخريات، لدفع التعويضات والدفاع عن أرامل العسكريين».

جهود حكومية

وتقول مارتن إن الحكومة تقوم بجهود حقيقية وعلى أعلى المستويات لتقديم الدعم للأرامل، حيث تخصص الأموال لزوجات العسكريين الذين قضوا نحبهم خلال المعارك. ولكن ضمن الرتب التي تتسم بسوء الإدارة داخل القوات المسلحة في جمهورية الكونغو، من الشائع دائماً وجود الأخطاء، سواء بين الموظفين الحكوميين أو المساعدين الخاصين، وربما وجود حالات الاختلاس بين الضباط الفاسدين.


مارتن تدافع عن الأرامل

تعتبر الأرملة مارجوري مارتن الدور الذي تقوم به في الدفاع عن الأرامل طبيعياً، بالنسبة لها. وعندما سيطر المتمردون المعروفون باسم «إم 23» على معظم شرق الكونغو عام 2012، تحدثت بقوة نيابة عن زوجات العسكريين اللواتي تعرضن للاغتصاب والنهب، من قبل المتمردين الذين احتلوا المنطقة.

وعلى الرغم من ان الظروف في شرق الكونغو كانت أكثر استقراراً، منذ هزيمة جماعة «إم 23»، إلا أن أرامل العسكريين مازلن يكافحن للبقاء، وغالباً في بلدات يُعتبرن غريبات وسطها.

ويقول المقدم سيبرين سيكولولو من الجيش الكونغولي، الذي كان يعمل في إحصاء الأرامل، إنه التقى مراراً وتكراراً مع الأرامل اللواتي كن يعشن في ظروف سيئة، حيث النقص في الطعام، والدواء، والرعاية الطبية. وأضاف أن الإحصاء عبارة عن «مشروع متواصل وغير منتهٍ»، رافضاً تحديد تاريخ معين لنهايته.

تويتر