الـ «برنيشاز» يعشن كالرجال للحصول على حقوقهن

ألبانيات يحافظن على عذريتهن لحمل إرث العائلة

صورة

على الرغم من أنهن تبدين مثل الرجال المسنين، إلا أنهن في واقع الأمر مجموعة من النساء التابعين لأقلية منعزلة تعيش في منطقة ريفية في شمال ألبانيا يعشن ويتصرفن مثل الرجال. ويعرف هؤلاء ب «برنيشاز»، كما أنهن يعرفن أيضا ب «المصممات على العذرية» وهن يعملن على قص شعورهن وارتداء ملابس الرجال، ويتقلدن المسؤوليات التي يتحملها الرجل كبير العائلة عادة.

وتطورت تقاليد النساء المحافظات على العذرية من قوانين تحمل اسم قانون «ليكي دوكاجيني»، (وهو رجل من عائلة نبلاء من ألبانيا ترجع إلى خمسة قرون) أو اختصاراً «القانون»، إذ جرى استخدام هذه القوانين في شمال ألبانيا وكوسوفوعلى الأغلب منذ القرن ال 15 حتى القرن ال 20 . والقانون لا ينطوي على صبغة دينية إذ أن العديد من اتباع الديانة المسيحية والإسلامية يتبعونه.

قانون «ليكي دوكاجيني»

جرى استخدام هذا القانون شمال ألبانيا وكوسوفو على الأغلب منذ القرن الـ15 حتى القرن الـ20. والقانون لا ينطوي على صبغة دينية إذ إن العديد من أتباع الديانتين المسيحية والإسلامية يتبعونه.


عادات ألبانية

تعرف ألبانيا بـ«أرض النسور» ويتحدث سكانها اللغة الألبانية، وهي خليط من الأوروبية الهندية، ويشوبها شيء من اليونانية واللاتينية. والشعب الألباني يحب الرئيس الأميركي السابق، جورج بوش الابن، الذي زار ألبانيا وأمضى فيها نحو ثماني ساعات، ويحبون حلف «الناتو» لأنه أرسل طائراته ودمر الصرب خلال صراع البلقان.

وثمة حقائق أخرى مهمة عن ألبانيا، فالشعب الألباني يهز رأسه على نحو يفيد بمعنى «كلا» عندما يقصد «نعم»، والعكس بالعكس، الأمر الذي يثير إرباك الزائر لهذه البلاد، خصوصاً عندما يكون الألباني ثملاً أو منخرطاً في نقاش ساخن. والألبان يضعون أيديهم على قلوبهم لإظهار مدى الاحترام للآخر، ولكن عند قيادة السيارات فإنهم يعمدون إلى تحطيمك بسبب سوء قيادتهم للسيارات واستخدامهم للطرق التي تتميز بأنها سيئة وغير مستوية، لدرجة أن من يقود سيارته لمسافة غير قصيرة يشعر بأنه يمكن أن يستفرغ.

ولكن الأمر الذي لابد من التشديد عليه أن المجتمع الألباني محافظ على نحو كبير، وهو مؤلف من 30% من المسيحيين و 70% من المسلمين، حيث يتميز المجتمع بأنه لا يحترم حقوق المرأة. ويتميز شمال ألبانيا بأن سكانه يبالغون في موضوع الأخذ بالثأر وعداوة الدم. وحتى الآن تشير التقديرات إلى أنه ثمة 20 ألف شخص يمضون أيامهم في التخفي، ممن يطلبون دمهم بسبب عداوات قديمة، وهم نادراً ما يغادرون منازلهم أو شققهم، في حين يعمد بعضهم إلى الهروب من الدولة، أو يتجمعون في أبراج تدعى «كولا» استعداداً لأي هجوم محتمل.

 http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2014/05/147340.jpg

بوش في ألبانيا حيث خرجت الحشود لاستقباله. أرشيفية

وينص القانون على أن العائلات يجب أن يكون لها قائد رجل، وأن ثروة العائلة يجب أن تنتقل بالوراثة عبر الرجال فقط، وأن المرأة عندما تتزوج تنتقل إلى منزل عائلة زوجها.

وبناء عليه فإن النساء اعتبرن مثل أي ممتلكات للعائلة. وبموجب القانون المذكور سابقاً، فإن النساء يتم تجريدهن من الكثير من حقوق الانسان، فلا يحق لهن تدخين السجائر، أو لبس ساعدة يد، او التصويت في الانتخابات المحلية الخاصة بهن. وهن لا يستطعن شراء الاراضي، وهناك العديد من المهن والأعمال غير المسموح لهن مزاولتها. وهناك أيضا بعض المؤسسات التي لا يمكنهن دخولها.

ويمكن أن تصبح المرأة ممن ينذرن أنفسهن لعيش العذرية حيث تتعهد على ذلك أمام 12من كبار القرية أو العشيرة لممارسة حياة العذرية. وبعد ذلك يسمح لها بالعيش مثل الرجال. وتصبح قادرة على لبس ملابس الرجال، وتستخدم اسم الرجال، وتحمل البندقية وتدخن السجائر وتشرب الكحول وتتقلد عمل الرجال وتصبح قائدة العائلة او تعيش على سبيل المثال مع « شقيقة أو إم» وتعزف الموسيقى وتغني وتجلس وتتحدث مع الرجال في المناسبات الاجتماعية. ويمكن أن تأخذ المرأة على نفسها عهد العذرية في أي وقت ممكن من عمرها، إما إرضاء لنفسها أو لوالديها.

وترجع هذه التقاليد أيضاً إلى أسباب أخرى، حيث عمدت القبائل التي مزقتها الحروب والتي فقدت كل رجالها بتكليف الابنة الكبرى بتقلد مكانة الابن الكبير والقيام بواجباته. ومقابل هذه الامتيازات الرجولية، فإن المرأة تجبرعلى أن تأخذ عهداً على نفسها بأن تظل عزباء. وهي الطريقة الوحيدة التي يمكنها أن تعيش مثل الرجال حسب وجهة نظر المجتمع الريفي الألباني.

ومن هؤلاء النساء اللواتي نذرن أنفسهن للعذرية هي قاميلي ستيما (92 عاماً)، التي تعيش كرجل منذ أن كانت في ال 20 من عمرها. وبحسب المصور الصحافي الاسباني لويس دافوس الذي التقط العديد من الصور لها في يناير الماضي، فإن التعهد أو القسم كان الطريقة الوحيدة التي تجعل قاميلي ترث أرض العائلة تحمي شقيقاتها التسعة بعد وفاة والدها.

وعاشت قاميلي وحيدة معظم حياتها، وهي آخر أفراد «البرنيشاز» في قريتها الجبلية الصغيرة التي تحمل اسم «باراغانيش». وعندما سئلت حول كيفية تعريف نفسها قالت لدافوس «أعتقد أني لطالما كنت دائما رجل وإمرأة معاً».

وربما يبدو الأمر سيئاً بالنسبة للبعض، ولكن في هذه المناطق الشمالية والمحافظة من ألبانيا، حيث لاتزال المرأة غير قادرة على قيادة السيارة أو حتى العمل، فإن هذه هي الطريقة الوحيدة للعيش حياة الحرية بصورة نسبية. واستنادا إلى القانون القديم الذي يستند على التقاليد الموروثة، فإن المرأة توصف بأنها «متاع وجد ليبقى في بيت الزوج أطول زمن ممكن»، وبناء عليه فإن بعض الشابات يخترن العيش بهذه الطريقة هرباً من قدرهن المحتوم وهو الزواج في منتصف سن المراهقة من رجال يكبرهن بثلاث أضعاف عمرهن ويعشن بقية حياتهن في العمل المرهق والروتين المنزلي.

وكانت ديانا راكيبي البالغة من العمر الآن (59عاماً)، اختارت قسم العذرية على العيش حياة عادية، عندما كانت في ال 17 من العمر، لأنها كانت دائما تفضل اللعب بالدمى وهي طفلة، ولذلك فإن مستقبلها كإمرأة لم يكن يروق لها. وهي تشرح سبب خيارها لإحدى وسائل الاعلام المعروفة باسم «ار تي»، وتقول «لم أجبر نفسي على أن أصبح رجلاً. ولكن طريقي في الحياة منحتني وجود الرجل وقوته، ولم يكن من طريق أخرى أمامي، إذ كانت النساء في ذلك الوقت خنوعات جداً والرجل وحده هو الذي كان يبدو قوياً». وعلى الرغم من أنها تعيش حياة العذرية، إلا أن ديانا تقول بثبات أنه لو رجع بها الزمن فإنها ستتخذ الخيار ذاته وتضيف «لا آسف على الخيار الذي اتخذته». ولكن بعض العائلات لا تقبل أن تتخذ إحدى بناتها خيار العزوبية مثل الرجال.

ومن هؤلاء النساء أيضا هاجاري (86عاماً)، والتي بدأت ارتداء ملابس الرجال منذ أن كانت في السادسة من عمرها ويرجع ذلك إلى سبب بسيط مفاده أنها شعرت بأنها لا تحب كونها فتاة إذ أنها كانت تتعرض للضرب من قبل أمها عندما كانت فتاة وأجبرت على ارتداء ملابس الفتاة. ولكن عندما أصبحت في ال 12 من عمرها وافق والدها أخيراً على السماح لهاجاري بارتداء ملابس الرجال بقية حياتها.

وأجرت إحدى محطات التلفزة مقابلة مع هاجاري، وعندما سألتها إذا كان من الممكن بالنسبة للرجل أن يعيش كامرأة أجابت «إذا ارتدى صبي ملابس فتاة وتصرف مثل الفتاة، فإن ذلك سيكون مهيناً بالنسبة له، وبالتالي فإنه يستحق الضرب». وبخلاف افتراضات العديد من الصحافيين الذين التقوا مع هؤلاء النساء اللواتي تحولن إلى رجال، خلال العديد من السنوات كانت هؤلاء النسوة ينكرن وبشدة أن بعضهن أقمن علاقات ولكن في الخفاء.

وعندما سأل صحافي إحدى نساء «البرنيشاز» وهي هاكي (71عاماً) عما إذا كانت قد أقامت علاقة بالسر أجابته «الله جعلني ما أنا عليه الآن وأنا أستفيد من ذلك. أما مايدور في ذهنك من علاقات فانه يتنافى مع مفهوم البرنيشاز وسبب وجودها». وأضافت «لا تخلط بيني وبين الأخريات اللواتي تعرفهن أنت وإلا فإني سأضربك بقدمي على وجهك».


تقاليد ذكورية تندثر

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2014/05/147231.jpg

اندثرت عادة الحفاظ على العذرية في عدد من الأماكن مثل البوسنة، وفي طريقها إلى الاندثار في أماكن أخرى، ولكنها لاتزال موجودة في شمال ألبانيا، وبمعدلات أقل في مقدونيا. وفي واقع الأمر فإن الجمهورية الاشتراكية الشعبية في ألبانيا لا تشجع النساء على الحفاظ على العذرية. وأصبحت النساء يكتسبن حقوقاً تقترب من المساواة مع الرجال بعد النظام الاشتراكي الذي يحكم الدولة. وعندما انهار الاتحاد السوفيتي انسلخت ألبانيا عن الكتلة السوفيتية، وأصبحت المرأة تتمتع بالحقوق كما الحال لدى الرجل، خصوصاً في وسط وجنوب الدولة. ولم تبقَ إلا المنطقة الشمالية من ألبانيا التي لايزال فيها العديد من العائلات التي تعيش التقاليد الذكورية. وتوجد حالياً بضعة مئات من النساء اللواتي نذرن أنفسهن للعذرية، ومعظم هؤلاء فوق الخمسين من العمر. وكان يعتقد أن النساء اللواتي يحتفظن بعذريتهن انتهوا بعد 50 عاماً من تأسيس ألبانيا الشيوعية، ولكن الأبحاث الأخيرة أشارت إلى أن الحال غير ذلك. ويرى البعض أن الزيادة الحالية في عداوة الدم، إثر انهيار النظام الشيوعي، يمكن أن تشجع إحياء عادة الحفاظ على العذرية من جديد.


دوافع التمسك بالعذرية

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2014/05/147237.jpg

 بعض النساء يخترن العذرية للحفاظ على حريتهن. أرشيفية

ثمة دوافع عدة تجبر بعض النساء الألبانيات على نذر أنفسهن للحياة العذرية، بحسب المراقبين. وقالت إحدى النساء إنها نذرت نفسها للحياة العذرية كي لا تنفصل عن والدها، وأخرى قالت إنها فعلت ذلك كي تعيش وتعمل مع شقيقتها. وتم تسجيل العديد من النساء اللواتي قلن إنهن كن دائماً يشعرن بالرجولة أكثر من شعورهن بالأنوثة. وأخريات تمنين التخلص من زيجات غير مرغوب فيها، وأخريات أردن التخلص من الزواج بصورة شاملة.

وكان التحول إلى حياة العذرية هو الطريقة الوحيدة التي تتخذها النساء اللواتي قامت عائلاتهن بترتيب زواجهن منذ طفولتهن، كي يرفضن هذا الزواج، من دون الإساءة إلى عائلة العريس والمخاطرة بعداوة الدم. وكانت الطريقة الوحيدة التي تتمكن بها المرأة من أن ترث عائلتها، وهو الأمر الذي كان مهماً بشكل خاص في مجتمع كانت فيه عداوة الدم تؤدي إلى مقتل العديد من الرجال الألبان، الأمر الذي يجعل العديد من العائلات بلا رجال يرثونها.

وفي بعض الحالات تختار المرأة المحافظة على عذريتها لأنها ببساطة تمنحها من الحرية أكثر مما ستكون عليه الحال لو أنها تزوجت وأصبحت تحت تحكم زوجها وعائلته، في هذا المجتمع الذي يقسو على المرأة ويطالبها بالطاعة، ويتم تزويجها مثل بيع أي سلعة أخرى من دون أي مبالاة لموافقتها من عدمها، ومن ثم تحمل وتربي الأطفال وتذعن للرجال، وبصورة خاصة الأزواج والآباء، وترضى أن يضربوها.

ويمكن أن تشارك المحافظات على عذريتهن في عداوة الدم، وإذا تعرضت إحداهن للقتل خلال عداوة الدم، فإن موتها يعتبر مثل حياة الرجل، وهو الأمر المهم بالنسبة لجمع الدية، وليس مثل المرأة العادية التي تتزوج وتنجب وتعد ديتها نصف دية الرجل.

تويتر