على الرغم من إعلان بوتين نهاية التدخل الروسي الشهر الماضي

الهجوم على قاعدة حميميم يشوه صورة موسكو

صورة

لم يمض شهر على إعلان الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، نهاية التدخل الروسي في الحرب الأهلية الدائرة في سورية، والانسحاب الوشيك للقوات الروسية من البلد، حتى نفذ مسلحون هجمات بمدفعية الهاون على القوات الروسية الموجودة في سورية.

حاولت روسيا استعراض عضلاتها خلال

تدخلها في سورية، في عرض واضح

لقوتها العسكرية، وقدرة أسلحتها

الفتاكة، لكن هجوم قاعدة حميميم

الأخير، سواء نجم عنه تدمير طائرات

أم لا، هو نذير شؤم لموسكو.

ومن الواضح أن الحرب الأهلية السورية لم تنته بعد، كما أنها لن تنتهي في المنظور القريب. وكانت الأضرار التي منيت بها حملة الترويج للقوات الروسية، وتلميع صورتها، كبيرة جداً. ولكن الأمر الأكثر أهمية مفاده ما إذا كانت روسيا قد غاصت في مستنقع الشرق الأوسط، وأثر ذلك في القوات العديدة المتقاتلة على السلطة في سورية.

وفي الثالث من يناير الجاري، أوردت صحيفة كومرسنت اليومية الروسية أن الهجوم الذي قام به مسلحون على قاعدة حميميم بمدافع الهاون في 31 ديسمبر الماضي، نجم عنه تدمير أربع طائرات سوخوي 24، من ضمنها اثنتان سوخوي-35 إس مقاتلتان، إضافة إلى طائرة شحن عسكرية. ورفضت وزارة الدافع الروسية ما قالته الصحيفة، لكنها لم تنف وقوع الهجوم نفسه. وقالت الوزارة إن القاعدة تعرضت لقصف مدفعي من «مجموعة مسلحة متحركة»، وأن اثنين من الجنود الروس قتلوا في الهجوم.

ومن الصعوبة بمكان في هذه المرحلة معرفة مدى الأضرار التي أصيبت بها قاعدة حميميم على وجه الدقة. وتعتبر صحيفة كومرسنت مصدراً موثوقاً للمعلومات، وليس لها أية مصلحة في تلفيق مثل هذه القصة. وإضافة إلى ذلك، فإن مراسلاً روسياً حربياً واحداً على الأقل نشر صوراً على وسائل التواصل الاجتماعي تظهر الطائرات المدمرة، على الرغم من أنه ليس من الممكن تأكيد مدى صدقيتها حتى الآن.

إهانة صورة روسيا

20 % من موجودات القاعدة مدمرة

إذا سلمنا للحظة بصحة التقارير الإخبارية من مصادر عدة، فإن الهجوم الأخير على قاعدة حميميم كان مدمراً بصورة كبيرة. ولا ندري عدد الطائرات الروسية المرابطة في قاعدة حميميم حالياً، لكن في ذروة التدخل الروسي في سورية كان تعداد الطائرات نحو 70 طائرة، إضافة إلى 4000 عسكري موجودين في القاعدة. وقال وزير الدفاع الروسي إن 36 طائرة عادت إلى قواعدها الدائمة في روسيا. وإذا صدقت أخبار صحيفة كومرستنت الروسية، فإن نحو 20% من موجودات القاعدة الجوية، بما فيها نصف طائرات سوخوي-35 اس المرابطة هناك، قد دمرت.

وبالطبع فإن معرفة حجم التدمير مسألة مهمة جداً للوقوف على حجم الإهانة التي تعرضت لها صورة روسيا، ولكن علينا الانتظار بعض الوقت لمعرفة هذه المعلومات بدقة. وبغض النظر عن التدمير، فمما لا شك فيه أن الهجوم كان مباغتاً للقوات الروسية. وأعلنت وزارة الدفاع الروسية، أخيراً، أن روسيا ستزيد من مساحة المنطقة الأمنية المحيطة بالقاعدة، وأن الجنود الروس سيكونون مسؤولين عن أمنها، وليس الجنود السوريين، كما كان الحال في السابق. ومهما كان شكل الأحداث التي وقعت في القاعدة، فإنها لن تغير حقيقة أن ما حدث كان ضربة كبيرة لصورة روسيا التي تم رسمها بعناية. وإذا وقع مزيد من الأحداث المشابهة في المستقبل القريب، سيكون من الصعوبة بمكان على روسيا الادعاء بأن تدخلها في سورية قد أنجز الأهداف المرجوة منه.

وخلال التركيز على هذا الهجوم الكبير، ضاع العديد من العمليات العسكرية الأخرى التي قامت بها روسيا أخيراً. ففي الثالث من يناير الجاري، ذكرت وزارة الدفاع الروسية أن طائرة هيلوكوبتر روسية من طراز إم أي-24 تحطمت بالقرب من ميدان معركة في ضواحي مدينة حماة السورية، حيث قتل الطياران اللذان يقودانها. وخلال اليوم ذاته ذكرت وكالة رويترز للأنباء أن قوات روسية جوية دعمت هجوماً للجيش السوري ضد مجموعة من المعارضة السورية بالقرب من دمشق. ولم يحدد بوتين موعداً لانسحاب القوات الروسية من سورية، عندما أعلن عن تحقيق النصر الشهر الماضي، ولكن التحركات العسكرية الأخيرة على الأرض لا توحي بأن روسيا ستسحب الجزء الأكبر من قواتها من سورية في المنظور القريب. ويتعين على روسيا أن تظهر الآن أنها تستطيع إنهاء المهمة التي قالت إنها انتهت سابقاً.

مستقبل سورية

ولكن السؤال المطروح الآن مفاده: كيف سيبدو مستقبل سورية؟ حاولت روسيا هندسة حل دبلوماسي من شأنه الحفاظ على الوضع الراهن، ولكن في الوقت الحالي لا يستطيع أي من المجموعات المتقاتلة على السلطة في سورية، أن يفرض سلطته على البقية.

المشكلة التي تواجه روسيا أنه ليس هناك أي جهة، وربما باستثناء الأكراد، من مصلحتها الإبقاء على الوضع الراهن، إذ إن ذلك لا يناسب إيران، التي تريد عودة الدولة برمتها تحت سيطرة الرئيس السوري بشار الأسد، كي تواصل دمشق دورها تابعاً، ومركزاً مهماً لتحقيق أحلام إيران في وصول نفوذها إلى البحر المتوسط، وهذا الأمر لا يناسب تركيا أيضاً، التي أعلنت الأسبوع الماضي عن دعمها لتشكيل ما سمته «جيش وطني» مؤلفاً من 22 ألف مقاتل لمحاربة الأسد وتنظيم «داعش» وميليشيات حزب العمال الكردستاني، ولكن الهدف الرئيس له هو محاربة الأكراد السوريين في مدينة عفرين السورية.

من جهته، يحبذ الرئيس الأسد استعادة دولته دون تقديم أي تنازل لأي من المجموعات المعادية له، وهذا يعني إبقاء روسيا على الأراضي السورية إلى أجل غير معلوم، للمساعدة على فرض السيطرة على كامل أراضي الدولة.

وما حدث في سورية عام 2011 كان حرباً أهلية، هذه الحرب التي من حيث الواقع توقفت عند ظهور تنظيم «داعش»، وسط خضم الفوضى التي عمت الدولة كي تستولي على سورية والعراق، لكن مع القضاء على «داعش»، تم استئناف الحرب الأهلية من جديد، وهذا ليس هو الخطاب الذي تريد أي من الدول المنخرطة في هذه الحرب سماعه، إذ إن روسيا ونظام الأسد يريدان إقناع العالم بأن الأمر الذي يجب إنجازه هو القضاء على بعض الجيوب من المتمردين المعارضين للنظام، أما إيران فهي تريد من العالم أن يصدق أن التهديد الذي تفرضه المعارضة السورية خطر جداً، الأمر الذي يبرر زيادة الوجود الإيراني في سورية. ولاتزال تركيا تأمل أن تتمكن من إعادة الأكراد السوريين إلى مناطقهم، واستبدال الأسد بحكومة تقودها شخصيات من السنة تحمي مصالح تركيا. وتستخدم كل من هذه الدول وكلاءها من التنظيمات والميليشيات من أجل تحقيق أهدافها، كما يحاول كل منها تغيير الواقع بصورة تقود إلى النجاح.

نجاح محدود

ولكن هذا النجاح محدود جداً في هذه المنطقة من العام، وإذا تمت هزيمة تنظيم «داعش»، ولم يبق إلا عدد بسيط من المتمردين الذين يمكن القضاء عليهم ببساطة، فكيف تعرضت القاعدة الروسية الأساسية في المنطقة للقصف بمدافع الهاون؟ من الواضح أن هناك الكثير من العمل الذي لايزال بحاجة إلى إنجاز، بعكس ما تقوله روسيا من أنها أنجزت المهمة. وحاولت روسيا استعراض عضلاتها خلال تدخلها في سورية، في عرض واضح لقوتها العسكرية، وقدرة أسلحتها الفتاكة، لكن هذا الهجوم الأخير، سواء نجم عنه تدمير للطائرات المذكورة أم لا، سيكون نذير شؤم لموسكو. وذهبت روسيا إلى سورية عندما كان اقتصادها في حالة سيئة، نتيجة انخفاض أسعار النفط بأقل من المتوقع، في الوقت الذي كانت فيه صدقية بوتين في انحدار بعد ثورة أوكرانيا عام 2014. ويتعين على الحكومة الروسية مغادرة سورية وهي تحمل النصر للشعب الروسي، ولكن كلما ازداد بعد هذا الاحتمال، ازداد احتمال ارتداد هذا التدخل بصورة سلبية على موسكو.

تويتر