تحاول استغلال التصعيد لمصلحتها

إيران تحاول الانخراط في أزمة إدلب تجنباً للتهميش

صورة

لم تكتفِ إيران بالدعوة إلى احتواء التصعيد بين تركيا وسوريا حول إدلب، والذي وصل إلى درجة نشوب مواجهة عسكرية بين الطرفين، بل إنها سعت إلى التوسط بين الطرفين، وأبدت استعدادها لتسهيل إجراء حوار بينهما، بالتوازي مع ظهور تقارير تشير إلى انخراط ميليشيات موالية لها في العمليات العسكرية التي يشنها الجيش السوري. وربما لا يعود ذلك في المقام الأول إلى رؤية إيران لموقع إدلب في معادلة الصراع في سورية، وإنما إلى حرصها على استغلال التصعيد الحالي في إدلب لتحقيق مكاسب سياسية في ملفات أخرى، خصوصاً في ظل الضغوط الإقليمية والدولية التي تتعرض لها في الوقت الحالي، نتيجة تصاعد حدة التوتر مع الولايات المتحدة الأميركية، واتساع نطاق الخلافات مع الدول الأوروبية.

اعتبارات عدة

أكد وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، في 10 فبراير الجاري، استعداد إيران للتوسط من أجل تقليص حدة التصعيد بين تركيا وسوريا، وتسهيل إجراء مباحثات بين الطرفين، وهي الدعوة نفسها التي وجهها المسؤولون الإيرانيون الذين التقوا المبعوث الأممي إلى سورية، غير بيدرسون، الذي قام بزيارة طهران قبل ذلك بيومين. وكان لافتاً أن ذلك جاء عقب ظهور تقارير إعلامية تكشف عن مشاركة عناصر من ميليشيا «فاطميين» الأفغانية، الموالية لطهران، في المواجهات التي تشهدها إدلب في الوقت الحالي، على غرار تقرير لصحيفة «تليغراف» البريطانية في 26 يناير الفائت.

وفي الواقع، فإن هذه التحركات لا يمكن فصلها عن رؤية إيران لاتجاهات التطورات التي طرأت على الساحة السورية، على المستويين السياسي والأمني، والخيارات المتاحة أمامها للتعامل مع الضغوط الدولية والإقليمية التي تتعرض لها في المرحلة الحالية. ويمكن القول إن ثمة أربعة اعتبارات رئيسة دفعت إيران إلى الانخراط في أزمة إدلب في الفترة الحالية تحديداً، وتتمثل في:

1 فك العزلة

ترى إيران أن مرحلة الصراع العسكري داخل سورية أوشكت على الانتهاء بعد أن تغيرت توازنات القوى لمصلحة الجيش السوري، الذي حظي بدعم من جانب روسيا وإيران والميليشيات الموالية لها. ومن هنا، فإن فك العزلة عن الحكومة السورية يكتسب أولوية بالنسبة لإيران في الفترة الحالية، لاسيما في ظل العزلة الإقليمية والدولية التي قد تتعرض لها في المرحلة المقبلة، كأحد تداعيات اتساع نطاق خلافاتها مع الدول الغربية.

وعلى ضوء ذلك، فإن تسهيل إجراء حوار بين سوريا وتركيا يمكن أن يخدم أهداف إيران في هذا الصدد، ، خصوصاً في ظل العلاقات القوية التي تؤسسها طهران مع الطرفين.

2 استباق واشنطن

لا يمكن فصل مسارعة إيران إلى الدعوة لإجراء حوار بين تركيا وسوريا، عن حرص إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب على الانخراط في أزمة إدلب، من خلال تأييد موقف أنقرة، باعتبارها حليفاً في «الناتو»، حسب تصريحات وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، في 4 فبراير الجاري، والتي قال فيها إن «الولايات المتحدة تندد بالهجمات الوحشية غير المبررة التي يتعرض لها سكان إدلب»، مضيفاً: «نقف مع تركيا حيلفتنا في حلف الناتو في أعقاب الهجوم الذي أسفر عن مقتل جنود أتراك عدة يخدمون في مواقع مراقبة للتنسيق ووقف التصعيد، وندعم دعماً كاملاً تحركات تركيا المبررة للدفاع عن نفسها رداً على ذلك».

وبعبارة أخرى، فإن إيران سارعت إلى الانخراط في الأزمة لاستباق الاستحقاقات المحتملة التي يمكن أن تتمخض عنها، لاسيما في ما يتعلق برفع مستوى التنسيق الأمني والعسكري بين واشنطن وأنقرة، وربما دفع الأولى إلى تعزيز وجودها كطرف دولي معني بتداعيات تلك الأزمة، وبالتالي إرباك الحسابات السياسية والعسكرية لإيران في سورية مجدداً، التي بدأت في إعادة صياغتها بناءً على افتراض الانسحاب الأميركي تدريجياً من الأخيرة.

3 توجيه رسائل مضادة

تحاول إيران عبر الانخراط في الأزمة توجيه رسائل بأن لديها القدرة على تعزيز دورها كطرف لا يمكن تجاهله في الملفات التي لم تحسم بعد داخل سورية، وفي مقدمتها ملف إدلب التي مازالت تمثل ما يسمى بـ«خزان الإرهابيين»، نتيجة سيطرة التنظيمات الإرهابية عليها. ومن دون شك، فإن ذلك يرتبط، في قسم منه، بمحاولة إيران تبني سياسة مختلفة لإعادة التموضع بهدف التعامل مع المعطيات الجديدة التي فرضها مقتل قائد «فيلق القدس» التابع للحرس الثوري، قاسم سليماني، مع نائب رئيس هيئة «الحشد الشعبي» العراقية، أبومهدي المهندس، خلال الضربة العسكرية التي شنتها الولايات المتحدة الأميركية في 3 يناير الفائت.

إذ إن هذه الضربة أسهمت بشكل واضح في إرباك حسابات إيران الإقليمية، ودفعتها إلى إعادة النظر من جديد في الخيارات المتاحة أمامها للتعامل مع التطورات التي تشهدها الملفات الأكثر أهمية بالنسبة لها على المستويين السياسي والأمني. ومن هنا، فإنها سارعت إلى الانخراط في ملف إدلب من أجل تقليص احتمالات تبلور معطيات إقليمية جديدة قد لا تتوافق بالضرورة مع محاولاتها وضع حدود للارتباك الذي اتسمت به تدخلاتها الإقليمية في مرحلة ما بعد مقتل سليماني.

4 احتواء دور موسكو

لا تُبدي طهران ارتياحاً واضحاً للتنسيق المتواصل بين موسكو وأنقرة على المستويين السياسي والعسكري داخل إدلب، الذي كان عنوانه الرئيس خلال الفترة الماضية هو «اتفاق سوتشي»، على أساس أن ذلك يسهم في تعزيز دور الأولى باعتبارها الطرف الرئيس الذي يمتلك القدرة على إدارة مسارات الصراع داخل سورية، بدليل قدرتها على الوصول إلى تفاهمات أمنية مع كل القوى الإقليمية والدولية المعنية بهذا الصراع، بمن فيهم خصوم إيران نفسها.

ومن هنا، لا يمكن استبعاد أن تحاول إيران استغلال التصعيد الحالي من أجل تعزيز دورها على حساب روسيا، التي اتسع نطاق خلافاتها مع تركيا بسبب دعمها الواضح للإجراءات العسكرية التي تتخذها الحكومة السورية، التي تشارك بدورها إيران في هذه المقاربة التي تقوم على دعم احتمالات انهيار «اتفاق سوتشي» الذي توصلت إليه روسيا وتركيا في 17 سبتمبر 2018، ويواجه اختباراً صعباً في الفترة الحالية بسبب التصعيد المستمر في إدلب. وقد انعكست هذه المقاربة الإيرانية في تصريحات المتحدث باسم وزارة الخارجية، عباس موسوي، في 3 فبراير الجاري، التي قال فيها إن «مسار الأستانة (الذي تشارك فيه إيران إلى جانب كل من تركيا وروسيا) هو المسار الوحيد الممكن لحل الأزمة السورية، وينبغي الحفاظ عليه».

مع ذلك، فإن استمرار التصعيد العسكري في إدلب قد يخلط أوراق إيران، لاسيما أن دعوتها للتوسط بين الطرفين قد لا تلقى دعماً من جانب أنقرة، ، خصوصاً في حالة ما إذا اتجهت إلى اتخاذ مزيد من الإجراءات الداعمة للجيش السوري في تلك المنطقة.


- لا تُبدي طهران ارتياحاً واضحاً للتنسيق المتواصل بين موسكو وأنقرة على المستويين السياسي والعسكري داخل إدلب، الذي كان عنوانه الرئيس خلال الفترة الماضية هو «اتفاق سوتشي».

- إيران سارعت إلى الانخراط في الأزمة لاستباق الاستحقاقات المحتملة التي يمكن أن تتمخض عنها، لاسيما في ما يتعلق برفع مستوى التنسيق الأمني والعسكري بين واشنطن وأنقرة، وربما دفع الأولى إلى تعزيز وجودها كطرف دولي معني بتداعيات تلك الأزمة، وبالتالي إرباك الحسابات السياسية والعسكرية لإيران في سورية مجدداً، التي بدأت في إعادة صياغتها بناءً على افتراض الانسحاب الأميركي تدريجياً من الأخيرة.

تويتر