نتيجة قلة نفوذها على الأرض

واشنطن عاجزة عن تنفيذ سياستها في سورية

صورة

مع تغير الإدارة في واشنطن، بات من الواضح أن ثمة جديداً في السياسة الأميركية في سورية، وكان الهدف على المدى القصير هو هزيمة تنظيم «داعش»، وتم تشكيل «قوات سورية الديمقراطية» في نهاية عام 2015، باعتبارها المنظمة التي ستعمل على تحقيق هدف واشنطن على الأرض. وكلمة «الديمقراطية» تهدف إلى إعطاء هذه المنظمة صفة تمثيل الشعب السوري، وتخفف من وقع سيطرة الأكراد عليها. وقدمت الولايات المتحدة الدعم لهذه المنظمة، بهدف استعادة المناطق التي كان يسيطر عليها تنظيم «داعش»، كما أن القادة المحليين حصلوا على حرية كبيرة من واشنطن لتنفيذ المناورات العملياتية.


يُسلِّط التوغل التركي الضوء وببساطة

على المشكلات التي ستواجه أي سياسة

أميركية بشأن سورية بمجرد انتهاء مهمة

هزيمة تنظيم «داعش».


لا تملك واشنطن

الكثير من النفوذ،

باستثناء الأموال،

للتأثير في سير

الأمور بسورية.

وعلى المستوى التكتيكي، لقد حققت المنظمة نجاحاً باهراً، بالنظر إلى أن كلاً من مدينتي الرقة ودير الزور وقعتا الآن تحت سيطرة «قوات سورية الديمقراطية»، مع وجود أجزاء من دير الزور تحت سيطرة الجيش السوري. وستبقى أشياء ـ مثل كيفية دعم الولايات المتحدة لشركائها المحليين، وتمكينهم من هزيمة تنظيم «داعش» في ميدان المعركة ـ دروساً يتم تداولها في الكليات العسكرية. وبكل المقاييس، فقد كان تدخل أميركا ناجحاً على المستويين التكتيكي والعملياتي في بيئة معقدة.

وبالطبع، فإن مرحلة ما بعد «داعش» ستكون أكثر تعقيداً. ونشرت الولايات المتحدة آلاف الجنود شمال شرق سورية، لدعم «قوات سورية الديمقراطية»، لكن أهداف ما بعد «داعش» لاتزال ضبابية.

وفي خطاب ألقاه وزير الخارجية الأميركي، ريكس تيليرسون، عن سياسة الإدارة الأميركية في سورية، لخّص الوزير خمس نقاط استراتيجية تنوي واشنطن إنجازها، والمتمثلة في الهزيمة الدائمة لتنظيمي «داعش» و«القاعدة» في سورية، وحل الصراع في سورية من خلال عملية سياسية تقودها الأمم المتحدة، تفضي إلى قيام حكومة مستقرة في مرحلة ما بعد الأسد، وخفض النفوذ الإيراني في سورية. وقال تيليرسون إن العنصر الأساسي لإنجاز كل ذلك يتمثل في بقاء القوات الأميركية في المنطقة، مع استناد انسحاب هذه القوات إلى تقييم الظروف الموجودة على الأرض، وليس حسب برنامج انسحاب عشوائي.

وتملك روسيا تاريخاً في المنطقة، وتربطها اتفاقية دفاع وعلاقات وثيقة مع دمشق. وإيران أيضاً لها علاقات استراتيجية قوية، ومصالح اقتصادية متنامية، وتسيطر على الآلاف من مسلحي الميليشيات المدعومين من طهران، إضافة إلى جنودها الخاصين بها، والمنتشرين في شتى أنحاء الدولة. وتركيا أيضاً لها علاقات اقتصادية كبيرة، وتستضيف مئات الآلاف من السوريين على حدودها، وتمتلك حدوداً مع سورية طولها 800 كيلومتر. أما بالنسبة لواشنطن، فإن «قوات سورية الديمقراطية» هي الشريك التكتيكي الناجح الوحيد، لكنه بالطبع لا يملك أي ثقل استراتيجي.

حليف مشاغب

وتمت الإشارة أخيراً إلى كون الأكراد حليفاً مشاغباً، وأن واشنطن لم تضع خطة لما بعد تنظيم «داعش»، عندما أعلن أحد المتحدثين الرسميين الأميركيين عن تشكيل قوة أمن حدود قوامها 30 ألف مقاتل، ولكن ردة فعل الأتراك على تدريب وتسليح قوات أمن على حدودها مع سورية كان متوقعاً. ونقلت الحكومة التركية عدم رضاها إلى الحكومة الأميركية، عندما تم استدعاء القائم بالأعمال الأميركي في أنقرة، ووصفت وسائل الإعلام التركية الجيش الأميركي، ووكالة المخابرات الأميركية، بأنها تشكل جيشاً إرهابياً من الأكراد على حدودها.

ويحاول تيليرسون إصلاح الأضرار، مدعياً بأن الولايات المتحدة لم تكن تقصد تشكيل قوات حدود، وإن الوضع تم تصويره بصورة خاطئة. ولكن إذا كانت هذه المقالة التي كتبها صحافي حضر مراسم تخريج «قوات سورية الديمقراطية» قبل يومين، صحيحة، فإن رسالة واشنطن يبدو أنها لم تصل إلى الأكراد المحليين. وأعربت تركيا عن رفضها لخطوة واشنطن بصورة أكثر وضوحاً، ففي الأسبوع الماضي، هاجم الجيش التركي قوات كردية في عفرين، في منطقة تقع إلى الغرب من موضع القوات المدعومة من واشنطن.

وطلبت الحكومات من كل الأطراف ضبط النفس، ولكن في واقع الأمر فإنه ليس هناك من سيأتي لمساعدة الأكراد، تماماً كما حدث العام الماضي، عندما استرجعت الحكومة العراقية السيطرة على كركوك، بعد الاستفتاء الذي قام به الأكراد من أجل الاستقلال. وفي عالم الواقع تتغلب السيادة دائماً على الصداقة.

ويسلّط التوغل التركي الضوء وببساطة على المشكلات التي ستواجه أي سياسة أميركية بشأن سورية بمجرد انتهاء مهمة هزيمة تنظيم «داعش». وكانت القوات المتحالفة مع واشنطن عبارة عن خليط من الإثنيات والقبائل والمجموعات المختلفة، وكلها تدرك أن القوات الأميركية ستغادر المنطقة في نهاية المطاف. وعلى الرغم من أن القوات المعارضة للنظام السوري كانت تبدو وكأنها متحالفة، إلا أن ميلها للتشرذم كبير جداً، في الوقت الذي تتفاوض الحكومة السورية وحلفاؤها معها بصورة مباشرة أو غير مباشرة.

ويستطيع أعداء واشنطن استخدام وكلاء لاستهداف الجنود الأميركيين، ويزيدون الضغط عليها كي تغادر المنطقة. وينظر حلفاء واشنطن من دول حلف الأطلسي إلى القوات الكردية باعتبارها لا تختلف كثيراً عن كونها الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني، الذي تعتبره إرهابياً. وربما تقوم أنقرة بطرد «قوات سورية الديمقراطية» إلى مناطق في الشرق، تقع تحت حماية الولايات المتحدة، وتهدد أيضاً بطرد الولايات المتحدة من قاعدة انجرليك الجوية، وربما تقوم بما هو أشد سوءاً.

وفي الوقت الحالي، تقود روسيا وحلفاؤها السباق الدبلوماسي، في محاولة للقيام بعمل الوسيط للتوصل إلى حل يمكن أن توافق عليه الأمم المتحدة بصورة تلقائية. ولا تملك واشنطن الكثير من النفوذ، باستثناء الأموال، للتأثير في سير الأمور بسورية. وبالنظر إلى ضعف قدرتها على التأثير في الواقع السوري، فإن الافتقار إلى الجدول الزمني ربما يشكل عقبة أكثر من كونه فائدة في حال تزايد الضغوط المحلية ضد الإدارة، نتيجة وقوع إصابات في صفوف القوات الأميركية، أو قوات شريكة لها، أو تهديد تركيا بمزيد من الإجراءات. والدرس الوحيد الذي يمكن تعلمه مما سبق هو أن سياسة الولايات المتحدة في سورية مغطاة بالثقوب.

تويتر