تسعى إلى «احتواء مبكر» للإقليم المضطرب

بغداد تتجه لاستعادة علاقاتها الاقتصادية مع كردستان

صورة

يبدو أن العلاقات الاقتصادية بين الحكومة العراقية وإقليم كردستان تعود تدريجياً إلى مسارها الطبيعي، وهو ما سيمثل تحولاً إيجابياً في مسار المبادلات الاقتصادية بين الطرفين، التي تأثرت سلباً عقب إجراء الاستفتاء على الانفصال في سبتمبر 2017.

وفي ما يبدو فإن التطورات السابقة ستصب في مصلحة كلا الطرفين، إذ تمثل بالنسبة لحكومة بغداد خطوة مهمة في احتواء تطلعات كردستان للاستقلال، كما قد تعزز من التنسيق العسكري بينهما لمواجهة بقايا خلايا تنظيم «داعش» في شرق كركوك. فضلاً عن أنها تكتسب أهمية خاصة لإقليم كردستان في الوقت الراهن، تتمثل في دعم قطاع النفط وتقليص حدة الضغوط المالية التي يتعرض لها حالياً.

ورغم ذلك، يظل هناك العديد من الملفات العالقة بين الطرفين، خصوصاً في ما يرتبط بأحقية إدارة حقول نفط كركوك، بالإضافة إلى الوصول لتفاهمات حول تسليم نفط كردستان لحكومة بغداد، مقابل تحويل المستحقات المالية للإقليم.

خطوات عدة

في تحول مفاجئ، وافق البرلمان العراقي، في 29 يناير 2018، على عودة التعاملات المصرفية مع المؤسسات المالية في إقليم كردستان، بعدما أوقف البنك المركزي العراقي تداول الدولار مع مصارف الإقليم الأربعة الرئيسة، في أكتوبر الماضي، كإجراء عقابي ضد الإقليم عقب تنظيمه الاستفتاء.

وامتدت حزمة الإجراءات العقابية التي فرضت على إقليم كردستان، لتشمل حظر عبور طائرات من وإلى الإقليم، كانت تستخدم المجال الجوي العراقي، بجانب غلق المنافذ البرية بين الطرفين، فضلاً عن السيطرة على معظم حقول النفط بكركوك والموصل، التي كانت تهيمن عليها ميليشيا «البشمركة» الكردية منذ عام 2014.

خلافات عالقة

يمكن القول إنه رغم اتجاه العلاقات الاقتصادية بين حكومة بغداد وإقليم كردستان إلى التحسن تدريجياً، بشكل قد يفرض تداعيات إيجابية على الطرفين، إلا أن ذلك لا ينفي أن الخلافات العالقة قد تمثل عقبة أمام استمرار ذلك، خصوصاً أن بعض الأطراف باتت ترى أن الجانب العراقي نجح، حتى الآن، في تحقيق مكاسب أكبر، يتمثل أهمها في الحد من سيطرة حكومة الإقليم على موارده المالية والنفطية.


• الحكومة العراقية تسعى إلى تقويض سلطة إقليم كردستان في التعاقد مباشرة مع الشركاء الأجانب في مجال النفط، وهو ما أكدت عليه في أكثر من مناسبة، بتحذير الشركات الدولية من العمل في الإقليم من دون موافقتها.

• الحكومة العراقية تسعى، في الغالب، إلى احتواء تطلعات قيادات إقليم كردستان للاستقلال، خصوصاً بعد تنظيم الاستفتاء.

وفي محاولة لتجاوز ضعف الثقة مع إقليم كردستان، كثّفت الحكومة العراقية من مباحثاتها أخيراً مع مسؤولي الإقليم، للتوصل إلى تفاهمات حول بعض القضايا الخلافية الرئيسة التي تتمثل في تحويل المستحقات المالية لحكومة الإقليم، البالغة 17% من قيمة الموازنة العراقية بموجب الدستور، إلى جانب فتح المنافذ الحدودية والجوية بينهما.

وفي تطور إيجابي، أبدى رئيس الوزراء، حيدر العبادي، التزامه بدفع رواتب موظفي إقليم كردستان، عبر تأكيده، في الثاني من يناير الماضي، أن الحكومة بدأت تدقيق أعداد الموظفين في الإقليم تمهيداً لدفع رواتبهم، مشيراً إلى أن «البداية ستكون بموظفي التربية والصحة». كما التقى العبادي، في أول فبراير الجاري، بمجموعة من نواب الكتل الكردية في البرلمان العراقي، لمناقشة مقترحاتهم حول الموازنة المالية الاتحادية لعام 2018، وتسريع الخطوات التدقيقية المطلوبة لدفع رواتب موظفي الإقليم.

وبالتزامن مع هذه التطورات، تعتزم أيضاً وزارة النفط العراقية زيادة تدفق النفط الخام من كركوك إلى مصافي إقليم كردستان، رغم معارضة البرلمان هذه الخطوة، من أجل تلبية احتياجات الإقليم من المشتقات النفطية من البنزين والديزل، وهو مؤشر آخر إلى تطور التعاون بين الطرفين.

الحد الأدنى من العلاقة

تدرك حكومة بغداد وإقليم كردستان أن توتر العلاقات في ما بينهما سيفرض تداعيات سلبية، ولذا كان من الضروري، وفقاً لرؤية اتجاهات عدة، استعادة الحد الأدنى من العلاقات في ما بينهما. وفي ما يتعلق بحكومة إقليم كردستان فإنها تحتاج، من دون شك، إلى الدعم المالي المخصص لها في الموازنة الاتحادية لسداد أجور موظفي القطاع العام.

وفي فبراير الجاري، تظاهر نحو 2000 مدرس من السليمانية احتجاجاً على عدم صرف رواتبهم منذ نحو أربعة أشهر، لتمثل امتداداً لاحتجاجات شهدتها المدينة نفسها، في ديسمبر الماضي، للمطالبة بصرف الرواتب المتأخرة. وقد تراجعت القدرة التصديرية للإقليم من النفط بأكثر من النصف في ظل التوترات مع حكومة بغداد عقب إجراء الاستفتاء، بما عرّضها لمزيد من الضغوط المالية.

فضلاً عن ذلك، تحتاج حكومة الإقليم إلى دعم من قبل حكومة بغداد، لتعزيز احتمالات استمرار أعمال الشركات الأجنبية في أراضي كردستان، بعد توقف عدد منها عقب إجراء الاستفتاء، حيث لن يكون بمقدورها، في ما يبدو، العمل مجدداً في الإقليم من دون الحصول على موافقة حكومة بغداد، وهو ما يفسر اتجاه شركات أجنبية عدة لتأجيل استئنافها عمليات التنقيب عن الغاز والنفط.

أما بالنسبة للحكومة العراقية فإنها تسعى، في الغالب، إلى احتواء تطلعات قيادات إقليم كردستان للاستقلال، خصوصاً بعد تنظيم الاستفتاء، وقد كان لافتاً في هذا السياق أن ثمة مؤشرات تكشف عن جهود تبذلها الولايات المتحدة الأميركية لتعزيز فرص توصل الطرفين إلى حلول للقضايا الخلافية في ما بينهما، وهو ما انعكس في تأكيد نائب وزير الخارجية الأميركي، جون سوليفان، خلال زيارته لبغداد وأربيل، في يناير الماضي، على ضرورة توافق الطرفين حول القضايا الخلافية، مثل دفع الرواتب وإعادة فتح المطارات في كردستان العراق للرحلات الدولية.

وفي الوقت نفسه، تدرك الحكومة العراقية أن التعاون مع ميليشيا «البشمركة» لمواجهة بعض خلايا تنظيم «داعش» المتمركزة، طبقاً لتقارير عدة، في بعض نواحي كركوك، بات يكتسب أهمية خاصة، وهو ما عبر عنه رئيس أركان الجيش العراقي للعمليات، الفريق الركن عبدالأمير يارالله بإشارته، في فبراير الجاري، إلى استعداد القوات المسلحة للقيام بعمليات مشتركة مع ميليشيا «البشمركة»، لتعقب تنظيمي «الرايات البيضاء» و«داعش» في مناطق شرق محافظة كركوك.

قضايا عالقة

لكن رغم التطورات الإيجابية السابقة، يبدو أن استعادة الثقة بين الطرفين تحتاج إلى مزيد من الوقت، خصوصاً في ظل استمرار عدم توصل الجانبين لتفاهمات حول القضايا المحورية الناجمة عن ضعف الثقة بينهما، ويتعلق أبرزها بإدارة حقول نفط كركوك، التي تسيطر عليها القوات العراقية بالتزامن مع حظر البرلمان العراقي عمل الشركات الكردية، مثل «مجموعة كار الهندسية»، في تشغيل حقول النفط في كركوك وتسليمها لـ«شركة نفط الشمال» العراقية.

وفي ما يبدو، فإن الحكومة العراقية تسعى إلى تقويض سلطة إقليم كردستان في التعاقد مباشرة مع الشركاء الأجانب في مجال النفط، وهو ما أكدت عليه في أكثر من مناسبة بتحذير الشركات الدولية من العمل في الإقليم من دون موافقتها، كما أن مشروعات الشركات الروسية في الإقليم ودور الحكومة المركزية فيها، ستكون محوراً رئيساً في المباحثات التي سيجريها وزير النفط العراقي، جبار اللعيبي، في روسيا، خلال زيارته المتوقعة قريباً إلى موسكو.

إلى جانب ذلك، فإن الطرفين لم يتوصلا إلى اتفاق حتى الآن حول تسليم النفط المنتج بالإقليم لحكومة بغداد من أجل تسويقه، وهو ما يشير إليه تصريح لرئيس حكومة إقليم كردستان العراق، نيجيرفان بارزاني، في 28 يناير الماضي، ينفي فيه التوصل إلى اتفاق مع رئيس الوزراء، حيدر العبادي، حول هذه القضية.

وفي الوقت نفسه، تتجه السلطات العراقية نحو تعزيز سيطرتها على موارد الإقليم من النفط، إذ طالب البرلمان بتشكيل لجنة للتدقيق في النفط المنتج والمُصدّر من قبل إقليم كردستان منذ عام 2014 وحتى العام الجاري، كما ستشارك اللجنة، عبر البنك المركزي، في تعقب الأموال العائدة من صادرات النفط الكردي والمودعة في بنوك خارج العراق.

وبالتوازي مع ذلك، لم تلتزم حكومة بغداد، وفقاً لرؤية بعض الاتجاهات، بتحويل أي مبالغ مالية لدفع رواتب الموظفين بإقليم كردستان حتى الآن، على الرغم من أن ثمة تقارير أشارت إلى تحويلها 250 مليون دولار كتمويل مؤقت لسلطات إقليم كردستان، لتسديد رواتب موظفي وزارتَي الصحة والتربية لمدة شهر واحد. ومن المتوقع أيضاً أن تتقلص حصة كردستان بالموازنة الاتحادية إلى 12%، بدلاً من 17%، وهي النسبة المقررة بموجب الدستور العراقي، حسب ما أشارت الكتلة الكردية بالبرلمان العراقي أخيراً.

تويتر