المدينة مثل تجربة في مختبر لقياس مدى تحمُّل مليونَيْ كائن يعيشون في قفص مُحكم الإغلاق

قطاع غزة على وشك الاختناق بعد 11 عاماً من الحصار

صورة

قبل عام، كان عبدالله هنية يشغّل أربعة موظفين في متجره المتواضع، في قطاع غزة. أما اليوم فهو يخطط لتسريح آخر موظف بقي عنده. ويقول صاحب المتجر إن الوضع كارثي «فمنذ أربعة أشهر، لم أبعْ شيئاً واحداً، لدينا هنا الكثير من المنتجات، لكن لا يوجد زبائن». وقد اضطر أحد أصدقائه لبيع محله، من أجل سداد القروض المصرفية المتراكمة عليه، وتفادى السجن على الأقل.

قطاع غزة ينهار..

المجالات الحيوية

وأوضاع العائلات

تزداد سوءاً،

والمراقبون مقتنعون

بأنه يقترب من

الهاوية.

قطاع غزة لا يتدهور، إنه ينهار.. المجالات الحيوية وأوضاع العائلات تزداد سوءاً، والمراقبون مقتنعون بأن القطاع - الذي شهد ثلاث حروب، إضافة إلى حصار مزدوج مصري - إسرائيلي منذ عام 2007، وهو العام الذي وصلت فيه حركة المقاومة الإسلامية (حماس) إلى السلطة - يقترب من الهاوية. وقد تسارع التدهور منذ نهاية عام 2017، بمعدل ينذر المسؤولين العسكريين الإسرائيليين، فجميع المؤشرات حمراء، غزة مثل تجربة في مختبر لقياس مدى تحمل مليونَيْ كائن يعيشون في قفص محكم الإغلاق.

الجديد في المأساة، هذه المرة، هو توقف المساعدات المالية في وقت وصل فيه معدل البطالة إلى 50٪. لكن حالياً، الانسداد يزداد، والمصالحة المحتملة بين الفصائل الفلسطينية المتنافسة - حركة فتح التي يقودها محمود عباس، وحركة حماس - غير ممكنة، وغياب حكومة حقيقية في غزة، وتخفيض 30٪ من رواتب موظفي الخدمة المدنية من قبل السلطة الفلسطينية منذ مارس 2017، والحصار الخانق، والهجوم الذي شنته إدارة ترامب على وكالة الإغاثة الأممية (أونروا)؛ كل هذه العوامل تسهم في استفحال أزمة السيولة.

يسود اليأس والخوف هذا القطاع المحاصر منذ فترة، فالناس لا يشترون إلا ما هو ضروري جداً من أجل البقاء على قيد الحياة. والتجار لا يستطيعون سداد ديونهم، في وقت ارتفع فيه عدد الشيكات التي من دون رصيد لتصل المديونية إلى 30 مليون دولار، وفقاً للمحلل عمر شعبان، الذي يؤكد أنه «في مجتمع صغير مثلنا، يعتبر هذا مبلغاً كبيراً».

في قطاع البناء، أوقفت 50 شركة نشاطها، خلال عام، المصير الذي يواجه عشرات الشركات الصغيرة الأخرى، حسب رئيس نقابة المقاولين، علاء الدين الأعرج، الذي يقول: «قبل أربعة أشهر كنا متفائلين بأن تتولى السلطة الفلسطينية الأمور في القطاع، وأن مواد البناء ستدخل غزة دون قيود، وتتوقف الضريبة المزدوجة»، متابعاً «هذا الحلم تبخر».

فشل المصالحة بين الحركتين الفلسطينيتين لم يكن بسبب مواقفهما فقط، فالسلطات الإسرائيلية تخنق القطاع، من خلال حظر آلاف المواد من الدخول إلى غزة أو تقييد تداولها، بحجة إمكانية استخدامها لأغراض عسكرية. ومع ذلك، لم تمنع هذه الإجراءات بناء أنفاق جديدة من قبل «حماس» والفصائل المسلحة. يقول المقاول الفلسطيني، فيصل الشوا، إن إسرائيل متواطئة مع «حماس» في حصارها لأهالي القطاع، «لقد دمروا كل شيء، وهم لايزالون موجودين، وإسرائيل تساعدهم».

وعند باب مستشفى الشفاء، كان عمال القطاع الصحي متذمرين للغاية، حتى مع زيارة السفير القطري، وإعلانه تقديم مساعدة لإنعاش المستشفيات. وكان عمال المستشفى غاضبين، لأن قطر لم تقدم لهم المساعدة، في وقت أدارت لهم فيه السلطة الفلسطينية ظهرها. وفي ذلك يقول العامل الطبي، شادي الخالدي (42 عاماً)، إن «عدد المضربين هنا 850 شخصاً، ولم نتقاضَ راتباً من السلطة منذ المصالحة بين الفصيلين». وبات الخالدي غير قادر على شراء اللحم والفواكه، وعليه أن يقترض من والده وأصدقائه لاقتناء ضروريات الحياة.. ومعظم الغزيين في حال مزرية، وضحية البؤس.

وفي المستشفى، يرسم مسؤول الطوارئ، الدكتور أيمن السهباني، صورة قاتمة، فهناك نقص فادح في مخزون الأدوية، بنسبة 45%، «لقد اضطررنا لتأجيل 350 عملية جراحية، لا يواجه فيها المرضى خطراً عاجلاً»، ولا يوجد في المؤسسة الطبية سرير شاغر، لأن المراكز الطبية الأخرى قلصت عملها، نظراً لانقطاع التيار الكهربائي. في يناير الماضي، توفي أربعة أطفال رضَّعٌ في المستشفى، كانوا بحاجة إلى رعاية فائقة. وفي ذلك يقول السهباني: «إنها كارثة، الإسرائيليون مجانين، إنه خطر بالنسبة لهم، هذا الجيل من الشباب الذين هم على استعداد، هنا، للموت، لأنهم لم يروا شيئاً إيجابياً، خلال 11 عاماً من الحصار». من جهتها، حذرت منظمة الإغاثة (أونروا) من أن الحالة ستسوء أكثر، بعد قطع واشنطن المساعدات عن الفلسطينيين. ويقول مدير العمليات في المنظمة بالقطاع، ماتياس شمايل، إن «77% من سكان غزة تحت خط الفقر»، موضحاً أنه ابتداء من الربع الثاني من هذا العام، «سيقطع الأميركيون المساعدات الاستعجالية بشكل كامل، حتى تعود السلطة الفلسطينية إلى المفاوضات مع الإسرائيليين».

تويتر