بعد أن تضع الحرب أوزارها

إيران تواجه معركة شاقة للاستفادة اقتصادياً من دورها في الحرب السورية

صورة

أنفقت إيران مليارات الدولارات، وفقدت مئات الأرواح، لتعزيز حكومة الرئيس السوري بشار الأسد، ومع ذلك، فإن إيران قد تكافح بشدة للحصول على عائد لاستثمارها في سورية. وعلى الورق، حصلت الحكومة الإيرانية والكيانات المرتبطة بفيلق الحرس الثوري الإيراني على حوافز اقتصادية كبيرة في سورية، ويتضمن ذلك مذكرة تفاهم لتشغيل مشغل للهاتف المحمول، ونصيباً كبيراً في أحد مناجم الفوسفات الأكثر ربحية، كما تم منحها أراضي زراعية وخططاً لتطوير فروع الجامعات، إلا أن رجال الأعمال والدبلوماسيين في سورية يقولون إن تنفيذ هذه الاتفاقات توقف من قبل مسؤولي النظام الأكثر حرصاً على جذب رجال الأعمال الروس والصينيين، وحذّروا من طموحات طهران التي تسعى لتوسيع نفوذها في البلاد.

يشعر بعض الإيرانيين بالقلق من أن الجهود

المبذولة للاستفادة من الموارد السورية

وعقود إعادة الإعمار المستقبلية يمكن أن يذهب

معظمها إلى أكبر داعم دولي لسورية

وهو روسيا.


المعاملة بغلظة

يقول رجال الأعمال والدبلوماسيون في دمشق إن مسؤولي النظام والبيروقراطيين من المستوى الأدنى يسعون لتثبيط الجهود الإيرانية، من خلال طلب المزيد من الأوراق والوثائق، وإجراء المزيد من المناقشات. ويقول أحد الدبلوماسيين «يشعر السوريون بأن الإيرانيين يريدون التدخل في كل شيء، لذا فهم يرون أنه يجب معاملتهم بغلظة». وعلى الرغم من إمكاناتها الإقليمية، لا تستطيع طهران أن تفعل شيئاً يذكر لممارسة الضغط في هذا المجال، كما يعتقد أحد رجال الأعمال السوريين، ونظراً لأهمية بلاده بالنسبة لاستراتيجية إيران الإقليمية «لا يستطيع الإيرانيون تهديدنا، إنهم عالقون هنا معنا، والنظام يعرف ذلك».

ويقول أحد رجال الأعمال السوريين «إذا ألقينا نظرة على قطاع الاتصالات، نجد أنه لايزال لديهم فقط مذكرة تفاهم، لقد مضى أكثر من عام ولم يتمكنوا من توقيع اتفاق»، ويمضي قائلاً إن «الإيرانيين لن يحصلوا على أي شيء، عندما يتعلق الأمر بتحقيق أرباح في سورية». وينظر خصوم إيران وأصدقاؤها على حد سواء إلى طهران على أنها واحدة من أعرق اللاعبين في الشرق الأوسط، وتبسط نفوذها من خلال تطوير شبكات أيديولوجية تابعة لها، وهي تعتبر سورية جزءاً بالغ الأهمية مما يسمى «محور المقاومة»، الذي يمتد عبر العراق وسورية، لينتهي عند أقوى ميليشياتها الإقليمية (حزب الله)، الحركة الشيعية اللبنانية، التي تتمركز بالقرب من الحدود مع إسرائيل، ويشكل وجودها المتزايد على عتبة إسرائيل مصدر قلق كبيراً لها ولحلفائها الغربيين، خصوصاً واشنطن. وتصاعد التوتر بشكل كبير في نهاية الأسبوع، عندما أسقطت مضادات سورية طائرة إسرائيلية، وردت إسرائيل بشن أكثر من موجة من الضربات الجوية على سورية.

أول قوة إقليمية

كانت إيران أول قوة إقليمية تأتي لمساعدة الأسد، وهي الوحيدة التي ظلت ترمي بكامل ثقلها وراءه، حيث حشدت أولاً «حزب الله»، ثم نشرت قواتها، ودعمت إنشاء قوات شبه عسكرية محلية، وأشركت في القتال ميليشيات شيعية مكونة من الأفغان والعراقيين، ولكن، بعد كل هذا، يشعر بعض الإيرانيين بالقلق من أن الجهود المبذولة للاستفادة من الموارد السورية، وعقود إعادة الإعمار المستقبلية، يمكن أن يذهب معظمها لأكبر داعم دولي لسورية، وهو روسيا، التي أدى تدخلها العسكري عام 2015 في الحرب إلى دعم الأسد بشكل حاسم. ويحذِّر المسؤولون الإيرانيون والروس والأوروبيون من أنه من السابق لأوانه الحديث عن النصيب المحتمل لكل دولة لإعادة الإعمار المفترض، الذي تقدر الأمم المتحدة كلفته بنحو 300 مليار دولار، إذ لايزال يشتد أوار الحرب بين الأسد والمعارضين له الذين يسعون للإطاحة به.

والأهم من ذلك، ليس من الواضح من سيتولى إعادة الإعمار، طالما أنه لا يعرف ما إذا كانت الدول الغربية والخليجية، التي تملك الأموال للقيام بذلك ولكنها تؤيد المعارضة، ستظل على الهامش، ويعرب بعض المسؤولين الروس عن قلقهم بشأن عدم وضع حد للاستثمارات الإيرانية، كما يفعلون بشأن المشاركة الغربية المحتملة. ويقول أحد المسؤولين الروس إن «الأسد كثيراً ما يتصرف لمصلحة إيران»، ويضيف «عندما يتعلق الأمر بالصفقات التجارية المحتملة وإعادة الإعمار، فمن الأهمية بمكان أن نقوم نحن بذلك، بطريقة تحقق فوائد له، أو لمن حوله، لكن يجب أن يظل هذا بيننا وبينه، من دون إيران».

وتسبب الاتجاهات الأولية، كما يقول دبلوماسيون في دمشق، صداعاً لإيران. أحد المسؤولين، الذي شهد المعارض التجارية الأخيرة في دمشق، وصف الشركات الإيرانية فيها بأنها «تتعامل بالخردة»، مقارنة مع الشركات الصينية، التي هي قوة اقتصادية تحرص سورية على جذبها.

القوة الناعمة

الأعمال التجارية مهمة بالنسبة لإيران، أولاً لاستعادة ما يقدر بنحو ستة مليارات دولار، التي يقول المسؤولون الإيرانيون إن سورية مدينة لهم بها، ولكن هذه الأعمال أيضاً مهمة، كونها تمثل القوة الناعمة التي تحتاج إليها إيران لتطوير نفوذ طويل الأمد، وعلاقات اقتصادية في سورية. وفي العراق المجاور، تجني إيران بالفعل فوائد هذه الاستراتيجية. ولا ينظر إلى طهران في كثير من الأحيان على أنها فقط الأكثر هيمنة من واشنطن، بل إن قيمة تجارتها قد ارتفعت، ففي عام 2008 بلغت قيمة التجارة مع العراق 2.3 مليار دولار، وبحلول عام 2015 بلغت 6.2 مليارات دولار. ويقول أحد رجال الأعمال الإيرانيين إن «الأمر سيستغرق من سورية وقتاً طويلاً للوقوف على قدميها، على عكس العراق الذي لديه موارد كثيرة». ويضيف «بالنسبة لإيران فإن الأولوية هي العراق، حيث لدينا مزايا تنافسية عالية».

ولكن إيران ببساطة لا تملك المال الذي يمكّنها من إطلاق المشروعات الكبيرة الخاصة بها. ويقول رجل إعمال إيراني إن «ما تملكه إيران في سورية من نفوذ لا يمكن استغلاله من دون استثمارات». وتتردد الشركات الإيرانية الخاصة في المشاركة، ويقول أحد المطلعين على الجهود التجارية الإيرانية في سورية إن طهران سمحت للحرس الثوري الإيراني والشركات المرتبطة به بقيادة هذا الجهد، إلا أن شركاته ملوثة بالفساد، بسبب انعدام الشفافية، وبما أنها لا تخضع للمحاسبة، فهي لا تتمتع بإدارة فعالة. ويقول الشخص نفسه إن الحرس الثوري الإيراني قد يحاول جذب شركاء تجاريين من الصين، أو دول عربية أخرى، لجلب الأموال اللازمة، إلا أن الأمور تظل خارج إيران، فقد ازدهر اقتصاد السوق السوداء في سورية وسط فوضى الحرب، ما خلق شبكات تهريب وأمراء حرب، يحرصون على حماية أرباحهم من أي جهة غريبة.

تويتر