لاتزال صامدة في 2020

غزة تخالف توقعات تقرير أممي في 2012 توقع انهيارها

صورة

قاسى محمد ناصر (28 سنة) ما يكفي من المصاعب وشظف العيش في قطاع غزة، لذلك سافر إلى معبر رفح مخططاً للمغادرة عبره إلى مصر ثم إلى تركيا بتأشيرة سياحية. يقول هذا المهندس الكهربائي: «لن أعود إلى غزة»، مبرراً ذلك بقوله «حتى لو كان الواحد منا هنا من ذوي الخبرة، فلن يحصل على أي عمل». ويأمل يوماً أن تنضم إليه زوجته وأطفاله الثلاثة، وينوي الهجرة عن طريق البحر إلى اليونان ثم إلى السويد، ويعتقد أن الهجرة عبر البحر ليست أكثر خطورة من العيش في غزة، ويختتم حديثه «حاولت زوجتي منعي من الذهاب لكنها لم تستطع».

ليس هناك شك في أن ناصر، وهذا ليس اسمه الحقيقي، يتفق مع التساؤل الذي طرحه تقرير للأمم المتحدة الصادر عام 2012، والذي حذر من هشاشة الوضع في القطاع، ونبه المجتمع الدولي إلى الحاجة إلى التغيير الأساسي، وجاء ذلك التقرير تحت عنوان «بحلول 2020 هل ستصبح غزة مكاناً يمكن العيش فيه؟».

الآن بعد سبع سنوات من الحصار المتواصل، واثنتين من الهجمات العسكرية الإسرائيلية المدمرة، ما هي حال «الوضع المعيشي» لسكان القطاع البالغ عددهم مليوني نسمة؟ الخميس الماضي تأكدت هشاشة وقف إطلاق النار الحالي غير المستقر وغير الرسمي بين غزة وإسرائيل، فقد تم نقل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى ملجأ حصين مضاد للقنابل عندما انطلق صاروخ من غزة خلال أحد اجتماعاته، وعلى الفور قصفت إسرائيل أهدافاً تابعة لـ«حماس»، ومع ذلك فإن معظم الفلسطينيين في غزة منشغلون أكثر بهمومهم المعيشية اليومية التي تأزمت بسبب الحصار، وأدى نقص التنمية إلى زيادة المخاوف من تصعيد عسكري آخر.

عندما نشرت الأمم المتحدة تقريرها عام 2012، كانت نسبة البطالة قد وصلت بالفعل إلى 29٪، ويقدرها البنك الدولي الآن بـ53٪ (67٪ من الشباب في غزة عاطل عن العمل). ويعيش ما يقرب من 50٪ من السكان على أقل من 5.50 دولارات في اليوم، مقارنة بنسبة 9٪ منهم فقط في الضفة الغربية.

ناصر ليس هو الوحيد الذي يبحث عن حياة أفضل في مكان آخر، فقد قدّر تقرير الأمم المتحدة أن هناك حاجة إلى أكثر من ألف طبيب إضافي لسكان غزة، الذين يتزايد عددهم بسرعة بحلول عام 2020، ومع ذلك ووفقاً لوزارة الصحة، فقد غادر 160 طبيباً مؤهلاً القطاع في السنوات الثلاث الماضية.

سارة السقا (27 سنة)، طبيبة جراحة عامة في مستشفى الشفاء الرئيس، كانت ستنضم إلى قافلة المهاجرين لولا أمها العجوز، وتوظفها «حماس»، وتحصل على أجر يعادل 300 دولار أميركي كل 40 يوماً، وذلك بسبب تخفيض الرواتب، وتقول «سأغادر إلى الأبد إذا كان لدي خيار، وأعتقد أن كل طبيب يشاركني الفكرة نفسها». وتعترف بأن جميع الأطباء يشعرون بعذاب الضمير لأنهم يرغبون في المغادرة بالنظر إلى حالات الطوارئ الطبية، مثل الإصابات الخطيرة التي تتسبب بها الاحتجاجات الحدودية الأسبوعية التي أسفرت عن مقتل نحو 215 فلسطينياً، لكنها أضافت: «الواحد منا بحاجة إلى التفكير في نفسه ومستقبله، وإذا كان الوضع أفضل قليلاً فلن يغادر الكثير من الناس».

بالإضافة إلى الهجرة عبر رفح، هناك هجرة يومية الآن يلجأ اليها الفلسطينيون القلائل الذين يحملون تصاريح للسفر إلى الخارج عبر عمان في الأردن، وحتى في هذه الحالة يصعب عليهم الوصول إلى الضفة الغربية، حيث يبدو أن نتنياهو مصمم على منع تدفق مزيد من الفلسطينيين للضفة الغربية، على الرغم من أن اتفاقيات أوسلو حددت رسمياً غزة والضفة الغربية ككيان واحد.

هذا الوضع المتأزم في غزة يؤثر بالطبع على المرضى. رزان العينين (21 عاماً)، أزيلت لها السنة الماضية الغدة الدرقية المصابة بالسرطان من قبل الجراحين في غزة، لكن نظراً لعدم توافر العلاج باليود الإشعاعي بعد العملية الجراحية، فقد تم نقلها الى مدينة الخليل في فبراير، ومن المقرر أن تعود إلى الخليل منذ شهر أغسطس، والتي تبعد 50 ميلاً فقط، لإجراء فحص كامل للجسم، وعلاج إضافي إذا لزم الأمر، لكن التصريح اللازم لسفرها تم رفضه أربع مرات. اتصلت «الأوبزرفر» بشعبة الشؤون المدنية في الجيش الإسرائيلي، التي أفادت بأنه سيتم السماح لها بالسفر في السابع من يناير.

ويقول رئيس المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، راجي الصوراني، إن «النزيف» - وهي الكلمة التي يفضل أن يصف بها «الهجرة» - «يحز في قلبي»، لأن الفلسطينيين المؤهلين تأهيلاً جيداً يهاجرون من غزة. لكنه يعتقد أن ما يبذله الإسرائيليون من جهد لجعل الحياة «غير محتملة عن طريق الحصار والخنق الاجتماعي والاقتصادي والبطالة وانعدام الأمل في الغد» لم ولن ينجح لأن معظم سكان غزة لم يحاولوا الرحيل.

من المفترض أن يشهد العام المقبل بناء ثلاث محطات لتنقية المياه العادمة، حيث إن القطاع في أمس الحاجة إليها، لتنقية جزء كبير من 100 ألف متر مكعب من مياه الصرف الصحي الخام وشبه المعالجة التي يتم ضخها في البحر الأبيض المتوسط كل يوم، لكن استنفاد وتلوث طبقة المياه الجوفية الساحلية لايزال يعني أن 97٪ من إمدادات المياه الرئيسة غير صالحة للشرب، الأمر الذي يتطلب من معظم سكان غزة الاعتماد على الإمداد بالشاحنات بسعر يصل إلى خمسة أضعاف السعر الرسمي.

وبفضل سماح إسرائيل بإدخال الوقود للمحطة الكهربائية الوحيدة في غزة، ارتفع معدل إمدادات الكهرباء إلى 12 ساعة في المتوسط في اليوم من مجرد أقل من أربع ساعات، كما سمحت إسرائيل أخيراً لنحو 3000 من سكان غزة بالعمل في إسرائيل، ففي عام 2000 أصدرت إسرائيل 25 ألف تصريح. ومن المقرر أن يبدأ مستشفى ميداني جديد بتمويل من جمعية خيرية أميركية العمل بالقرب من معبر بيت حانون الحدودي في الربيع. أخيراً، بدأت الصادرات المحظورة منذ وقت طويل تتدفق من القطاع، لكن بنحو خمس ما كان يتم تصديره تقريباً قبل عام 2007.

ومع ذلك، تظل روح غزة وثابة دائماً وتتصف بالمقاومة، ففي إحدى أطرافها هناك محمد أبوبيض، (23 عاماً)، الذي بدأ العام الماضي ينقب في النفايات بحثاً عن علب بلاستيكية وألمنيوم لبيعها إلى شركة صغيرة لإعادة التدوير، بسعر شيكل واحد لكل 70 علبة، وخمسة شيكل لكل كيلوغرام من البلاستيك القابل للتدوير. وفي الطرف الآخر شركة «عمل بدون حدود»، وهي شركة تكنولوجيا معلومات ناجحة لا تهدف للربح، توظف أكثر من 100 من خريجي غزة، الذين يحصلون على ما يراوح بين 500 و1500 دولار لتصميم البرامج والتطبيقات. وبين هذين المثالين هناك بلال العمري، (23 عاماً)، الذي يدير كافتيريا على شاطئ البحر. يقول: «رأيت أصدقائي يذهبون إلى الجامعة ثم يلجؤون الى منازلهم في ما بعد بسبب عدم توافر الوظائف». ويمضي قائلاً «فكرت، لماذا أدرس ولا أحصل على شيء؟»، ويدر كشكه ربحاً بين 50 و60 شيكل يومياً في فصل الصيف، وأقل من ذلك في فصل الشتاء، لكنه يحلم بفتح الحدود ذات يوم كما يحث المجتمع الدولي الأطراف المعنية مراراً وتكراراً. يقول: «يمكنني السفر، أو أن يأتي السياح إلى هنا». لكنه أضاف «الأشياء المادية ليست كل شيء، نتطلع الى الكرامة، مثلنا مثل جميع البشر في كل مكان».


«السجن الكبير»

هناك الكثير من الأمثلة التوضيحية في هذا «السجن الكبير» - كما يصف سكان غزة القطاع - منها إلغاء مباراة نهائيات كأس الاتحاد الإنجليزي الفلسطيني، بسبب رفض إسرائيل السماح للاعبين من نادي خدمات رفح بالسفر عبر أراضيها، لأسباب أمنية مزعومة، من أجل خوض المواجهة ضد فريق بالضفة الغربية المحتلة، وفي ما بعد سمحت إسرائيل للفريق باللعب في محطته الثانية في نابلس. ويقول الكابتن أحمد ضاهر (36 عاماً): «كان من المهم جداً أن تتوافر لنا فرصة لتمثيل الفلسطينيين في الخارج، وقد تدربنا بشدة»، ويبدو أن ذلك نجح حيث إن خدمات رفح مازال يقود الدوري الممتاز في غزة.

معظم الفلسطينيين في غزة منشغلون أكثر بهمومهم المعيشية اليومية التي تأزمت بسبب الحصار، وأدى نقص التنمية إلى زيادة المخاوف من تصعيد عسكري آخر.

في 2012 وصلت نسبة البطالة في غزة إلى 29٪، ويقدرها البنك الدولي الآن بـ53٪.

تويتر