Emarat Alyoum

صعوبات إدارة المرحلة الانتقالية للاقتصاد السوداني

التاريخ:: 22 نوفمبر 2017
المصدر: عن مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة - أبوظبي
صعوبات إدارة المرحلة الانتقالية للاقتصاد السوداني

سارعت الحكومة السودانية أخيراً إلى إجراء مزيد من الإصلاحات الاقتصادية من أجل رفع مستوى الأداء الاقتصادي وجذب الاستثمارات الأجنبية، بالتوازي مع القرار الذي اتخذته الولايات المتحدة الأميركية، في السادس من أكتوبر 2017، برفع العقوبات الاقتصادية التي كانت مفروضة على السودان منذ 20 عاماً. ومن دون شك فإن هذه الخطوة ربما تمثل نقطة تحول رئيسة في السودان، حيث ستساعد على تحسن مؤشرات النمو الاقتصادي واستقرار سوق الصرف، بالإضافة إلى زيادة تدفقات رؤوس الأموال الأجنبية.

- اتخذت الحكومة مجموعة من التدابير الإصلاحية، لكن رغم أهمية ذلك قد تواجه هذه الجهود صعوبات عدة في حصد مكاسب رفع الحظر الاقتصادي عن السودان، ترتبط بتعقيدات بيئة الاستثمار، وهشاشة الاستقرار السياسي، فضلاً عن إشكاليات معالجة تشوهات سوق الصرف.

- يُتوقع أن يساعد رفع العقوبات في فك تجميد الأصول السودانية بالخارج، كما يعني عودة الجهاز المصرفي السوداني للاندماج مرة أخرى في النظام المصرفي العالمي، ما سيساعد على تسهيل المعاملات المصرفية مع العالم الخارجي، ومن ثم زيادة موارد النقد الأجنبي ودعم استقرار سوق الصرف السوداني مستقبلاً.


عقبات محتملة

قد يستغرق الأمر بعض الوقت لتحقيق الانتعاش الاقتصادي المأمول، وذلك في ضوء اعتبارين: يتمثل الأول في تردي مناخ الاستثمار بالبلاد نتيجة الفساد والتعقيدات الإدارية، ما أدى إلى وصول السودان إلى المرتبة 170 في مؤشر سهولة ممارسة الأعمال، الصادر عن البنك الدولي، بشكل سيدفع بعض المستثمرين إلى تبني مواقف حذرة إزاء الدخول للسوق.

ويرتبط الثاني بعدم استقرار سعر الصرف، فرغم جهود البنك المركزي للحد من تشوهات سوق الصرف، إلا أن الفجوة بين السوقين، الرسمية والموازية، اتسعت عقب رفع العقوبات الاقتصادية، حيث شهد الجنيه السوداني، خلال الأسبوع الأول من شهر نوفمبر الجاري، تراجعاً جديداً أمام الدولار ليصل إلى 23.5 جنيهاً مقابل نحو 22 جنيهاً في الفترة الماضية، وذلك نتيجة ارتفاع الطلب على الدولار بسبب زيادة معدلات الاستيراد، ما يشير إلى أن الإجراءات السابقة للبنك المركزي لا تقدم الضمانات الكافية لاستقرار سوق الصرف، خصوصاً في ظل نقص النقد الأجنبي مع تباطؤ استرداد الأموال المجمدة بالخارج، بجانب انكماش التحويلات المالية.

ورغم توصل الحكومة لتسويات سياسية مع عدد من الجماعات المسلحة في شرق البلاد وغربها، في العام الماضي، إلا أنها تظل اتفاقات مؤقتة هشة قد تثير نزاعات في المستقبل، وهو ما قد يعرقل استقبال تدفقات الاستثمار الأجنبي.

ويبدو أن هذه الصعوبات انعكست على توقعات الحكومة لمعدل النمو الاقتصادي في العام الجاري، حيث أشار وزير المالية السوداني، محمد عثمان الركابي، إلى أن النمو الاقتصادي سيتباطأ في العام الجاري إلى 3.5% بالمقارنة بـ4% في عام 2016، لاسيما في ظل ارتفاع معدل التضخم، بالتوازي مع استمرار الحكومة في تقليص النفقات العامة.

لكن يمكن القول في النهاية إن الاقتصاد السوداني على عتبة مرحلة انتقالية جديدة سيشهد آثارها الإيجابية، على الأرجح، في الأمدين المتوسط والطويل، وسيدعمها استمرار الحكومة في اتخاذ مزيد من الإجراءات الاقتصادية، بما ينعكس بطبيعة الحال على استدامة النمو الاقتصادي وجذب الاستثمارات الأجنبية.

من هنا اتخذت الحكومة مجموعة من التدابير الإصلاحية، لكن رغم أهمية ذلك قد تواجه هذه الجهود صعوبات عدة في حصد مكاسب رفع الحظر الاقتصادي عن السودان، ترتبط بتعقيدات بيئة الاستثمار، وهشاشة الاستقرار السياسي، فضلاً عن إشكاليات معالجة تشوهات سوق الصرف.

توقعات متفائلة

رفعت الولايات المتحدة الأميركية العقوبات المفروضة على السودان منذ عام 1997 في السادس من أكتوبر الماضي، وهو ما أدى إلى ظهور ترجيحات باستعادة الاقتصاد السوداني نشاطه في الفترة المقبلة، خصوصاً مع اتجاه الحكومة نحو دعم فرص الوصول إلى تسويات للنزاعات السياسية الداخلية، وتخفيف المعاناة الإنسانية في المناطق التي تشهد هذه النزاعات.

وفي هذا الصدد قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية، هيذر ناورت: «إن رفع العقوبات إقرار بتصرفات السودان الإيجابية المتواصلة، لكن ينبغي تحقيق مزيد من التحسين»، ومن دون شك فإن هذه الخطوة ستمثل أساساً جيداً لانطلاق الاقتصاد السوداني مجدداً، بعد خسائر ناجمة عن تلك العقوبات وصلت، حسب بعض التقديرات السودانية، إلى نحو 500 مليار دولار.

ومن المتوقع أن يساعد رفع العقوبات في فك تجميد الأصول السودانية بالخارج، كما يعني عودة الجهاز المصرفي السوداني للاندماج مرة أخرى في النظام المصرفي العالمي، بما سيساعد على تسهيل المعاملات المصرفية مع العالم الخارجي، ومن ثم زيادة موارد النقد الأجنبي ودعم استقرار سوق الصرف السوداني مستقبلاً.

كما ستؤدي هذه الخطوة إلى تعزيز احتمالات إعادة التفاوض مع المؤسسات الدولية لتسوية ديونها المتراكمة، وتسهيل الحصول على القروض الميسرة والمنح من مختلف المانحين الدوليين، وربما تسهم أيضاً في جذب تدفقات رؤوس الأموال الأجنبية في القطاعات الرئيسة الجاذبة، مثل الزراعة والنفط والتعدين.

منظومة الإصلاح

اتجهت الحكومة السودانية، أخيراً، إلى تبني حزمة من الإصلاحات بهدف معالجة العديد من التشوهات الاقتصادية التي قد تخصم من المكاسب المنتظرة من رفع العقوبات الاقتصادية، وقد تركزت خطواتها في هذا الصدد على ثلاثة محاور أساسية: يتمثل أولها في تحسين بيئة الاستثمار، إذ اتبعت الحكومة نهجاً جديداً للانفتاح على تدفقات رؤوس الأموال الأجنبية، حيث أعلنت عن نيتها إعداد قانون جديد للاستثمار، سيقدم تسهيلات وحوافز جديدة للمستثمرين الأجانب، وذلك بحسب ما أشار إليه وزير التجارة، حاتم السر.

كما رحبت باستقبال الاستثمارات الأجنبية من الشركاء الأميركيين والأوروبيين في وقت حلت الصين على رأس قائمة المستثمرين الأجانب في البلاد، خلال الفترة الماضية، بقيمة استثمارات وصلت إلى 15 مليار دولار. ويبدو أن الحكومة في طور إعداد خريطة استثمارية متنوعة لا تقوم على تنمية قطاع النفط فحسب، وإنما قطاع التعدين والزراعة أيضاً.

وفي هذا السياق، أعدت الحكومة، أخيراً، برنامجاً للاستثمار في 13 معدناً، بخلاف الذهب الذي استحوذ على اهتمام المستثمرين الأجانب في الفترة الماضية. كما يرجح أيضاً أن تزداد تدفقات الاستثمار الأجنبي في قطاع الخدمات المالية والأدوية، والمواد الكيميائية، وقطاع السلع الاستهلاكية.

فيما ينصرف ثانيها، إلى معالجة تشوهات سوق الصرف، حيث أعطى البنك المركزي، عقب رفع العقوبات الاقتصادية، الحرية للبنوك في تداول الدولار الأميركي لتخفيف نقص العملة الأجنبية، كما يمكن لها استخدام الدولار احتياطياً قانونياً، وتنفيذ المعاملات التجارية في محاولة للسيطرة على سعر الصرف غير الرسمي.

وبالتوازي مع ذلك، ألزم البنك المركزي البنوك باستخدام أسعاره الاسترشادية اليومية لبيع العملات الأجنبية مقابل الدولار، بدلاً من الفروق السابقة بين البنوك وشركات الصرف في حساب سعر الصرف، والناجمة عن نظام سعر الصرف المتبع في عام 2002.

ويتصل ثالثها بإعادة تأهيل البنية التحتية، حيث تنوي الحكومة، بحسب العديد من المسؤولين، تطوير الطرق والكباري والمستشفيات والمدارس وغيرها، كما تخطط لإعادة تطوير الخطوط الجوية التي عانت صعوبات فنية وتشغيلية كبيرة في السنوات الماضية بسبب العقوبات، ويدعم ذلك سماح الولايات المتحدة الأميركية للشركة باستيراد قطع الغيار منذ أبريل 2017.