ستشعل حرباً شاملة وتقوض سلطة واشنطن

الإدارة الأميركية تبني الأوهام على ضربة وقائية ضد كوريا الشـمالية

صورة

في مواجهة التقدم السريع لقدرات بيونغ يانغ النووية والصاروخية، بدأ الأميركيون في مناقشة إمكانية القيام بضربة محدودة ضد كوريا الشمالية، يمكنها أن تثني النظام عن إجراء المزيد من التجارب مع تجنب حرب كاملة. وتنطوي الخطة على تدمير مواقع إطلاق الصواريخ من أجل إظهار عزم الولايات المتحدة. وقد ذهب بعضهم إلى أبعد من ذلك، ودعوا إلى «ضربات جوية وصاروخية ضد جميع مرافق التجارب النووية المعروفة في كوريا الشمالية، ومرافق إطلاق الصواريخ والمنشآت التي تدعمها»، في حال إجراء تجربة نووية فوق المحيط الهادئ.

وسيكون الهدف من الضربة المحدودة مباشراً إلى حد ما: أن يظهر- لبيونغ يانغ- أنه لا يمكن مواصلة إجراء الاختبارات، دون المخاطرة برد أميركي، والأهم من ذلك أن مؤيدي مثل هذا الإجراء يفترضون أن قدرات الولايات المتحدة التقليدية والنووية الضخمة، يمكن أن تردع الزعيم الكوري كيم جونغ أون وتمنعه من الانتقام، لأن هذا التصعيد قد يؤدي إلى تدميره. ويميل المدافعون عن الضربة الوقائية، أيضاً، إلى القول بأن الولايات المتحدة لا تسعى إلى تغيير النظام، ولكن لن تقبل أبداً بأن تكون كوريا الشمالية نووية، وبعدها، يمكن لواشنطن إقناع كيم بأن المفاوضات هي السبيل الوحيد القابل للتطبيق.

غير أنه من غير المحتمل أن تكون الضربة كما هو مخطط لها، ولن يكون هناك ضمان بتدمير القدرات الكورية الشمالية بنجاح، وقد يشعر كيم بأنه مجبر على الرد حتى على هجوم محدود. ومن ثم فإن أي ضربة ستخاطر بإشعال حرب شاملة في شبه الجزيرة الكورية، من شأنها أن تعرض الملايين من الأرواح للخطر، وتقلل في نهاية المطاف من سلطة الولايات المتحدة ونفوذها في منطقة آسيا والمحيط الهادئ.

عمل خطير

كارثة اقتصادية

بعيداً عن الكلفة البشرية، ستكون الحرب على شبه الجزيرة الكورية كارثية بالنسبة للاقتصاد العالمي، وتعد الصين واليابان وكوريا الجنوبية من أكبر الاقتصادات في العالم، حيث توفر 20% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وتمثل هذه الدول الشركاء التجاريين الأول والرابع والسادس للولايات المتحدة، وأكثر من 880 مليار دولار في التجارة، وفقاً لبيانات عام 2016 وحده. فالحرب ستدمر التجارة والاستثمار في المنطقة وستشكل كارثة اقتصادية بالنسبة للولايات المتحدة.


• وفقاً لوثائق الحكومة الأميركية التي تم رفع السرية عنها أخيراً، فإن «البنتاغون» قد قدرت في عام 1994 أن الحرب على شبه الجزيرة الكورية ستقتل أو ستصيب 52 ألفاً من عناصر الخدمة الأميركية وأكثر من 490 ألف جندي من كوريا الجنوبية خلال ثلاثة أشهر فقط من القتال، ومن المؤكد أن هذه الأرقام أصبحت أسوأ بكثير في السنوات الـ24 الماضية، بالنظر إلى التقدم الكبير الذي أحرزته كوريا الشمالية في تطوير أسلحة الدمار الشامل.

من المرجح أن تتطلب الضربة الوقائية الناجحة مفاجأة، وإذا أصبحت بيونغ يانغ مقتنعة بأن الضربة الأميركية باتت وشيكة فقد ترى نفسها في وضع «استخدام أو خسارة»، والهجوم قبل أن تتاح للولايات المتحدة فرصة لإخراج أسلحتها، مما يحول دون الوقاية.

ولكن تحقيق مفاجأة سيكون صعباً، ومن المحتمل أن تسعى واشنطن الى العمل مع سيؤول وطوكيو من أجل إعداد جيوشها لرد محتمل من قبل كوريا الشمالية، الأمر الذي يتطلب نقل القوات والموارد الأخرى إلى المنطقة. كما ترغب كوريا الجنوبية واليابان في إعداد مواطنيهما لمنحهم فرصة أفضل للبقاء في حالة نشوب حرب، وأخيراً، قد ترغب الولايات المتحدة في إجلاء عائلات العسكريين الأميركيين (من بينهم أكثر من 10 آلاف) في كوريا الجنوبية قبل الضربة. هذه عمليات كبيرة جداً سيكون من المستحيل أن تُفوتها كوريا الشمالية.

ويمكن أن تتخلى واشنطن عن هذه الاستعدادات من أجل الحفاظ على عنصر المفاجأة، ومع ذلك، بالنظر إلى أن هناك بين 100 و500 ألف مواطن أميركي في كوريا الجنوبية (ومئات الآلاف في اليابان)، في أي وقت من الأوقات، فإن هذا سيضع عدداً كبيراً جداً من الأرواح الأميركية في خطر، وعلاوة على ذلك، فإن شن هجوم مفاجئ دون إعطاء كوريا الجنوبية واليابان وقتاً كافياً للتحضير، يمكن أن يلحق ضرراً عميقاً بهذه التحالفات الأميركية الحرجة.

تجنب الانتقام

ولتجنب الانتقام، يتعين على واشنطن إقناع بيونغ يانغ بأن الأهداف الأميركية محدودة، وأنها لا تسعى إلى تغيير النظام أو تنوي الغزو، وهذا على الرغم من أنه في حالة وقوع ضربة وقائية، فإن الولايات المتحدة ستقتل المئات من الكوريين الشماليين، إن لم يكن الآلاف، في محاولة لإزالة ما تعتبره بيونغ يانغ الضمانة الوحيدة ضد الغزو، ولننظر أيضاً إلى مدى ارتباط البرنامج النووي بشرعية كيم ونظامه، فالأسلحة النووية ليست مهمة من الناحية الاستراتيجية فحسب، بل أساسية أيضاً لكيفية تبرير النظام لسلطته، من وجهة نظر بيونغ يانغ، قد تكون مهاجمة الأسلحة النووية والصواريخ الكورية الشمالية وتجنب قيادتها، تمييزاً، لكن من دون فرق.

نجاح غير مؤكد

وحتى لو تمكنت الولايات المتحدة من تنفيذ الضربات ومنع حدوث رد كبير من كوريا الشمالية، فإنها قد لا تكون قادرة على تدمير جميع أسلحة كيم النووية وصواريخه، بنجاح، والواقع أن البنتاغون أخبر الكونغرس اخيراً بأن القضاء على جميع الأسلحة النووية في كوريا الشمالية سيتطلب غزواً أرضياً، ربما بسبب ميل بيونغ يانغ إلى بناء منشآت عسكرية تحت الأرض، ما يحد من فعالية الضربات الجوية، وإذا قررت الولايات المتحدة مهاجمة كوريا، دون محاولة القضاء على قدراتها الباليستية وأسلحة الدمار الشامل، فإنها ستترك نفسها وحلفاءها تحت رحمة كيم، وإذا كانت واشنطن عازمة، من ناحية أخرى، على الاستمرار حتى تصبح كوريا خالية من الأسلحة النووية تماماً، يجب عليها أن تنظر في العواقب المحتملة لغزو واسع النطاق.

إن الحرب الشاملة مع كوريا الشمالية ستكون مدمرة.، وقدر تقرير صدر أخيراً عن دائرة أبحاث الكونغرس، أن بين 30 و300 ألف شخص، قد يلقون مصرعهم في الأيام الأولى من القتال، حتى لو امتنعت بيونغ يانغ عن استخدام أي أسلحة دمار شامل، وهو سيناريو غير محتمل. ووفقاً لوثائق الحكومة الأميركية التي تم رفع السرية عنها أخيراً، فإن «البنتاغون» قد قدرت في عام 1994 أن الحرب على شبه الجزيرة الكورية ستقتل أو ستصيب 52 ألفاً من عناصر الخدمة الأميركية، وأكثر من 490 ألف جندي من كوريا الجنوبية خلال ثلاثة أشهر فقط من القتال. ومن المؤكد أن هذه الأرقام أصبحت أسوأ بكثير في السنوات الـ24 الماضية، بالنظر إلى التقدم الكبير الذي أحرزته كوريا الشمالية في تطوير أسلحة الدمار الشامل، واليوم، يمكن أن تتعرض ملايين الأرواح للتهديد.

ولتقديم منظور أوضح، لقي أكثر من 6900 جندي أميركي مصرعهم، وأصيب أكثر من 52 الفاً في العراق والمنطقة المحيطة بها منذ عام 2003. ورغم أن أحداً لم يعرف عدد المدنيين الذين لقوا مصرعهم في تلك الحرب، فإن الأكاديميين يقدرون أن 461 ألف شخص لقوا حتفهم في العراق، نتيجة للأسباب المتصلة بالحرب بين عامي 2003 و2011، وتوفي آلاف آخرون في السنوات التي تلت ذلك. ووفقاً للأبحاث التي أجريت في جامعة «براون»، اعتباراً من عام 2015، فإن ما لا يقل عن 970 ألفاً من قدامى المحاربين من العراق وأفغانستان لديهم درجة معينة من الإعاقة المعترف بها رسمياً نتيجة للحروب، ومن المحتمل أن تكون الحرب مع كوريا الشمالية أكثر تدميراً من أي نزاع تشهده الولايات المتحدة منذ الحرب العالمية الثانية، إن اندلعت.

تضاؤل السلطة

من غير المحتمل أن يدعم الحلفاء الرئيسون للولايات المتحدة في المنطقة وكوريا الجنوبية واليابان ضربة أميركية وقائية ضد كوريا الشمالية، والواقع أن الرئيس الكوري الجنوبي، مون جاي، قد ألمح بالفعل إلى حق استخدام الفيتو ضد أي عمل عسكري أميركي في شبه الجزيرة الكورية، وهذا أمر لا يثير الدهشة، إذ إن الصراع سيعرض حياة الملايين من المدنيين اليابانيين والكوريين الجنوبيين للخطر. وعلى الرغم من أن البلدين يدعمان الضغط على كوريا الشمالية ويتوقعان من واشنطن أن تأتي للدفاع عنهما إذا تعرضا للهجوم، لم يعرب أي منها عن دعمه للولايات المتحدة في حال عجلت الصراع. في الواقع، يعبر الخبراء والمسؤولون، بشكل خاص، عن العكس: الخشية من أن تبدأ الولايات المتحدة حرباً ستدفع ثمنها.

وإذا بدأت واشنطن صراعاً يواجهه تصعيد من قبل بيونغ يانغ، فإن سيؤول وطوكيو قد تنظران بشكل جدي إلى تقليص أو حتى إنهاء تحالفاتهما مع الولايات المتحدة وطرد القوات المسلحة الأميركية من أراضيهما وتطوير أسلحة نووية خاصة بهما، ومن شأن ذلك أن ينهي فعلياً الهيمنة الجيوسياسية الأميركية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، ما يخلق منطقة مزدحمة بالانقسام وعدم الاستقرار، مع تضاؤل سلطة الولايات المتحدة ونفوذها، وحينها ستستعد الصين لملء الفراغ.

آثار مدمرة

وكما لاحظت الخبيرة في مؤسسة «هوفر»، كوري شايك، فإن الكثير من الخطابات عن كوريا الشمالية التي تخرج من إدارة ترامب تعكس وجهة نظر إدارة جورج بوش الابن، خلال الفترة التي سبقت غزو العراق. ومع ذلك، لايزال هناك فارق مهم: إدارة ترامب، على عكس إدارة بوش، لم تقدم الأسباب بعد لإقناع الشعب الأميركي أو المجتمع الدولي. إذا كانت الولايات المتحدة وكوريا الشمالية تقتربان بالفعل من الحرب كل يوم، فإن القادة الأميركيين لم يوضحوا بعد لماذا قد تكون الحرب ضرورية؟ وكيف سيحقق العمل العسكري الأهداف الأميركية؟ وكيف يخططون للحد من الإصابات؟ ولماذا تعتبر هذه المخاطر والتضحيات ضرورية؟ وكيف يتصورون انتهاء الصراع؟

يستحق أفراد الخدمة الأميركية من العسكريين والمدنيين والحلفاء والشعب الأميركي أكثر من ذلك وعدم زجهم في حرب مدمرة، وبالنظر إلى عدم اليقين الهائل والآثار المدمرة المحتملة للصراع في شبه الجزيرة الكورية، يحتاج الشعب الأميركي والياباني والكوري الجنوبي إلى مناقشة مزايا هذا القرار، وقبل أن ترسل الجنود الأميركيين ليلقوا حتفهم أو يصابوا بجروح وعاهات، يجب أن يكون لدى إدارة ترامب الثقة بعرض قضية خوض الحرب أمام الرأي العام الأميركي، وشرح مخاطرها وعواقبها.

أبرهام دنمارك - مدير برنامج آسيا في «مركز وودرو ويلسون الدولي للباحثين»، وعمل سابقاً نائباً لمساعد وزير الدفاع الأميركي المكلف بشؤون شرق آسيا.

تويتر