حان الوقت من أجل اللجوء إلى الدبلوماسية

الولايات المتحدة لا تسعى جدياً لوضع حد للفوضى في سورية

صورة

كان الأسبوع قبل الماضي غريباً ومخيفاً في مدينة منبج - سورية، حتى بمقاييس الشرق الأوسط، ففي فترة ما بعد الظهر، كانت القوات الخاصة الأميركية، في حالة انتصار تقريباً على تنظيم داعش، حيث كان هؤلاء يقفون في برج مراقبة على قمة تلة لمراقبة الوضع، وكانوا يشتكون النيران المزعجة التي تسقط على شركائهم من الأكراد السوريين، والآتية من مسلحين مدعومين من تركيا حليفنا في حلف شمال الأطلسي (ناتو).

• سيكون من الحكمة أن يعالج مستشار الأمن القومي الأميركي الأزمة الناشبة مع الأتراك حول الأكراد، باعتبارها فرصة.

• يبدو أنه ليس هناك أي شيء في الشرق الأوسط تكون حقيقته تماماً كما تبدو عليه الحال، فكل انتصار يفتح الباب أمام مشكلة جديدة، ولكن ليس هناك عقبة لا يمكن التغلب عليها كما توحي إليه الخطابات الحربية.

وبعد مرور وقت قصير، وعلى بعد 100 ميل إلى الجنوب الشرقي من منبج، قامت قوات برية تدعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد بضرب مقرات المقاتلين الأكراد السوريين، وشركائهم من القوات الخاصة الأميركية، على بعد خمسة أميال إلى الشرق من نهر الفرات وربما بالقرب من آبار النفط، وقامت طائرات قوات التحالف التي تقودها الولايات المتحدة بالرد بقوة على مصدر النيران.

ولم تصدر عن الجيش الأميركي أية تفاصيل عن الموضوع، ولكن القوات الروسية كانت تدعم قوات النظام السوري في منطقة دير الزور، واستمر تبادل إطلاق النار في الليل ويمكن أن يمثل تصعيداً مهماً للحرب هنا.

وكان الدرس الذي استقيناه من ذلك اليوم، على كلا الجبهتين، أن جبهة القتال في هذه المنطقة مكتظة جداً، ويمكن أن تتطور فيها الأمور إلى صراع أكبر وأشد خطراً، ومن الواضح أن تركيا والولايات المتحدة تمضيان ببطء نحو التصادم منذ أن قررت الولايات المتحدة، تدمير تنظيم داعش منذ ثلاث سنوات ونصف السنة، وكان الشركاء السوريون الوحيدون القادرون على إنجاز هذا العمل هم الأكراد، الذين أطلقوا على أنفسهم «قوات سورية الديمقراطية» وأثار ذلك غضب تركيا، التي قالت إن المجموعات الكردية هي في واقع الأمر «إرهابية». لكن أنقرة لم تقدم بديلاً ذا صدقية يمكنه القضاء على «داعش»، وبناء عليه واصلت الولايات المتحدة دعمها للأكراد.

وعندما دخل الروس إلى النزاع عام 2015، حاولت الولايات المتحدة إنشاء خطوط واضحة لجبهات القتال. لكن اتضح أن هذا العمل دقيق جداً، ولا يمكن الثقة به، وبناء عليه فإن الاتصالات مع الروس ضرورية الآن أكثر من أي وقت مضى.

والسؤال المطروح الآن كيف يمكن للولايات المتحدة أن تجد حلاً لكل هذه الفوضى، بحيث أنها تتمكن من إنهاء مهمتها ضد تنظيم داعش؟ أميركا تريد «حواراً» و«تخفيف التصعيد» سريعاً مع تركيا، كما يوضح ذلك قائد القوات الأميركية في سورية والعراق اللواء بول فانك، وحذر فانك من أن الحملة ضد تنظيم داعش «تتباطأ»، وأن ذلك يمكن أن «يسمح لمقاتلي التنظيم بالهرب» إلى تركيا أو إلى أوروبا.

وكان فانك يتحدث مع الصحافيين هنا في منبج، في موقع تشغله قوات سورية الديمقراطية الكردية، وعلى بعد ميل ونصف الميل إلى الغرب، يمكن رؤية الساتر الذي يدل على الموقع المتقدم للقوات المدعومة من تركيا، وعلى بعد 40 ميلاً إلى الغرب توجد مدينة عفرين، التي بدأت المدافع والطائرات التركية بدكها منذ الشهر الماضي.

وتمكنت القوات الخاصة الأميركية من فعل الأعاجيب هنا في هذه المنطقة، وهي تعمل مع قوات سورية الديمقراطية، وتدمر قوات «داعش» التي تسيطر على شرق سورية.

ولكن يبدو أننا وصلنا إلى نهاية ما يمكن أن تقوم به القوة العسكرية، ولذلك فإن الخطوة التالية تتطلب الدبلوماسية، ومن المشجع أن مستشار الأمن القومي الأميركي «اتش ار ماكماستر» سيتوجه إلى انقرة هذا الأسبوع، وسيكون من الحكمة أن يعالج المستشار هذه الأزمة مع الأتراك باعتبارها فرصة، ويبدأ النقاش الهادئ الذي يمكن أن يؤدي إلى مصالحة نهائية بين الأتراك والمصالح الأميركية.

وتوضح الحالة التي وصلت إليها منبج كيف أن المعركة ضد «داعش» وصلت إلى منعطف حاسم نتيجة مشاركة الولايات المتحدة وشركائها من قوات سورية الديمقراطية، وكيف سيبدو الوضع بعد التخلص من التنظيم الإرهابي.

وكان رصيف شارع جلال في وسط منبج مكتظاً بالمتسوقين يوم الأربعاء قبل الفائت، حيث إنه كان من الأسهل على المرء المشي في طريق السيارات.

وفي كشك صغير يبيع عطوراً رجالية، يتذكر مالكه فواز الخانم، أن العطر المفضل لدى مقاتلي «داعش» كان يُدعى «سلطان» وفي داخل السوق المسقوفة، حيث كانت «داعش» تقوم بصناعة السيارات المفخخة، كانت المتاجر مزدحمة، وكانت النساء يشترين الملابس الملونة، والجنزات الممزقة.

وربما أن المنطقة الأكثر إشراقاً في هذه المدينة المحررة هي مدرسة البنات، حيث عاد التلاميذ إليها بعد سنوات من الاختباء هرباً من تنظيم داعش، ويبدو أنه ليس هناك أي شيء في الشرق الأوسط تكون حقيقته تماماً كما تبدو عليه الحال، فكل انتصار يفتح الباب أمام مشكلة جديدة، ولكن ليس هناك عقبة لا يمكن التغلب عليها كما توحي إليه الخطابات الحربية.

في يوم الأربعاء المذكور، وبينما كانت القوات المدعومة من تركيا تطلق النار على حاجز لقوات سورية الديمقراطية، كان هناك العشرات من الشاحنات تصطف في طابور بانتظار العبور من منبج إلى المناطق التي تسيطر عليها تركيا.

وسمح النظام السوري للمحتجين الأكراد باجتياز مناطق يسيطر عليها للوصول الى عفرين.

وفي وقت لاحق من اليوم ذاته، كانت قوات تابعة للنظام تهاجم الأكراد في منطقة أخرى، وفي الوقت نفسه، وبينما كان السياسيون الأتراك يوجهون الشتائم الى أميركا، واصل الجيشان التركي والأميركي اتصالهما المنتظم.

وكانت قوات سورية الكردية شريكاً شجاعاً لأميركا، ولكنها كانت غير مريحة أيضاً، وسيكون التخلي عنها خطأ، ولكنه سيكون من الخطأ أيضاً ترك هذا الصراع يتواصل ويتفاقم.

وقد قام الجيش الأميركي بواجبه في سورية، وحان الوقت من أجل اللجوء إلى الدبلوماسية.

ديفيد أغناتيوس كاتب رأي في الجريدة

تويتر