مطالبات برادع قانوني للمواقع الإلكترونية المشبوهة

الانتحار على الإنترنت بدعة يابانية تؤرّق العالم

اليابان تشهد سنوياً 30 ألف حالة انتحار وتعد الأعلى في العالم المتقدم. أ.ف.ب

بضع عشرات على الأقل من الشباب البريطانيين من الجنسين يبحثون في «الانترنت» عن أشخاص يشاركونهم الانتحار. ويخشى الخبراء استخدام مثل هؤلاء الشباب مواقع في الانترنت غير مسجلة كما حدث مع جوان لي (34 عاماً) وستيفن لمب (35 عاماً) اللذين تواعدا على الانتحار وقضيا اختناقاً بالغاز داخل سيارة، والمدهش في الأمر أن الشاب والفتاة لم يكونا يعرفان بعضهما بعضاً من قبل الا لحظات قليلة قبل انتحارهما بعد أن استجاب ستيفن للنداء الذي أطلقته لي على الانترنت بأنها تبحث عن شخص «للحاق بالحافلة» كناية عن اللحاق بقطار الموت، وقضى الاثنان اختناقاً بغاز مميت أشعلاه داخل السيارة.

ويناشد الناشطون المناهضون لهذه الظاهرة الحكومة البريطانية شن حملات على المواقع التي تناقش أو تشجع على الانتحار، وملاحقة أي شخص يروج للانتحار في مثل هذه المواقع قضائياً. وعلى الرغم من ذلك يسهل على الشباب البريطانيين الراغبين في الانتحار الحصول عبر الانترنت على ارقام هواتف وعناوين شركاء يرغبون في القضاء على أنفسهم بالطريقة نفسها. والكثير منهم يتحدث عن الانتحار بالأسلوب نفسه الذي اتبعه جوان وستيفن.

شريك للانتحار

نشرت إحدى النساء اعلاناً من هذا القبيل على الانترنت تقول فيه انها تعيش وحيدة وترغب في شريك «تلحق معه بالحافلة».

وتضيف «أعيش في أيرلندا الشمالية ويمكنني التنقل في المملكة المتحدة، إذا كنت جاداً عليك الاتصال بي في الحال».

امرأة أخرى نشرت رقم هاتفها الجوال في نهاية رسالة تقول فيها: «أنا فتاة من لندن أبحث فعلاً عن شريك للانتحار بأسرع ما يمكن»، وكتبت ثالثة: «أبلغ من العمر 30 عاماً، صينية، أدرس في بريطانيا، أرغب في الانتحار بشدة منذ فترة طويلة لكنني اجد الانتحار امراً صعباً، ولهذا السبب أبحث عن شريك مناسب وأرغب في ان أضع حدا لحياتي بسرعة لكن لا أريد ان أفعل ذلك وحدي».

لا أحد يعرف ما اذا كان هؤلاء الاشخاص لايزالون على قيد الحياة، لكن مثل هذه الاعلانات لم تزل تملأ صفحات الانترنت كل يوم. ويعتقد الخبراء أن 39 شخصاً على الاقل معظمهم تحت 40 عاماً انتحروا داخل بريطانيا بعد تلقيهم مشورة عبر الانترنت.

بداية

أول انتحار من هذا النوع ظهر في اليابان عام ،1998 وبعد 10 سنوات من ذلك أصبح الانتحار باستخدام مواد كيماوية منزلية معينة من الأمور الشائعة للانتحار في اليابان. وتشير التقارير الى ان هذه الطريقة قضت على حياة 500 شخص على الاقل خلال ستة أشهر في اليابان.

وحصل أحد البريطانيين الذي طلب المشورة عن هذه الطريقة على بيانات مفصلة عن كيفية الحصول على الكيماويات.

ويخشى الخبراء أن يلجأ الشباب الذين يعانون مؤقتاً من الاحباط لاستخدام هذه الطريقة للقضاء على أنفسهم. ويقول أحد التقارير البريطانية إن غرف الدردشة قد تسهل على الشباب عملية الانتحار المشترك، كما تشير دراسة بريطانية صدرت العام الماضي إلى ان الاشخاص المسنين الذين لديهم أجهزة للدخول على الانترنت قد يرتكبون عمليات انتحار اكثر من الذين لا يملكون مثل هذه الاجهزة. وتقول الرئيسة التنفيذية للسامريين، كاثرين جونستون، «إن الانترنت تساعد الأشخاص على الحصول على صديق أو شخص يشاركه التفكير، بيد أن مثل هذه الصداقة قد تكون مؤذية في بعض الاحيان». وتضيف «فقد يجد أحد الاشخاص شخصاً في الانترنت يشاركه المحنة نفسها»، وبدلاً من دعمه بشكل إيجابي يشجعه على المشاركة في الانتحار.

ابنة السماء

شاب وشابة التقيا للمرة الأولى والأخيرة فقد وضعا حداً لحياتهما اختناقاً بالغاز داخل سيارة. كانت الفتاة جوان لي من منطقة اسكس، تعاني عسر هضم شديداً، فنشرت نداء على الانترنت تعبر فيه عن رغبتها في الحصول على شريك يشاطرها الانتحار، واستعارت لي في ذلك النداء اسم «ابنة السماء الصغيرة». وكتبت جوان على صفحة احد منتديات الانتحار أنها «لا تجد في نفسها القوة للانتحار وحدها وتبحث عن شريك».

وبعد خمسة أيام من تلك الرسالة استجاب لرغبتها سائق الشاحنة ستيفن لمب من منطقة يوركشاير. وفي 20 سبتمبر قاد ستيفن سيارته الى منطقة اسكس للقائها. وفي اليوم نفسه عثرت الشرطة على جثتيهما داخل سيارة «فوكسهول استرا» مملوءة بالغاز، وتعتقد الشرطة أنهما التقيا وجها لوجه للمرة الأولى قبل ساعة من انتحارهما. وقضى الاثنان نحبهما بعد أن مزجا الكيماويات لصناعة غاز هيدروجين الكبريت المميت، تاركين ملحوظة على نافذة السيارة تحذر من خطر الغاز المنتشر داخل السيارة.

وكتب أحد الأشخاص الذي ادعى أنه صديق لجوان رسالة على احد مواقع الانتحار التي اعتادت جوان الكتابة عليها «جوان تشكر كل من ساعدها وإنها اخيرا وجدت الراحة والسلام».

مبادرة مشؤومة

في عام 1998 تلقت سيدة تعيش وحيدة في ضواحي طوكيو وتبلغ من العمر 24 عاماً طرداً بريدياً من مدينة سابورو الشمالية. هذا الطرد الذي كان يحتوي على أقراص السيانيد السامة أرسله شخص تحدثت اليه المرأة في احدى غرف الدردشة واتفق معها على الانتحار. بعد ثلاثة أيام من انتحار المرأة شرح مرسل الطرد، الذي أطلق على نفسه اسم د.كريكو، ما حدث له مع المرأة قبل ان ينتحر هو الآخر باستخدام الاقراص نفسها. وتعد الحالتان أول «أغرب انتحار» في اليابان يتم بالاتفاق بشأنه بين شخصين على «الانترنت». وتلا ذلك مآسٍ مشابهة استمرت عقداً من الزمن. ومنذ عام 1998 لم ينخفض المعدل السنوي للانتحار عن مستوى 30 ألف حالة انتحار، الذي يعد الاعلى في العالم المتقدم. وبلغت قوة الانترنت التي تربط بين الشباب الراغبين في الانتحار أوجها عام .2003 وبدأت الشرطة تكتشف في الارياف سيارات مستأجرة في الغالب متوقفة في شوارع هادئة بداخلها أربعة اشخاص أو اكثر قضوا نحبهم انتحاراً، تراوح أعمارهم بين 16 و30 عاماً. وفي جميع الحالات تقول الشرطة إن المنتحرين فضلوا القضاء على أنفسهم بطريقة واحدة تتمثل في التسمم باستنشاق أول اكسيد الكربون الناتج عن مادة يتم إحراقها داخل السيارة. وفي جميع الحالات لا يوجد رابط بين المنتحرين سوى تنسيق أو مكالمة أجروها مع بعضهم بعضا قبل انتحارهم.

السلطة والقانون

ولفتت قضية انتحار جوان وستيفن الانتباه إلى ضرورة المراقبة اللصيقة لمواقع الانترنت التي استخدمها المنتحران.

ويأمل الناشطون أن يكون موت هذين الشابين رادعاً قانونياً للمواقع التي تروج للانتحار.

يقول منسق سلامة حملة الانترنت، (منظمة تهتم بمنع الانتحار في سن مبكرة) باول كيلي «ينبغي أن تأخذ الشرطة هذه الظاهرة مأخذ الجد وأن تتحرى عن الانشطة غير القانونية لبعض المواقع ومستخدميها». ويضيف «نحتاج الى لوائح دولية صارمة للمواقع التي تروج للموت بالقدر نفسه الذي يتم فيه تنظيم حملات ضد المواقع التي تعرض صوراً إباحية للأطفال». وعلى الرغم من أن الانتحار لم يعد جريمة منذ عام ،1961 فإن القانون يحرم مساعدة أو تقديم النصح للمنتحر أو تأجير شخص للقضاء على من يريد الانتحار.

ويأتي قانون قاضي التحقيق والعدالة عام ،2009 الذي أصبح ساري المفعول في فبراير الماضي، ليتعامل مع استخدامات الانترنت. وتقول توجيهات وزارة العدل في ما يتعلق بالقانون الجديد إنه من غير المحتمل ان يعلم منشئ الموقع الذي يروج للانتحار الأشخاص الذين يستخدمون الموقع، وتضيف تلك التوجيهات، «أما أذا علم أن هناك مستخدماً او اكثر سينتحر أو حاول الانتحار، فإن منشئ الموقع يكون مذنباً في هذه الحالة».

 

تويتر