تزايد هجرتهن تحدٍّ يثير قلق الأسرة الدولية

آلاف النسـاء عبر العالم يتعرضن للعـنـف والتـعدي الجنسي

تظاهرة احتجاج لمهاجرات في أميركا تطالب بتحسين ظروف عملهن القاسية. أرشيفية

مع تفاقم الأوضاع في مناطق مختلفة من العالم، وتراجع مستوى المعيشة، واندلاع النزاعات، يزداد أعداد النازحين والمهاجرين. وشهدت السنوات الأخيرة ارتفاعاً كبيراً لعدد المهاجرين حول العالم، إلا أن اللافت في هذه الظاهرة هو العدد الكبير والمتزايد للنساء المهاجرات.

 ويقول المدير التنفيذي لصندوق الأمم المتحدة لإغاثة الشعوب، بابتوندي أوسوتميهن، إن الهجرة بات لها «وجه أنثوي»، مشيراً إلى أن تأنيث الهجرة له مؤشرات مقلقة، إذ بدأت الظاهرة منذ مطلع التسعينات لتصبح حقيقة مترسخة وغير قابلة للتغيير.

 ويقول تقرير صدر في عام 2010، إن النساء يمثلن 49% من العدد الإجمالي للمهاجرين، الذي يبلغ 214 مليوناً حول العالم. وفي البلدان المتقدمة تتفوق النساء على الرجال بقليل، في حين تتراجع  نسبة المهاجرات في الدول النامية.

ويؤكد أوسوتميهن أنه يجب التعامل مع المهاجرين كونهم بشراً، وليسوا مجرد أرقام. وفي أبريل الماضي، تمت مناقشة مشكلة الهجرة النسوية، إذ أشار مسؤولون نيجيريون إلى أن الظاهرة تمثل تحدياً جديدا يواجه الأسرة الدولية حاليا، خصوصاً أميركا الشمالية وأوروبا والشرق الأوسط وأستراليا. وحسب معهد سياسات الهجرة فإن الولايات المتحدة تستقبل 100 مهاجرة جديدة يومياً، مقابل 96 مهاجراً. ويبقى الرجال الأغلبية ضمن المهاجرين القادمين من إفريقيا والشرق الأوسط. ولم يقتصر الأمر على تأنيث الهجرة خارج الحدود، بل باتت المهاجرات أصغر سناً مما مضى. فالبيانات تقول ان 12% من المهاجرات تراوح أعمارهن بين 15 و24 عاماً، حسب تقارير الأمم المتحدة، التي تؤكد أن هذه النسبة في ارتفاع متسارع، سواء داخل حدود الدول أو خارجها.

أميركا تستقبل 100 مهاجرة يومياً

تأتي زيادة الهجرة النسائية من دول أميركا اللاتينية وأوروبا والشرق الأوسط. وتستقبل الولايات المتحدة يومياً 100 مهاجرة جديدة، مقابل 96 رجلاً، وعلى الرغم من ذلك تظل إفريقيا والعالم العربي المناطق الأقل هجرة نسائياً. وأشار  تقرير للأمم المتحدة  إلى أن أكثر من 12% من المهاجرين الدوليين هم من الشباب الذين تراوح أعمارهم ما بين 15 و24 عاماً، كما ارتفع عدد المهاجرين من دولة لأخرى بنسبة 40% خلال الـ 20 عاماً الماضية، متوقعاً أن 70% من سكان العالم، سيعيشون في المدن عام 2050.


لمشاهدة مخطط يوضح تأنيث أكبر للهجرة في أوروبا وشرق آسيا، يرجى الضغط على هذا الرابط.

في الماضي، كانت النساء تهاجر الى خارج بلدانهن، سواء لمرافقة أو الالتحاق بأزواجهن. وهجرتهن لم تكن موضع اهتمام البلدان المضيفة، أو محل دراسة الجهات المختصة. وتقليدياً كان المهاجر يعرّف على أنه رجل فر من أوضاع معينة في بلده وخرج بحثاً عن مصدر رزق أو ملاذ آمن له ولعائلته. «والجديد اليوم، أن النساء يهاجرن بمفردهن بحثاً عن فرص أفضل».

 وتقول الخبيرة في الأمم المتحدة، آن بوليكو: «لم يعدن يرافقن أزواجهن أو أقاربهن من أجل لم الشمل، مثل ما كان عليه الأمر في السابق». وبعد تراجع النموذج العائلي الذكوري في بلدان عدة باتت النساء يتحملن مسؤولية رعاية العائلة، والهجرة بالنسبة لهؤلاء هي رحلة بحث عن عمل، بشكل أساسي، وفرصة أفضل. ويتركز نشاطهن في البلد المضيف على تقديم الخدمات، خصوصاً النشاط الاجتماعي والصحة والتعليم. ويعتمد مستوى النساء والفتيات المهاجرات على بلدانهن الأصلية اللواتي قدمن منها ودوافع الهجرة. وفي الغالب يهاجرن من أجل مساعدة عائلاتهن، حسب بوليكو، التي تصنفهن الى قسمين: فتيات غير متزوجات يهاجرن لتلبية حاجات العائلة، ونساء متزوجات مع أطفالهن، ينتقلن إلى بلدان أخرى بسبب أوضاع معينة، في الوقت الذي يرعى الوالدان أطفالهن في غيابهن.

إسهام

وقد قدر البنك الدولي المبالغ التي أرسلها المهاجرون إلى بلدانهم الأصلية، بنحو 406 مليارات دولار في 2013. وترسل المهاجرات مبالغ كبيرة تضاهي ما يرسله الرجال  أو أكثر أحياناً، ويستقطعن جزءاً مهماً من رواتبهن من أجل ذلك. كما تهاجر النساء أحيانا لظروف غير اقتصادية، فقد تترك الفتاة أو السيدة المتزوجة وطنها من أجل  مواصلة تعليمها أو لأغراض أخرى. وفي حالات قليلة تفر النساء من العنف أو النزاعات المسلحة، التي عادة ما تتعرض فيها للأذى الجسدي والنفسي. وتقول المفوضية العليا للاجئين ان نحو 50% من النازحين حول العالم هم من النساء والفتيات.

تقول مديرة مؤسسة «المساواة الآن» غير الربحية، والتي تتخذ من نيويورك مقراً لها، لورين هيرش، إن «هذه الأعداد الهائلة من النساء المهاجرات معرضة للمخاطر، لأنها في الغالب لا تمتلك وثائق ثبوتية، وتجهل لغة البلد المضيف، ولا يمكنها الوصول للخدمات الصحية والقضائية». وتضيف «وبالتالي فالمرأة المهاجرة محرومة من حقوقها الأساسية». وتذكّر هيرش بالمعاناة التي تعيشها كثير من المهاجرات في البلدان الغريبة، وتعرضهن للتمييز والاستغلال والانتهاكات المختلفة.

وخصصت هيرش، التي عملت في المحاماة لسنوات طويلة، وقتاً طويلاً لمحاربة استغلال المرأة والوقوف إلى جانب الضحايا. وتقول البيانات غير الرسمية إن تجارة الجنس واستغلال المهاجرين غير الشرعيين يعتبران المصدر الثالث للربح غير القانوني في العالم، بعد تجارة السلاح والمخدرات. كما تشير التقارير الأممية إلى أن 800 ألف شخص - 80% منهم نساء - يقعون ضحية عصابات الاتجار في البشر سنوياً.

وتقول هيرش:«تعتبر هؤلاء النسوة فريسة مثالية للمهربين والعصابات، وهن يهاجرن بمحض إرادتهن فيصبحن مجبرات على تقبل وضع معين، ويسهل استغلالهن جنسياً وفي تأدية الخدمات المنزلية».

 وتطالب الأمم المتحدة وهيئات غير حكومية بحماية المرأة المهاجرة من خلال توفير الظروف المعيشية اللازمة، وتقع آلاف المهاجرات ضحية الاعتداء الجنسي سنوياً، الأمر الذي يفرز حالات حمل كثيرة تزيد العبء على المهاجرة. والعاملات المهاجرات بشكل خاص لا يملكن من المهارات إلا القليل، وبسبب حاجتهن الماسة الى المال من أجل تأمين حياة أفضل لهن ولعائلاتهن، فإنهن يتخذن قرار الهجرة من أجل العمل، لعدم وجود خيارات أخرى أمامهن، ولانعدام فرص العمل في بلدانهن، وهن على علم بالمخاطر التي سوف يواجهنها، وإدراكهن ارتفاع نسبة خطر تعرضهن للاستغلال. وأوصى الاجتماع الأخير للأمم المتحدة، في أبريل الماضي، بضرورة السماح للمهاجرات (غير الشرعيات) بالحصول على الخدمات الصحية، بما في ذلك رعاية الطفولة ووسائل منع الحمل، وأيضاً وسائل الحماية من الأمراض المتنقلة مثل فيروس نقص المناعة المكتسبة (الإيدز).

مخاطر

من الأمثلة الجيدة على تغاضي الدول عن معاناة النساء، مدينة نيودلهي، حيث لا يُسمح للاجئين العمل بشكل قانوني، لكن الحكومة تغض الطرف عن انخراطهم في الاقتصاد غير الرسمي. تقول المنظمة غير الحكومية «دون بوسكو آشالايام» إن النساء القادمات من بورما يعملن في المصانع الصغيرة غير المراقبة في غرب المدينة. ومع إدراك المخاطر الممكنة التي تواجهها النساء في هذه الأماكن، يتفحص موظفو «دون بوسكو آشالايام » الموظفين المحتملين لضمان الحقوق الأساسية للنساء العاملات في أماكن العمل والسكن، وتجري زيارات الرصد المنتظمة بحضور أرباب العمل. كما يساعد الموظفون أيضاً في التفاوض على أجورهن وساعات العمل وظروفه. وتقلل هذه الجهود كثيرا من مخاطر استغلال اللاجئات وتعرضهن للإساءة. ويمتثل أصحاب العمل فيوافقون بعد عناء على الأجور وظروف العمل، لأنهم يفهمون أن النساء مدعومات بأعضاء المجتمع والمنظمات غير الحكومية القوية المساندة لهن.

وتأمل المنظمة الدولية للهجرة تقديم الدعم الاقتصادي للنساء بالمناطق الريفية، وإجراء أبحاث ورصد بيانات حول وضع نساء وفتيات الأرياف، وسلوكياتهن في مجال الهجرة، ونسج حوار بين الدول وتعزيز التعاون الثنائي والإقليمي والدولي، بهدف تحسين تنظيم وحماية العاملات المهاجرات. ولاحظت المنظمة أنه «على الرغم من تسجيل زيادة في المساواة بين الجنسين واستقلالية النساء إلا أن نساء الأرياف اللاتي يمثلن نحو ربع سكان العالم مازلن يعشن بمستويات دخل ضعيفة وبأدنى معدلات التعليم، ومع تأثير سياسي واجتماعي أقل بالمقارنة مع رجال الأرياف أو سكان المناطق الحضرية».

 وأضافت المنظمة الدولية أن النساء «يعتبرن أكثر هشاشة من بقية فئات المهاجرين، وبالتالي فهن بحاجة إلى حماية أكبر من قبل كل البلدان الملتزمة بمبدأ استفادة المهاجرين والمجتمع من الهجرة الإنسانية والمنظمة». ومن الواضح أن الهجرة النسوية تستجيب بالأساس إلى الضرورة الاقتصادية، لكنها ترتبط كذلك برغبة متزايدة في تحقيق النجاح والتفوق، والتخلص من التمييز الاجتماعي وغياب المساواة بين الجنسين.

تهميش

وتشير دراسات سابقة إلى أن عدد المهاجرات ارتفع بنسبة 2% فقط في الفترة بين عامي 1960 و2000 (من 46.6 إلى 48.8%)، وتبدو هذه البيانات غير مناسبة مع التحولات المتسارعة والتغيرات التي حصلت، سواء بالنسبة للثقافات أو المفاهيم الاجتماعية والاقتصادية.

ويقول الخبراء إن العامل النسوي كان حاضراً في الهجرة خلال القرن الماضي، إلا أن هذا العامل المهم لم يلق اهتماماً لأن المرأة والفتاة عادة ما تحسب على زوجها أو قريبها، لذا لم تتوافر في السابق إحصاءات وبيانات دقيقة في ما يخص أعداد النساء. ويتساءل كثيرون عن سبب ظهور الهجرة إلى العلن الآن واستحواذها على اهتمام المنظمات الدولية وغير الحكومية وكذا مراكز الدراسات. وقد يعود هذا الأمر إلى الناشطات والخبيرات اللواتي نفضن الغبار عن الحقيقة، وقدمن دراسات وبيانات مهمة. ولم تكن الدراسات التي أجريت في السبعينات والثمانينات تعير اهتماماً لجنس المهاجر، وكانت المرأة غير ظاهرة في البيانات. وعندما يتم التطرق للنساء كانت الأبحاث تدرجهن مع أزواجهن أو أقاربهن الرجال، ولم يقم أحد بدراسة توجهاتهن أو إسهامهن في القطاع الاقتصادي.

وتقول منظمة «هيومن رايتس ووتش» المعنية بحقوق الإنسان في تقرير أصدرته العام الماضي، إن مئات الآلاف من العمال الزراعيين من النساء والأطفال في الولايات المتحدة يواجهون خطراً كبيراً بالتعرض للعنف الجنسي والتحرش في أماكن العمل، لأن السلطات وأصحاب العمل الأميركيين يفشلون في توفير الحماية لهم.

وترى المنظمة أن القانون الجاري الذي يعيد تفعيل قانون العنف ضد النساء، يعمل إلى حد ما على معالجة المشكلة، ولا بد تفعيله، لكن ثمة حاجة الى بذل مزيد من الجهود. ويصف التقرير الذي جاء بعنوان «زراعة الخوف: تعرض العاملات الزراعيات المهاجرات في الولايات المتحدة للعنف الجنسي والتحرش»،  أعمال الاغتصاب والملاحقة والملامسة غير المرغوبة، واللغة السوقية والبذيئة التي يستخدمها المشرفون وأصحاب العمل، وغيرهم في مواقع السلطة مع العاملات. وتضيف أن معظم العاملات الزراعيات اللائي تم إجراء مقابلات معهن من قبل المنظمة يقلن إنهن تعرضن لمثل تلك المعاملة أو يعرفن أشخاصاً آخرين تعرضوا لها. ويقول معظم هؤلاء إنهن لم يتحدثن عن تلك الانتهاكات وغيرها في أماكن العمل، خوفاً من تعرضهن لأعمال انتقامية، وأن من تقدمن للشرطة بشكاوى عن أعمال تحرش جنسي مزعومة، قمن بهذا بتشجيع ومساعدة نشطاء ناجين من مثل تلك الأفعال أو محامين، في مواجهة تحديات صعبة. وتقول الباحثة في برنامج الولايات المتحدة في «هيومن رايتس ووتش»، غريس مينغ، إن «أعمال الاغتصاب، والملامسة الجنسية، واللغة البذيئة التي يستخدمها المشرفون المتعسفون، لا ينبغي أن تكون جزءاً من ظروف العمل الصعبة التي يتحملها المزارعون المهاجرون، في الوقت الذي ينتجون فيه الغذاء لهذا البلد، بدلاً من تقديرهم على إسهاماتهم».

وتضيف أن «المزارعين المهاجرين يخضعون لنظام هجرة معيب وقوانين عمل تستثنيهم من تدابير الحماية الأساسية التي يتمتع بها العمال في العادة».

تويتر