لحماية المصالح التجارية بعد الخروج من الاتحاد الأوروبي

عودة مرتقبة للبحرية البريطانية إلى شرق آسيا

تواجد القطع البريطانية في المحيط الهادي سيعزز الاستقرار والأمن. أرشيفية

منذ ما يقرب من 150 عاماً، عرض المستشار الألماني أوتوفون بسمارك على السفير الروسي في برلين، أفكاره الأساسية حول العلاقات الدولية، قائلاً: «جميع السياسات تعتمد على هذه الصيغة: حاول أن تكون في مجموعة من ثلاث في عالم يحكمه خمس قوى». لم يكن بسمارك يستخدم تعبيراً أدبياً، كان يرى أن كل التحركات الدولية يجب أن تراعي تغييرات موازين القوة كلما كان ذلك ممكناً.

في حين أن بيانه يبدو واقعياً، إلا أن هناك حكمة سياسية في ذلك. وفي شرق آسيا، يدخل نظام التحالف «المحوري» الأميركي ضمن نظرية بسمارك، ولا سيما التحالفات العسكرية للولايات المتحدة مع اليابان وكوريا الجنوبية. وليس سراً أن الولايات المتحدة تعمل من أجل إقامة تعاون عسكري أوثق بين هذه القوى الآسيوية، ومن الواضح أيضاً أن الشركاء الثلاثة يواجهون باستمرار العراقيل في تحسين تعاونهم الدفاعي الثلاثي الشامل، وعلى الرغم من نفوذها المحتمل في الأمن الإقليمي، فقد كشف الترتيب العسكري الرسمي بين الدول الثلاث عن جدوى سياسية كبيرة.

في هذا السياق، قامت بريطانيا بتحركات استراتيجية في السنوات الأخيرة، وهي ذات أهمية كبيرة للمنطقة الآسيوية والمحيط الهادي، باعتبارها مجالاً له أهمية حيوية. ليس من الغريب أن نرى المنطقة التي يوجد فيها 60% من سكان العالم، تضم أكثر المطارات التجارية ازدحاماً في العالم، والمملكة المتحدة لها مصلحة حيوية في هذا الركن من الكرة الأرضية، وهي تعتمد في وجودها على التجارة العالمية، لقد حققت المملكة المتحدة، التي كانت قوة إقليمية اقتصادية وبحرية وعسكرية، في القرون السابقة، بعض التقدم في المنطقة.

وأهم هذه الخطوات نشر طائرات مقاتلة من نوع «تايفون» في قاعدة «ميساوا» اليابانية، في أكتوبر 2016، فيما وصفه ضابط في سلاح الجو الملكي بأنه «ربما يكون التواجد الأكثر طموحاً للقوات الجوية الملكية في الشرق الأقصى». وقالت وزارة الدفاع اليابانية إن «الغرض من هذه العملية هو تعزيز المهارات التكتيكية لوحدة الدفاع الذاتي اليابانية، وتعزيز التعاون في المجالات الدفاعية بين البلدين».

أحدث الحاملات

• تواجد المملكة المتحدة سيعود بفائدة كبيرة على استقرار الوضع الأمني في منطقة آسيا والمحيط الهادي، شريطة وصوله في الوقت المناسب.

• تقرر أن تعمل المقاتلات الأميركية طراز «إف 35» على حاملات الطائرات البريطانية، لتكون قوة عسكرية قابلة للتشغيل المتبادل بين أميركاواليابان وكوريا الجنوبية.

أعلنت المملكة المتحدة بوضوح عن نيتها نشر أحدث حاملات الطائرات والوحدات القتالية المصاحبة لها في شرق آسيا، وصرح وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون في سيدني، في يوليو 2017، بأن «من أولويات حاملات الطائرات الجديدة التي بنيناها هي إرسالها للملاحة في منطقة آسيا والمحيط الهادي، لتأكيد إيماننا بالنظام الدولي القائم على حرية الملاحة من خلال تلك الممرات المائية التي تعتبر حيوية للغاية بالنسبة للتجارة العالمية»، وسواء أكانت لندن ستمضي قدماً في هذه الخطة أم لا، فإن الرغبة في إرسال قوات تشير إلى أنه لدى لندن اهتمام دفاعي نشط في المنطقة.

ومن المتوقع أن يركز هذا الاهتمام الدفاعي المتجدد على حماية المصالح الاقتصادية العاجلة، كما فعلت منذ مئات عدة من السنين. وبما أن المملكة المتحدة تجد نفسها في خضم مفاوضات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، فإنها ستحتاج إلى أسواق جديدة وشركاء تجاريين خارج أوروبا بمجرد اكتمال الخروج، وتعد آسيا مكاناً مألوفاً للتجارة البريطانية، فضلاً عن أنها سوق واعدة ستكون لها نتائج مهمة في الفترة المقبلة، وقد بدأت المملكة المتحدة بالفعل النظر في إمكانية الانضمام الى «الاتفاقية الشاملة للشراكة عبر المحيط الهادي» المعروفة باسم «تي بي بي-11»، التي انسحبت منها الولايات المتحدة، في يناير الماضي. هذه الصفقة التجارية، التي تسير نحو التوقيع والتنفيذ بحلول الربيع أو الصيف، يمكن أن توفر للمملكة المتحدة الأسواق التي ستحتاج إليها بشدة بعد أن تفقد الوضع التجاري المفضل في الاتحاد الأوروبي، وذلك بمجرد التوصل إلى الصيغة النهائية لخروجها من الاتحاد.

مزايا عسكرية

وهناك أيضاً مزايا عسكرية يمكن أن تقدمها المملكة المتحدة إلى المنطقة. أولاً، إن الندرة النسبية في القواعد بالمنطقة تسمح لها بأن تكون مرنة عسكرياً نظراً لحجم المنطقة الكبير. وكونها قوة متنقلة وبحرية في المقام الأول، يمكن لبريطانيا إحياء خدعة قديمة من العمل بمثابة «أسطول في الميناء»؛ من خلال قدرتها على الإبحار أين ومتى أرادت مع المحافظة على حيز بسيط من المياه، في حين يتعين على المنافسين الإقليميين إعادة أو إلغاء الحسابات العسكرية وإجبارهم على بذل جهود أكبر، لمراقبة تحركات القطع البحرية البريطانية.

ومن المنتظر أيضاً، أن تجلب القوات البريطانية ترتيبات عسكرية أكثر تقدماً إلى المنطقة. لندن حليفة واشنطن منذ أمد بعيد، ولديها علاقات ممتازة مع كوريا الجنوبية واليابان، وتتمتع المملكة المتحدة بصداقة تاريخية مع الأخيرة، على وجه الخصوص، وتتشارك بريطانيا واليابان مصالح وطنية متشابهة، وتراث «دولة جزرية» - مكونة من جزر، وكانت المملكة أول حليف رسمي لليابان بعد توقيع معاهدة رسمية بينهما في عام 1902.

إلى ذلك، من المقرر أن تعمل المقاتلات الأميركية من طراز «إف 35» على حاملات الطائرات البريطانية، لتكون قوة عسكرية دولية قابلة للتشغيل المتبادل، بمشاركة الولايات المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية. ومن المؤكد أن طائرات إضافية من طراز «إف 35» ستسهم في تحقيق التوازن بين التحديات الأمنية في المنطقة.

ومن الواضح أن تواجد المملكة المتحدة سيعود بفائدة كبيرة على استقرار الوضع الأمني في منطقة آسيا والمحيط الهادي، شريطة وصوله في الوقت المناسب. ومن غير المقرر أن تحصل بريطانيا على أول دفعة من طائرات «إف 35 إس»، بحلول عام 2023، وأن التفاصيل الأساسية لدعم لقواتها يجب أن يتم الانتهاء منها. وعلاوة على ذلك، يمكن للمملكة المتحدة نشر حاملة أو حاملتي الطائرات الجديدتين إلى منطقة الخليج أولاً، مما يبطئ وصول القوات إلى المحيطين الهندي والهادي.

وعلى أية حال، ستتحول المملكة المتحدة، في نهاية المطاف، إلى المحيط الهادي لأسباب اقتصادية- إن لم تكن عسكرية، وعندما تفعل ذلك، سيكون لديها أصدقاء ينتظرون بالفعل عند الباب للترحيب بها.

جون رايت - ضابط في سلاح الجو الأميركي وزميل مركز «مايك ومورين ماننزفيلد». خبير في الشؤون الدولية.

تويتر