يستغل قربه من أوروبا

«داعش» ينقل ذراع عملياته الخارجية إلى ليبيا

صورة

فقد تنظيم «داعش» الإرهابي معظم الأراضي التي استولى عليها سابقاً. وإثر حملة امتدت خمسة أشهر في سورية، تمكنت القوات المدعومة من الولايات المتحدة من استعادة مدينة الرقة، وأصبحت دير الزور، المعقل الأخير للتنظيم في سورية، محاصرة من قبل قوات الحكومة السورية، وقوات سورية الديمقراطية، المدعومة من الولايات المتحدة. ومنذ أن فقد «داعش» السيطرة على الموصل في يوليو الماضي، خسر أيضاً تلعفر، والحويجة، والقائم.

وعلى الرغم من أن سورية والعراق تحررتا من قبضة «داعش» الاستبدادية، إلا أن المراكز العالمية، مثل نيويورك ولندن وبرشلونة، لاتزال تتعرض لاعتداءات باسم «داعش».

خطأ شائع

تجنب الأخطاء

إذا أرادت الولايات المتحدة وحلفاؤها تقليل التهديدات التي يشكلها تنظيم «داعش» في قاعدته الجديدة في ليبيا، وتنسيقه المحتمل مع الكتيبة الليبية، فعليها أن تحذر من تكرار أخطاء الماضي. وكما أثبت تنظيم «داعش» أنه قادر على التغلب على جيوش نظامية في منطقة الشرق الأوسط، فإن تخطيط مجموعة «إمني» للقيام بهجمات من ليبيا، يمكن أن يثبت قدرتها على القيام بما لا يتوقعه أحد. وبناءً عليه، يجب أخذ هذه التهديدات على محمل الجد، والاستعداد لمواجهتها بصورة ملائمة، كما ينبغي تقديم الموارد المناسبة لمنع «إمني» من النمو بصورة أكبر من الناحية الاستراتيجية والتكتيكية، وأن تصبح مركزاً عالمياً لمهمة «داعش» الإرهابية.


أثبتت «إمني» أنها لا تتمتع بالمرونة والتكيف فحسب على ضوء تكتيكات أعدائها، وإنما أظهرت مهنية في الأداء، باعتبارها منظمة قادرة على تحمل الصعاب، كما أنها تتمتع بطموحات عابرة للحدود.

وغالباً ما يفترض، خطأً، أن محور نشاط «داعش» الخارجي - بعيداً عن مركز عاصمة التنظيم - نحو المدن المتقدمة في الغرب، كان عبارة عن تصرفات انتقامية يائسة، بسبب خسارة الأراضي التي كان يسيطر عليها التنظيم، لكن الجدول الزمني لإنشاء ذلك المحور، المعروف باسم «إمني»، وهو جناح العمليات الخارجية لـ«داعش»، المسؤول عن التخطيط للهجمات المعدة حول العالم، يتناقض مع الافتراض السابق.

وقد تم تشكيل «إمني» رسمياً باعتبارها إحدى أذرع «داعش» في سورية خلال ربيع 2014، أي قبل بضعة أشهر من إعلان زعيم التنظيم، أبوبكر البغدادي، زعامته للتنظيم. وكان التنظيم يؤسس البنية التحتية لشبكته الإرهابية العالمية. وهذا يؤكد على أن «داعش» كان يعمل على تأسيس ذراع الإرهاب الدولي، في الوقت ذاته الذي كان التنظيم يوطد أركانه في بدايات نشأته، وليس رداً على خسارة المناطق التي كان يسيطر عليها.

وخلال شهر مارس الماضي، أشارت شهادات الهاربين من «داعش» إلى أن «إمني» نقل مقر قيادته من سورية إلى ليبيا. وتظهر السجلات أن سلمان العابدي، الذي نفذ تفجيراً في مانشيستر أرينا، التقى مع أعضاء رئيسين في ذراع العمليات الخارجية للتنظيم أثناء وجوده في ليبيا، الأمر الذي يؤكد أن الشبكة تقوم الآن بتسهيل العمليات من قاعدتها الجديدة المفترضة. وإذا تأكد انتقال مقر «إمني» إلى ليبيا، سيسمح ذلك للعديد من عناصر «داعش» المدربين جيداً بالتخطيط لهجمات من ليبيا القريبة جداً من أوروبا. ولذلك فإنه لزاماً على مسؤولي مكافحة الإرهاب تطوير استراتيجية ضد «داعش»، مصممة خصيصاً لتدمير هذا الشكل من التنظيم المنتشر عالمياً.

وأظهر «إمني»، مراراً وتكراراً، قدرته على تنفيذ هجمات ذات تأثير كبير في العديد من المدن الغربية. ويعتقد أن هجمات نوفمبر 2015 في باريس، ومارس 2016 في بروكسل، جرى تنفيذها من قبل خلايا «داعش» الموجودة في أوروبا. وعلى الرغم من أنه تم الافتراض أن منفذي الهجومين حصلا على تدريبهما في سورية، وهو أمر صحيح، إلا أن شكل الإشراف والتمويل والتدريب من قبل المستويات العليا في «داعش» حظي بتقييم سيئ جداً.

وفي أغسطس 2016، كانت صحيفة نيويورك تايمز أول من يتحدث عن النشاط الداخلي لـ«إمني»، استناداً إلى معلومات استقتها من آلاف الصفحات من الوثائق التي حصلت عليها المخابرات الألمانية، والفرنسية، والبلجيكية، والنمساوية. وكشف تحقيق صحيفة نيويورك تايمز أن أعضاء «إمني» لم يتم إرسالهم من سورية لتنفيذ الهجوم فحسب، وإنما تم تدريبهم تحت قيادة وإشراف المتحدث باسم «داعش» ورئيس «إمني» الراحل «أبومحمد» العدناني. والأمر الأكثر أهمية، أن موجة هجمات «داعش» التي نفذت في يوليو 2016، اعتبرها المسؤولون الأمنيون الغربيون أنها متفرقة، وليست مرتبطة ببعضها بعضاً، لكنها استناداً إلى طبيعة هذه الهجمات، كانت في الواقع تحت إشراف «إمني». وكان العقل المدبر لهجمات باريس عناصر من «إمني»، وكذلك صانعو القنبلة في هجمات مطار بروكسل والمترو أيضاً.

وبالنظر إلى مستوى نجاح «إمني» المخيف في التخطيط للهجمات الدولية انطلاقاً من سورية، التي تبعد آلاف الأميال عن الحدود الأوروبية الغربية، فإن انتقالها المفترض إلى جوار أوروبا يعتبر سبباً وجيهاً للقلق.

وعندما كان العدناني قائداً لـ«إمني»، كان يجري التخطيط لعمليات هذه المجموعة من مدينة الباب في شمال سورية. وبالنظر إلى أن هذه المدينة سقطت بأيدي جنود مدعومين من تركيا في فبراير الماضي، كما أن رجلاً يدعى «أبولقمان» استلم قيادة المجموعة، إثر وفاة العدناني، يعتقد أن قيادة «امني» انتقلت إلى ليبيا. وأكدت مقالة نشرت في سبتمبر 2017 في «وول ستريت جورنال» هذا الافتراض. وعلى الرغم من أن المقالة لم تذكر مجموعة «إمني» بالاسم، إلا أنها قالت: «شكل تنظيم (داعش) عدداً من الخلايا السرية في ليبيا، وهي خلايا صغيرة، تتألف من بضع عشرات من المقاتلين، حيث أنشأوا قواعد لهم خارج المدن الليبية خلال الأشهر الماضية، وبدأوا بجمع المال عن طريق خطف الشاحنات التجارية، والعمل في تهريب اللاجئين».

ولكن الأمر غير المعروف، وغير المشكوك فيه، الذي يحتاج إلى تمحيص وتدقيق هو العلاقة بين «إمني» في ليبيا ومجموعة يطلق عليها كتيبة البتار الليبية، وهي مجموعة من المتطرفين الليبيين، الذين حاربوا ضد نظام الرئيس السوري بشار الأسد في الحرب الأهلية، وبعد ذلك تحولوا إلى وحدة مهمات خاصة، تحارب تحت راية «داعش»، عند عودتهم إلى بلادهم. وتدعي كل من الكتيبة الليبية و«إمني» بأنهم قاموا بتدريب عبدالحميد عبود، مدبر هجمات باريس، الذي يقول البعض إنه المخطط الأكبر للعمليات الإرهابية التي تقوم بها «إمني» في أوروبا.

وأعلنت المجموعتان مسؤوليتهما عن الهجوم على المتحف اليهودي، والهجوم على قطار ثاليس في بروكسل. والمجموعتان مسؤولتان بصورة منفصلة عن هجمات سوق كريسماس في برلين عام 2016، وهجمات متحف بوردو في تونس خلال مارس عام 2015، وفي شاطئ سوسة في يونيو من العام ذاته. وبالنظر إلى أن المعروف عن الكتيبة الليبية و«إمني» في الحياة العامة قليل جداً، فمن المحتمل والجدير بالمعرفة أن كلتا المجموعتين، وإن عملتا ببراعة تحت رايتين مختلفتين، إلا أنهما وجدتا قضية مشتركة كي تتوحدا في سبيلها.

وبعد التعهد بالولاء لزعيم «داعش» البغدادي، ساعد أفراد الكتيبة الليبية على تأسيس ذراع «داعش» في ليبيا، التي أعلنت سيطرتها على ثلاث مقاطعات ليبية، إضافة إلى 100 كيلومتر من الشاطئ الليبي على البحر المتوسط. وعلى الرغم من أن الكتيبة الليبية كانت مؤلفة بداية من المقاتلين الليبيين، إلا أنها، وكما هي حال «إمني»، بدأت بتجنيد مقاتلين فرانكفونيين، خصوصاً من بلجيكا، وفرنسا، وتونس، الذين كانوا يقاتلون في سورية. وإضافة إلى ذلك، كانت كل من الكتيبة الليبية و«إمني» تفضلان الهجمات التي توقع عدداً كبيراً من الضحايا، وتركزان في تدريب مقاتليهما على الاغتيالات، والقتل الجماعي، والتدريب على الأسلحة، وصناعة القنابل.

ولابد من الإشارة إلى أن التأكد من وجود علاقة بين الكتيبة الليبية و«إمني» من شأنه أن يكون له آثار مهمة، لأنه يوضح أنهما ستستفيدان من خبرة بعضهما بعضاً، إضافة إلى أن «إمني» ستستفيد من الكتيبة لتجنيد الكثير من المتشددين المحليين. وإذا تأكد أن «إمني» نقلت مقرها إلى ليبيا، وأن علاقتها مع الكتيبة الليبية باتت وثيقة، فإن ذلك سينطوي على نتائج سيئة وشريرة على الأمن العالمي، ليس لأن ليبيا تقع على أعتاب أوروبا، وتسمح لأفراد «إمني» بتنفيذ عمليات داخل القارة الأوروبية، وإنما لأن «إمني» ستستغل طرق تهريب المخدرات الكثيرة في ليبيا، إضافة إلى الكميات الهائلة من الأسلحة الموجودة في هذا البلد.

تحدٍ كبير

وعلى الرغم من أن القوات المدعومة من الولايات المتحدة تمكنت من دحر «داعش» خارج مدينة سرت الليبية قبل نحو عام، إلا أن الطبيعة اللامركزية لـ«إمني» ستجعل من القضاء عليها تحدياً كبيراً. وتعمل «إمني» في الظل عادة، إذ إن الطبيعة السرية لتكتيكاتها وأهدافها وطرق اتصالاتها، ستزيد من تعقيد مهمة القوات المدعومة من الولايات المتحدة لطردها إلى خارج ليبيا. وأثبتت «إمني» أنها لا تتمتع بالمرونة والتكيف فحسب، على ضوء تكتيكات أعدائها، وإنما أظهرت مهنية في الأداء، باعتبارها منظمة قادرة على تحمل الصعاب، كما أنها تتمتع بطموحات عابرة للحدود.

تويتر