استعدادات مسبقة لأي ردود أفعال دولية

الدلالات السياسية لزيادة ميزانية الدفاع في إيران

صورة

يبدو أن حكومة الرئيس حسن روحاني تسعى، من خلال عرض الميزانية الخاصة بالعام الإيراني الجديد، الذي سيبدأ في 21 مارس المقبل، مبكراً على مجلس الشورى الإسلامي، إلى توجيه رسائل عدة إلى الخارج، وتحديداً إلى القوى الإقليمية والدولية المعنية بمتابعة مدى التزام إيران بالاتفاق النووي، والمسارات المحتملة للدور الإقليمي الإيراني في منطقة الشرق الأوسط.

ويتوازى ذلك مع تحركات خارجية قامت بها إيران وحلفاؤها، وتحرص من خلالها على إثبات نفوذها داخل دول الأزمات، على غرار تأكيد استمرار دعمها لحركة «أنصار الله» الحوثية في اليمن، بعد قيامها باغتيال الرئيس السابق علي عبدالله صالح في الرابع من ديسمبر الجاري، والزيارة التي قام بها قائد ميليشيات «عصائب أهل الحق» التابعة لـ«الحشد الشعبي»، قيس الخزعلي، إلى الحدود اللبنانية - الإسرائيلية، والتي أشار فيها إلى إمكانية مساهمة الميليشيات الموالية لإيران في أية مواجهة محتملة مع إسرائيل في الفترة المقبلة، بعد انتهاء الحرب ضد تنظيم «داعش» داخل كل من العراق وسورية، التي تحاول إيران الترويج لدورها المزعوم فيها.

رسائل متعددة

تصعيد

بدأت إيران الاستعداد مبكراً للتصعيد مع القوى الدولية المعنية باتفاقها النووي ودورها الإقليمي، وهو الاحتمال الأكثر ترجيحاً خلال المرحلة المقبلة، في ظل إصرارها على دعم التنظيمات الإرهابية الموجودة في دول الأزمات، ونشر الفوضى وعدم الاستقرار، وتهديد أمن ومصالح دول المنطقة.


تشير الموازنة الإيرانية إلى أن حسن روحاني اتخذ خطوة جديدة لدعم علاقاته مع الحرس الثوري، بعد مرحلة من التوتر.


لم تعد إيران تكتفي بإجراء تجارب إطلاق خاصة بالصواريخ، بل إنها تعمدت رفع الميزانية العسكرية المخصصة للحرس الثوري و«فيلق القدس»، ما يشير إلى أنها تتجه نحو اتخاذ مزيد من الإجراءات التصعيدية في هذا الصدد.

تتمثل أهم الرسائل التي سعت إيران إلى توجيهها من خلال الموازنة الجديدة والتحركات الخارجية التي قامت بها، في:

استمرار التصعيد

ترى إيران أن المرحلة المقبلة ستشهد مزيداً من التصعيد في العلاقات مع القوى الدولية المعنية، خصوصاً الولايات المتحدة الأميركية والدول الأوروبية، لاسيما مع اقتراب الموعد الذي سيحدد فيه «الكونغرس» الخيار الأنسب للتعامل مع التحدي الإيراني، خصوصاً في ما يتعلق بمدى التزام إيران بالاتفاق النووي، بعد رفض الرئيس الأميركي دونالد ترامب، في 13 أكتوبر 2017، الإقرار بالتزام إيران به، على خلاف ما فعل في المرتين السابقتين على ذلك.

ووفقاً لرؤية طهران، فإن مجمل الإجراءات التي تتخذها واشنطن تشير إلى أنها تبذل جهوداً حثيثة من أجل إنهاء العمل بالاتفاق النووي، أو على الأقل تعديله بما يتجاوب مع التحفظات الأميركية العديدة على بعض بنوده، إلا أن ما يعوق هذه الجهود يكمن في عزوف إدارة ترامب عن تحمل المسؤولية الدولية التي ستتعرض لها في حال إقدامها على اتخاذ قرار بالانسحاب من الاتفاق النووي، على غرار مواقفها إزاء بعض الاتفاقات الدولية الأخرى، خصوصاً في ضوء الضغوط التي تتعرض لها من جانب بعض الدول الأوروبية المهتمة باستمرار العمل بالاتفاق.

عدم استبعاد المواجهة العسكرية

لم تعد إيران تستبعد احتمال الدخول في مواجهة عسكرية مع أي من الولايات المتحدة الأميركية أو إسرائيل، سواء بسبب الاتفاق النووي الذي تبدي الدولتان تحفظات عدة عليه، أو بسبب المساعي الحثيثة التي تبذلها إيران من أجل تكريس نفوذها العسكري داخل سورية، وبالقرب من الحدود مع إسرائيل.

وفي هذا السياق، أشارت تقارير إعلامية إيرانية عدة إلى أن الحكومة خصصت نحو 7.5 مليارات دولار ميزانية للحرس الثوري في الموازنة الجديدة، في حين تم تخصيص نحو 2.7 مليار دولار للقوات المسلحة النظامية، وما يقرب من مليار دولار لقوات التعبئة (الباسيج).

لكن اللافت هنا هو أن إيران تعوّل على المواجهة العسكرية غير المباشرة، أو ما يسمى «الحرب بالوكالة»، حيث إنها ستحاول عدم الانخراط في صراع مباشر مع الطرفين، وستستعيض عن ذلك بدفع حلفائها إلى الانخراط في هذا الصراع، بما يتوافق مع مصالحها وحساباتها.

وهنا، يمكن تفسير زيارة الخزعلي إلى جنوب لبنان برفقة كوادر من «حزب الله»، والتي تمثل إشارة واضحة إلى إسرائيل بأن تهديداتها المستمرة بتوجيه ضربات عسكرية ضد الوجود العسكري الإيراني في سورية، يمكن أن تدفع طهران نحو الإيعاز لتلك الميليشيات بتوجيه ضربات مضادة داخل إسرائيل، فضلاً عن أن طهران سعت من خلال تلك الزيارة أيضاً إلى الإيحاء بأن لديها القدرة على ضبط إيقاع الأزمة السياسية داخل لبنان، من خلال تهديد سياسة «النأي بالنفس» التي تحاول حكومة رئيس الوزراء سعد الحريري مواصلة العمل بها، بعد تراجعه عن الاستقالة التي أعلنها في الرابع من نوفمبر الفائت، احتجاجاً على مصادرة «حزب الله» للقرار السياسي اللبناني، وانتهاكه لتلك السياسة من خلال انخراطه المستمر في الصراع السوري إلى جانب قوات الأسد والميليشيات التي تقوم إيران بتكوينها وتدريبها، خصوصاً في ما يتعلق بمطالبة إيران بالتوقف عن إجراء أنشطة خاصة بتطوير برنامجها للصواريخ الباليستية، باعتبار أن ذلك يتناقض مع ما نص عليه الاتفاق النووي.

تحدي الضغوط الدولية

لم تعد إيران تكتفي بإجراء تجارب إطلاق خاصة بتلك الصواريخ، بل إنها تعمدت رفع الميزانية العسكرية المخصصة للحرس الثوري و«فيلق القدس» التابع له والمسؤول عن إدارة العمليات الخارجية، وهو ما يشير إلى أنها تتجه نحو اتخاذ مزيد من الإجراءات التصعيدية في هذا الصدد، خصوصاً بعد أن وجه المرشد الأعلى للجمهورية، علي خامنئي، تعليماته إلى الحكومة والحرس الثوري بمواصلة تطوير البرنامج الصاروخي، وعدم الاستجابة للضغوط الدولية الرامية إلى دفع إيران نحو وقف العمل بهذا البرنامج.

وقد استند المسؤولون الإيرانيون إلى هذه التعليمات في رفض الدعوات والمبادرات التي وجهتها بعض القوى الدولية، على غرار فرنسا، من أجل الوصول إلى تسوية في هذا الملف، بشكل يمكن أن يساعد، وفقاً لها، في دعم فرص استمرار العمل بالاتفاق النووي خلال المرحلة المقبلة.

التماهي مع السياسة التصعيدية

تشير تلك الموازنة إلى أن الرئيس حسن روحاني اتخذ خطوة جديدة لدعم علاقاته مع الحرس الثوري، بعد مرحلة التوتر التي شهدتها خلال فترته الرئاسية الأولى، وهو ما يبدو جلياً أيضاً في تعمده دعم الإجراءات التصعيدية التي يتخذها الحرس في التعامل مع التطورات التي تشهدها الأزمات الإقليمية المختلفة.

فقد بدا لافتاً أن روحاني حرص على الإدلاء بتصريحات مؤيدة لميليشيات الحوثيين، بعد قيامها بإطلاق صاروخ باليستي على العاصمة السعودية الرياض، في الخامس من نوفمبر الفائت، وهو ما توازى مع الدعم الذي قدمه الحرس الثوري للمتمردين على الشرعية الدستورية في اليمن.

ومن دون شك، فإن ذلك يعود، في قسم منه، إلى تراجع طموحات الرئيس حسن روحاني في الحصول على عوائد أكبر للاتفاق النووي، بعد اتساع نطاق الخلافات بين إيران والقوى الدولية التي تفاوضت معها حول هذا الاتفاق، وإصرار الولايات المتحدة الأميركية على اتخاذ إجراءات أكثر قوة لمواجهة انتهاكات إيران المستمرة للاتفاق.

تويتر