مخاوف من العودة إلى حكم «طالبان» بعد مؤشرات إلى قرب انسحاب القوات الـــــدولية

نساء أفغانستان مهدّدات بفقدان حريتهن النسبية

وضع المرأة الأفغانية سيكون أكثر كارثية ودموية مع عودة «طالبان» إلى السلطة. أ.ف.ب - أرشيفية

عندما كانت الناشطة في مجال حقوق المرأة زينب سالبي، في أفغانستان الصيف الماضي، التقت امرأة لم تنس قصتها، وهي زرقونا التي تزوجت في الـ15 من عمرها وترملت في الـ،16 وكما هي حال النساء في أفغانستان منعت هذه المرأة من العمل، أو حتى مغادرة منزلها دون رفقة أحد من أهلها، خلال حكم حركة «طالبان» في تسعينات القرن الماضي. وعندما اضطرت الى جلب الطعام لطفلها، تحدت القانون وقامت ببيع القبعات في الشارع، فاعتقلها عناصر من «طالبان» وضربوها بالأحذية.

وعندما غزا الحلفاء أفغانستان عام 2001 وانهارت «طالبان»، تغيرت حياة زرقونا، وبدأت العمل، وأرسلت ابنتها الى المدرسة وتخطط لإرسالها إلى الجامعة، ولكن حريتها التي عثرت عليها أخيراً مع العديد من نساء افغانستان، يمكن ان تكون في خطر الآن، إذ أن سالبي تنتمي لعضوية مؤسسة «منظمة النساء من أجل النساء في العالم»، التي تدعم النساء في الدول التي تمزقها الحروب، وهي تشعر هي وناشطات آخريات بالخوف، لان الحلفاء يفكرون بالانسحاب من افغانستان، من دون التأكد من ضمان حقوق المرأة.

البحـث عن الأمل

أشار تقرير صدر عن الامم المتحدة في ديسمبر الماضي إلى «ممارسات تقليدية ضارة»، وكشف عن أن 57٪ من حالات الزواج الافغانية هي زواج بين اطفال (حيث يكون سن أحد الزوجين اقل من 16 عاماً)، وأورد حالة طفلة يتيمة في الثالثة عشرة من عمرها اشتراها رجل عمره 56 عاما بمبلغ 3000 دولار. وهناك حالات القتل دفاعا عن الشرف، وذكر التقرير أن النساء اللواتي يهربن لتجنب الزواج القسري او العنف يتم اعتقالهن غالبا، إذ يتعرضن للتعذيب والسجن، وغالبا ما يكون ذلك تحت ذريعة ارتكاب الزنا. ويقول الناشطون إن الأمل الوحيد للنساء هو منحهن فرصة للدفاع عن حقوقهن على طاولة المفاوضات. ولكن نظرا الى عدم وجود ارادة سياسية لدى السياسيين الافغان، فإن الضغط من اجل تحقيق ذلك يجب ان يأتي من خارج افغانستان. وتقول مديرة شبكة «نساء أفغانيات» وهي منظمة تضم اكثر من 600 جماعة لحقوق المرأة ومنظمة غير حكومية سميرة حميدي، «اذا كنا سنذهب الى مفاوضات يشارك فيها المسلحون الذين لا يؤمنون بحقوق المرأة، وانه ليس هناك التزام من قبل المجتمع الدولي لمساعدة المرأة فإننا ربما سنتراجع الى سنوات حكم طالبان». من جهتها تقول الناشطة في مجال حقوق المرأة زينب سالبي، إن البديل يبقى مروعا، وتضيف «سألتني امرأة افغانية ما الذي يتطلبه اقناع الحلفاء بأنهم اذا تخلوا عنا، فإننا سنتعرض إلى الضرر لاحقا؟ ان العنف الذي يلحق بنا سينتشر وقد بدأت طالبان بنا ومن ثم الرجال الافغان ومن ثم الاميركيين واخيرا العالم أجمع». ولكن نيمات تفكر بطريقة مختلفة بشأن احتمال انسحاب القوات الغربية قريبا، معتقدة ان الامل الوحيد للنساء هو القتال من اجل الدفاع عن انفسهن، وتقول «باعتباري أحد الذين عاشوا تحت حكم طالبان، لا اعتقد انه سيكون هناك رجوع لحكمهم بالطريقة ذاتها التي كانوا عليها في الماضي، فهم لن يتمكنوا من اخراس اصواتنا ».

مخاوف

سيشهد هذا العام الذكرى السنوية العاشرة للغزو الأميركي البريطاني لأفغانستان، وبعد عقد من الحرب، وعدم وجود علامات على وضع نهاية لـ«طالبان»، تتحدث الدول الغربية عن سحب قواتها في وقت مبكر من العام المقبل. وفي هذه الاثناء، ونظراً لوجود «طالبان» التي تسيطر على مناطق عدة من الدولة، ومن غير المحتمل ان تهزم قريباً، تضع الحكومة الافغانية خططا من اجل التوصل الى صلح وانسجام مع المليشيات المتشددة. وبالطبع فإن ذلك يثير مخاوف النساء الافغانيات، لأنه يمكن أن يعني التخلي عن جميع المكتسبات التي حققتها النساء خلال السنوات القليلة الماضية.

وعلى الرغم من أن حقوق النساء الافغانيات كانت جزءاً مهما من الاسباب التي دفعت الغرب الى غزو افغانستان، إلا انه في الايام الحالية تعتبر معاملة المرأة على طريقة «طالبان» جزءاً من الثقافة المحلية. ويعتبر هذا التغير في موقف الغرب نتيجة رغبة الحكومتين الأميركية والبريطانية في التخلص من هذه الحرب المكلفة التي تسودها الفوضى.

وفي نوفمبر الماضي أكد رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، أنه اخذ أسلوبا أكثر تشدداً إزاء هذه المسألة . وقال «نحن هناك لمساعدة الشعب الافغاني للسيطرة على الامن، وضمان عدم عودة (تنظيم) القاعدة الى وضع تشكل فيه خطرا علينا انطلاقا من التراب الافغاني».

ولكن اليوم، وحسبما تقول سالبي التي قدمت شهادتها أمام الكونغرس الاميركي، فإن إرادة السياسيين الاميركيين لحماية النساء في المنطقة تبدو واهية، على الرغم من تأكيد وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون، دعمها للمرأة. ولكنها بدلا من ذلك قالت إن «ثمة رأياً واضحاً تماماً، مفاده أن حقوق المرأة ليس من الاولويات، كما انه لا يمكن ان يكون متساوقا مع السلام في افغانستان».

أولويات غربية

لكن مديرة شبكة «نساء أفغانيات»، وهي منظمة تضم اكثر من 600 جماعة لحقوق المرأة ومنظمة غير حكومية سميرة حميدي، لاحظت هذا التدهور في الاكتراث بالمرأة، وتزايد المخاوف من انه حالما تنسحب القوات فإن الحكومات الغربية ستتجاهل افغانستان.

وتقول سالبي «حتى لو قام المسلحون بذبح الاطفال وإلقاء السموم في طعام مدرسة البنات، والقاء المواد الحارقة في وجه بنات المدارس وحرق المدارس، فإنهم سيظلون موجودين».

وتضيف «قال أكثر من 90٪ من السياسيين الذكور الاميركيين، انها ثقافتهم ولا نستطيع عمل اي شيء إزاء ذلك».

ولكن دينيز كانديوتي من قسم الدراسات الشرقية والافريقية يخالف الادعاءات بأن الثقافة هي السبب، ويقول «هؤلاء الناس تجاذبتهم الاقدار وشُرّدوا من بيوتهم، وبالتالي فقد اندثر المجتمع القديم. وحصلت النساء على المال لدفع ديون الافيون، وهو الامر الذي لا يمكن ان يكون تقليديا». ويضيف «الآن فان السلطة تكمن في ايدي من يملكون السلاح والمال والمخدرات». وقلة هم الذين يقولون انه طرأ تحسن على حقوق المرأة خلال العقد الاخير. وفي زيارة اخيرة للمملكة المتحدة لخّص وزير شؤون المرأة حسن غضنفر، التقدم التي تحقق، حيث افاد بأن 57٪ من الفتيات يذهبن الى المدارس، ويشكلن 24٪ من القطاع الصحي، و10٪ من القطاع القضائي.

ويرى العديد من الناشطين ان التحسن يكون متفاوتا وبعيدا تماما عن المثالية، إذ إن الرعاية الصحية والاجتماعية والحرية غير متوافرة للعديد من النساء القرويات اللواتي يعانين الفقر، وتعيش بعضهن في مناطق تسيطر عليها حركة «طالبان». ويعترف غضنفر بأن «الحياة مختلفة في المناطق الريفية، إذ إن العادات التقليدية هي المسيطرة، كما ان النسوة لا يتمتعن بالحرية المالية والاقتصادية». وتقول حميدة إن معظم النسوة اللواتي التقت بهن «متعبات من الحرب والقتل، والخوف من المستقبل. واذا تدهور الوضع من جديد فإن النسوة هنا ليس لهن اي ملجأ».

عودة «طالبان»

وقع انفجار انتحاري الشهر الماضي في كابول، نجم عنه مقتل استاذة القانون والمفوضة في مفوضية حقوق الانسان المستقلة حميدة برمكي، اضافة الى زوجها واربعة من اطفالها، الامر الذي يوضح مدى الخطر اليومي في افغانستان، في حين أن الصور التي نشرت عن عملية رجم رجل وامرأة يظهر مدى سوء الوضع الذي تعيشه النسوة اللواتي يعشن في مناطق تسيطر عليها «طالبان».

وتحذّر السياسية مالالاي جويا التي تعرف بأنها «أشجع امرأة في افغانستان»، لأنها انتقدت أمراء الحرب في الحكومة، بعد انتخابها في البرلمان الافغاني عام ،2005 بقولها إن «وضع المرأة هنا كارثي، إذ إن النساء و الرجال واقعون بين عدو ثلاثي هو طالبان، وأمراء الحرب، والقوات المحتلة التي تصب حممها من الجو وتقتل المدنيين، والاطفال». وتضيف «الآن اصبحت طالبان مدعوة للانضمام الى الحكومة، وبالتالي فإن وضع المرأة سيكون أكثر كارثية ودموية».

وتوافق الناشطة في مجال حقوق الانسان أورزالا نيمات، على أن وضع المرأة ازداد سوءاً منذ عام 2006 بعد عودة «طالبان». وكانت قد خاطرت بإنشاء شبكة سرية من الصفوف المدرسية لتعليم البنات في ظل حكم «طالبان»، وتقول «الاماكن التي كانت آمنة جدا العام الماضي اصبحت خطرة جدا الان، واذا لم نتمكن من كسب هذا الصراع فإننا بحاجة الى تسوية سلمية».

وفي الصيف الماضي شكلت الحكومة الافغانية مجلساً لمواصلة المحادثات مع «طالبان». ويقول غضنفر إن هناك حراسا سيعملون على حماية المرأة في أي اتفاق ممكن، حيث تصر الحكومة على تقييد «طالبان» بالقانون الافغاني، الذي يضمن بقوة حقوق المرأة. ولكن كانديوتي من بين الذين يشعرون بالقلق من المنحى الذي تتخذه المفاوضات. وهي تشير الى ان «طالبان» تواصل رفض الدستور، وتشدد على انه ليس هناك قانون يمكن ان يتناقض مع مبادئ الاسلام. وتتساءل كانديوتي «من يقرر ماذا تكون عليه هذه المبادئ؟».

وكانت الحكومة نفسها متعطشة للترويج لما تعتبره تحسناً في تعامل «طالبان» المتشدد مع النساء، وربما في محاولة منها لإظهار المفاوضات بانها معقولة. وفي بداية العام الجاري أكد وزير التربية فاروق وارداك أن قادة «طالبان» كانوا مستعدين للتنازل عن الحظر المفروض على تعليم البنات. إلا ان راشيل ريد من منظمة «هيومان رايتس ووتش» لحقوق الإنسان، في افغانستان تقول «ربما ان هناك قادة من المستوى المنخفض من طالبان الذين يتفاوضون مع الحكومة التي تريد تعليم البنات، ولكن ليس هناك اي دليل يوحي بأن القيادة تراجعت عن مبادئها».

وتشير إلى أن احصاءات الوزارة نفسها تشير الى ان هناك 20 مدرسة للبنات تعرضت للقصف أو الحرق في الفترة ما بين مارس واكتوبر .2010 وقتل نحو 126 على الاقل من الطالبات والمدرسات في الفترة ذاتها، الامر الذي يشكل زيادة على العام الذي سبقه. وفي هذه الاثناء فإن رسائل الليل التي تحوي تهديدات مفزعة، لاتزال ترسل الى النساء العاملات في المناطق التي تسيطر عليها «طالبان».

وقالت احدى الرسائل التي تم ارسالها الى إحدى المعلمات «نحذرك بترك عملك كمعلمة في اسرع وقت ممكن، والا فسنقطع اعناق اطفالك، ونحرق ابنتك». في حقيقة الامر ليس «طالبان» هي الجماعة الوحيدة المتعطشة لتدمير حقوق النساء، حسب ما قالت نيمات التي تضيف «يعتقد الغربيون ان العدو الوحيد للنساء في افغانستان هو طالبان، وعندما تنتهي طالبان سنتحرر. ولكن النساء الافغانيات يواجهن العديد من الاعداء الذين يخشون وصول المرأة الى السلطة، فهناك امراء الحرب ورجال الدين المحافظون والعديد من الاشخاص الذين يتقلدون مناصب حكومية عليا».

تويتر