Emarat Alyoum

استراتيجية ترامب للأمن القومي تعكس ضرورة البحث عن نهج جديد

التاريخ:: 31 ديسمبر 2017
المصدر: ترجمة: عوض خيري عن «فورين أفيرز»
استراتيجية ترامب للأمن القومي تعكس ضرورة البحث عن نهج جديد

بمجرد إعلانه عن استراتيجيته للأمن القومي في 18 ديسمبر، واجه الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، موجة من الانتقادات كانت متوقعة. فهذه الوثيقة التي هي محاولة منه لإقحام شعاره «أميركا أولاً» في رؤية سياسة بلاده الخارجية، فشلت في مزاوجة الغايات الطموحة مع الطرق والوسائل؛ وتحديد الأولويات في ما بين الأهداف؛ والإفصاح عن النية الرئاسية الفعلية. وتستند هذه الانتقادات إلى أسس سليمة، إلا أن العيوب لا تنبع فقط من فشل إدارة ترامب؛ لكنها تبدو بمثابة تذكير بما حدث من أخطاء في مسعى صياغة استراتيجية الأمن القومي، والمشكلات التي سبقت عصر ترامب.

• يفترض أن تصيغ استراتيجية الأمن القومي رؤية استراتيجية جادة، لكن بمرور الزمن، تحول هذا المشروع إلى ممارسة بلاغية، تتسم بطموحات مؤثرة وقوائم لـ«غسل» الأولويات.

• استراتيجية الأمن القومي تواجه مهمة مستحيلة تتمثل في رسم مسار استراتيجي لصانع القرار المتهور.

ومن المفترض أن تصيغ استراتيجية الأمن القومي رؤية استراتيجية جادة، لكن بمرور الزمن، تحول هذا المشروع إلى ممارسة بلاغية تتسم بطموحات مؤثرة وقوائم لـ«غسل» الأولويات. وبدلاً من أن تنخرط الحكومة الأميركية في التخطيط الاستراتيجي الجاد، أصبحت هذه الاستراتيجية عبارة عن دراسة حالة لفشل استراتيجياتها. ومن غير المرجح أن تؤثر استراتيجية الأمن القومي لهذا العام في السياسة الخارجية لإدارة ترامب بأي شكل من الأشكال. لكن ينبغي أن تكون بمثابة دعوة للاستيقاظ، وتذكرة للكونغرس قبل أي جهة أخرى بالحاجة إلى إعادة صياغة استراتيجية أمن قومي، تحقق الغرض المقصود منها، بدلاً من مجرد سياسة خارجية مخصصة بشكل دائم لغرض معين.

غايات دون وسائل

وكجزء من إصلاح واسع النطاق للدفاع، نص قانون غولدووتر - نيكولز لعام 1986، على أن يقدم البيت الأبيض تقريراً سنوياً إلى الكونغرس، حول استراتيجية الأمن القومي للولايات المتحدة. وكان من المفترض أن تستعرض هذه الوثيقة «المصالح والأهداف والغايات العالمية واسعة النطاق» للولايات المتحدة، وذلك لتخطيط «الاستخدامات المقترحة قصيرة وطويلة الأجل للعناصر السياسية والاقتصادية والعسكرية، وغيرها من عناصر السلطة الوطنية»؛ وتقييم القدرات اللازمة لإجازة الاستراتيجية المحددة. ومن ثم يمكن لأعضاء الكونغرس موازنة الميزانية والاستراتيجية والتعديلات الاستراتيجية الأخرى داخل الإدارة، لاسيما في ما يتعلق بالجيش ووزارة الدفاع.

استراتيجية منفصلة

وخلال العقود الثلاثة الماضية، ظلت استراتيجية الأمن القومي تنفصل - بشكل متزايد - عن هذه العناصر الحاسمة في التنفيذ. وبدلاً من وضع استراتيجية يتم إرفاقها مع كل طلب سنوي للميزانية، فإن الإدارتين الأخيرتين لجأتا إلى صياغة استراتيجية واحدة فقط لكل فترة رئاسية لها علاقة ضئيلة بالسياسات الأخرى وتعديلاتها. فعلى سبيل المثال، أصدرت إدارة الرئيس السابق، باراك أوباما، ما يسمى «المراجعة الدفاعية الرباعية» في فبراير 2010، قبل ثلاثة أشهر من الإعلان عن استراتيجيته للأمن القومي في مايو. هذا العام، قدمت إدارة ترامب طلب ميزانيتها إلى الكونغرس، قبل أشهر من الانتهاء من وضع استراتيجيتها للأمن القومي.

وتشمل الاستراتيجية الجيدة تحقيق التوازن بين الوسائل والغايات. وتجيء كل استراتيجية أمن قومي لتوضح نبرات خطابية قوية وأهدافاً باهظة لا يقف في طريقها الواقع المادي والسياسي. ولعل أكثر الأمثلة المعاصرة تطرفاً في أهداف استراتيجية الأمن القومي ما وصفه الرئيس الأميركي السابق، جورج دبليو بوش عام 2006 بـ«إنهاء الطغيان في عالمنا»، وحتى عندما أصرت إدارة أوباما في استراتيجيتها للأمن القومي عام 2015 على «ضرورة إجراء مقايضات سياسية وخيارات صعبة»، فإنها سلطت الضوء على ثماني أولويات منفصلة، تراوح بين مكافحة تغير المناخ، والأمراض المعدية، والسيطرة على انتشار أسلحة الدمار الشامل، واحتواء الدول الفاشلة.

استراتيجية باهظة الكلفة وتفتقر للتماسك

الطبيعة غير العادية لرئاسة ترامب، تجعل عدم الاتساق التقليدي لاستراتيجية الأمن القومي غير عادي بشكل خاص، حيث إن التنافر بين مفردات استراتيجية الأمن القومي ووجهات نظر ترامب، تقوض أي قيمة قد تسترشد بها هذه الوثيقة للتطبيق الفعلي للسياسة الخارجية. ويثير اندفاع ترامب وتشنجه مسألة ما إذا كانت هذه الإدارة يمكنها أن تنفذ أي استراتيجية على الإطلاق.

ولنأخذ، على سبيل المثال، دور التحالفات في استراتيجية الولايات المتحدة، حيث عبر ترامب عن سخطه تجاه حلفاء الولايات المتحدة. فقد أكد أنه منذ الثمانينات من القرن الماضي، ظل «حلفاؤنا يستغلوننا بمليارات الدولارات»، وهي رسالة عاد إليها مراراً وتكراراً في حملته الرئاسية. وحتى وهو في منصبه، رفض مراراً التأكيد على المادة 5 من ميثاق منظمة حلف شمال الأطلسي (ناتو)، التي تلزم أعضاء الحلف بالدفاع المتبادل (عكس في نهاية المطاف هذا الموقف). ولهذا عندما تمت صياغة استراتيجية الأمن القومي تحت اسم ترامب، أكد أن فيها «مزايا لا تقدر بثمن تتوافر لنا، من خلال علاقاتنا القوية مع الحلفاء والشركاء»، وهي عبارة عن كلمات جوفاء.

وتسعى استراتيجية ترامب للأمن القومي إلى تمييز نفسها، من خلال الواقعية السياسية - أو «واقعية المبادئ» – أي الاعتراف بأن السياسة الدولية هي مؤسسة تنافسية بطبيعتها. وتعترف الوثيقة بأن أحد المنافسين الرئيسين في مجال الأمن القومي للولايات المتحدة هي روسيا، التي (جنباً إلى جنب مع الصين) تتحدى القوة، والنفوذ، والمصالح الأميركية، في محاولة لتقويض الأمن والازدهار الأميركيين.

وتشير استراتيجية الأمن القومي الأميركي إلى أن روسيا تهدد المصالح الأميركية في أوروبا؛ كما سلطت الضوء على استخدام روسيا «لأدوات المعلوماتية في محاولة لتقويض شرعية الديمقراطيات»، وهو إشارة أقل من خفية إلى تدخل موسكو في انتخابات عام 2016. لكن هنا أيضاً تتناقض اللغة مع وجهات نظر ترامب المعلنة حول هذا الموضوع. فقد أشاد ترامب بالرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، مراراً وتكراراً، وقبل بكل بساطة مديح بوتين، بينما قلل من إجماع وكالات المخابرات الأميركية، التي تفترض تدخل روسيا في انتخابات العام الماضي.

هناك العديد من هذه التناقضات، فبعد أن انتقد الاستثنائية الأميركية بأنها «خطيرة»، هل يعتقد ترامب حقاً أن الولايات المتحدة هي «قوة دائمة من أجل الخير في العالم»، كما تنص استراتيجية الأمن القومي؟ ومع نهجه في التعامل مع السياسة الخارجية، كم بقي من المساحة المتاحة «لتقاسم القيم والتطلعات» كأساس للتعاون؟ وإذا كان الدبلوماسيون «لا غنى عنهم لتحديد وتنفيذ حلول للصراعات في المناطق غير المستقرة من العالم»، فلماذا تدير إدارته ظهرها لوزارة الخارجية؟

مهمة مستحيلة

والأهم من ذلك، أن استراتيجية الأمن القومي تواجه مهمة مستحيلة، تتمثل في رسم مسار استراتيجي لصانع القرار المتهور. إن معظم إجراءات السياسة الخارجية المهمة التي اتخذها حتى تاريخه، تتمثل في الانسحاب من الاتفاق التجاري للشراكة عبر المحيط الهادئ، ورفض اتفاق باريس بشأن المناخ، وامتناعه عن إقرار الاتفاق النووي الإيراني، والاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، كل ذلك لم يكن نتيجة لتقييمات جيوسياسية دقيقة، بقدر ما هو وفاء بالتزامات حملته الانتخابية. وإذا كان أمامه خيار، فمن المرجح أن يختار ترامب انتصارات تكتيكية قصيرة الأجل على التنفيذ التدريجي للأولويات طويلة الأجل، التي تعبر عنها استراتيجية الأمن القومي.

التخطيط وليس الخطط

يعتقد الرئيس دوايت آيزنهاور أن «الخطط لا قيمة لها، لكن التخطيط هو كل شيء». إذا كان هناك أي شيء يبرر استراتيجية الأمن القومي في شكلها الحالي، فهو معالجتها للأمور أكثر من منتجها النهائي. فهذه المعالجة هي التي تجبر كبار صانعي القرار، في كثير من الأحيان، على توسيع آفاقهم التحليلية. كما أن ذلك يساعد المستويات الأدنى في النظام البيروقراطي على فهم أولويات البيت الأبيض.

ولكي تفي بمهامها الاستراتيجية الأصلية، ينبغي أن تخضع استراتيجية الأمن القومي لإعادة النظر، ويجب أن يأخذ الفرع التشريعي في الادارة زمام المبادرة في عملية إعادة التفكير. وبدلاً من غضه النظر عن تجاهل البيت الأبيض المتطلبات السنوية القانونية لاستراتيجية الأمن القومي السنوية المرسلة مع الميزانية، يجب أن يصر الكونغرس على الجدول الزمني الأصلي الخاص بذلك.

وعلى الرغم من أن أول استراتيجية أمن قومي للإدارة، يجب أن تتضمن بياناً لرؤية جريئة، فإن استراتيجيات الأمن القومي اللاحقة لا تحتاج إلى التأكيد على استنباط أفكار جديدة؛ وإنما يجب أن تمثل فرصة لتحسين الفرضيات الاستراتيجية أو تعديل المسار إذا لزم الأمر. ويمكن أن تكون هذه الوثائق المؤقتة قصيرة ومصنفة، لتسهيل تقييمها بوضوح.

ينبغي ألا ينتظر الكونغرس حتى تسن الإدارة المقبلة هذه التغييرات. ويمكن لأعضاء لجنة القوات المسلحة في مجلس النواب ومجلس الشيوخ إبلاغ ترامب فوراً بالإجراء الجديد. ومن خلال استراتيجية أمن قومي ترتبط بشكل وثيق بالواقع، فإن الوثائق الناتجة قد تصبح أكثر تواضعاً في طموحاتها. لكن العناوين المملة هي عبارة عن سعر ضئيل يتم دفعه، من أجل استراتيجية أكثر واقعية.

ريبيكا فريدمان ليسنر خبيرة في سياسة الأمن القومي الأميركي بمجلس العلاقات الخارجية