إشكاليات عدة تعرقل الشروع في البناء

تحديات إعادة الإعمار في بؤر الـصراعات العربية

صورة

رغم أن هناك دراسات حالة وتحليلات أحداث وتقديرات مواقف ومشروعات بحثية وبرامج تلفزيونية، تناولت تعقيدات عمليات إعادة الإعمار في الدول المنهارة بالمنطقة العربية، خصوصاً بعد الموجة الراهنة للصراعات الداخلية المسلحة، لدرجة يمكن القول معها أنها قُتِلت بحثاً، إلا أن ثمة أبعاداً لتلك الإشكاليات قد ظهرت جلية في الآونة الأخيرة، تعوق عمليات إعادة الإعمار في ما يعرف بحسابات «اليوم التالي»، لدرجة أن بعض الأدبيات تطلق عليها «ساحات المعارك المقبلة»، خصوصاً بعد الخسائر التي تكبدتها هذه الدول، خلال السنوات الماضية.

ملف مضغوط

إن عمليات إعادة الإعمار في دول الصراعات العربية ستكون شاقة وضخمة، سواء الخاصة بإصلاح الأضرار التي لحقت بالبنى التحتية والإسكان والتعليم والصحة، أم المرتبطة بإعادة تأهيل وتدريب وتوحيد قوات الشرطة والجيش، وتجاوز تعقيدات الانتقال السياسي والتصالح الوطني، على نحو يجعلها بمثابة ملف مضغوط يؤثر في واقع الاستقرار بتلك الدول، التي تتطلع إلى دخول مرحلة جديدة، بدلاً من الدوران في حلقة المتاهة المستديمة.

آليات عدة

هناك آليات عدة في ما يخص إعادة الإعمار في الدول المنهارة، تعمل على تنويع مصادر تمويل تلك العمليات، مثل البنوك المحلية التي يمكن أن تشارك في هذه العمليات رغم محدودية دورها، كما يبدو في الحالة السورية وغيرها، لاسيما مع عدم تأهيل القطاع الخاص بسبب ضعف إمكاناته التقنية وسوء إدارته، ما يفرض مشاركة البنوك العربية.

هذا بخلاف الدور الذي يمكن أن تقوم به الصناديق العربية المخصصة لإعادة الإعمار، مثل صندوق الائتمان لإعادة إعمار سورية، الذي أنشأته مجموعة «دول أصدقاء سورية» عام 2013، وصندوق إعادة إعمار المناطق المتضررة من العمليات الإرهابية، الذي أنشئ في العراق عام 2015. كما يمكن التعويل على آلية المؤتمرات الدولية، لإقرار سبل الدعم المالي واللوجيستي، من خلال دخول شركات الدول المانحة، ورغبتها في الاستثمار داخل المناطق المحررة.

• قال وزير الخارجية البريطاني، بوريس جونسون، إن بريطانيا والولايات المتحدة، وغيرهما من الدول المعارضة للرئيس السوري بشار الأسد، لن تدعما إعادة إعمار البلاد، حتى يتم الانتقال السياسي بعيداً عن الأسد.

• يتوقع أن ترتفع فاتورة إعادة الإعمار في الدول العربية المأزومة بالصراعات، في حال بطء التسوية السياسية بين أطراف تلك الصراعات، فضلاً عن احتمال زيادتها في حالة تراجع مسار «التسويات الهشة»، وارتداد الصراعات مرة أخرى، بعد الشروع في عمليات إعادة الإعمار.

• هناك إشكاليات أخرى قد تعوق عمليات إعادة إعمار الدول المنهارة مثل العراق، تتعلق بالتخوف من انتشار الفساد، من خلال إبرام بعض العقود بالأمر المباشر وليس عبر مناقصات، لاسيما أن العراق يتذيل قائمة مؤشر الشفافية الدولية.

وتتمثل إشكاليات إعادة الإعمار في بؤر الصراعات العربية، في كل من: ليبيا واليمن وسورية والعراق، في الكلفة المالية الضخمة لإعادة الإعمار، وتزامن ترتيبات الانخراط في عمليات إعادة إعمار الدول المنهارة، وتسييس مساهمات الجهات المانحة الدولية، والتسويات المحتملة الهشة للصراعات المسلحة الممتدة، وصراعات رجال الأعمال على عقود إعادة الإعمار، وانتشار القنوات الخلفية في عمليات إعادة الإعمار، وتعزيز الانقسامات الطائفية داخل تلك الدول، وتضخم المؤسسات البيروقراطية المنخرطة في إعادة الإعمار، وتقاطعات إعادة الإعمار للمناطق المتنازع عليها.

سياقات مُحفِّزة

هناك عدد من المتغيرات الإقليمية، التي تصب في اتجاه دفع عمليات إعادة الإعمار في الدول المأزومة، يمكن تناولها على النحو التالي:

1- استعادة نظم متصدعة السيطرة الميدانية

على نحو ما ينطبق على نظام الأسد، بعد تحقيق انتصارات في مواجهة «الجيش السوري الحر» وتنظيم «داعش» الإرهابي، والأكراد والتنظيمات المسلحة الأخرى في سورية، في الوقت الذي كان نفوذه لا يزيد على 20%، قبل التدخل الروسي في 30 سبتمبر 2015، لاسيما بعد توقف دعم وكالة المخابرات المركزية الأميركية لبعض جماعات المعارضة المسلحة التي تقاتل الأسد. كما حولت تركيا، أحد الداعمين الرئيسين للمعارضة، أولويتها عن الإطاحة بنظام الأسد سعياً لإصلاح علاقاتها الثنائية مع روسيا، والحد من التوسع الكردي قرب حدودها، ما أسهم في دعم نفوذ قوات الجيش النظامي السوري، ويعول نظام الأسد على هذه العملية، من أجل تعزيز شرعيته وترسيخ سيطرته.

كما حضرت قبل اسابيع 23 دولة معرض دمشق الدولي، حافظت على علاقاتها الدبلوماسية مع الحكومة السورية، وطغت على المعرض الأجنحة المخصصة للدول الحليفة وعلى رأسها روسيا وإيران، فضلاً عن شركات حضرت بصفة خاصة من 20 دولة أخرى، بينها من قطعت علاقاتها مع دمشق مثل ألمانيا وفرنسا. وفي هذا السياق، قالت مستشارة الحكومة السورية، بثينة شعبان، في تصريحات لقناة «الميادين» التلفزيونية اللبنانية، في 19 أغسطس 2017: «إن الحرب المستمرة منذ ست سنوات، تقترب من نهايتها مع توقف دول أجنبية عن دعم مقاتلي المعارضة»، وأضافت: «عودة معرض دمشق الدولي في هذا التوقيت، والإقبال الجماهيري والدولي، لهما رمزية كبيرة، ويوجهان رسالة بأن الحرب انتهت والإرهاب اندحر، وأننا في بداية الطريق نحو إعادة الإعمار».

2- تحرير مناطق من سيطرة التنظيمات الإرهابية

وهو ما تشير إليه حالة الموصل في العراق، على نحو ما عكسته زيارة وزيري الخارجية والدفاع الفرنسيين جان إيف لودريان وفلورنس بارلي، في 26 أغسطس الماضي، إلى أربيل، في إطار سعي فرنسي للتحضير لمرحلة ما بعد «داعش». وفي هذا الإطار، قال لودريان: «نحن موجودون في الحرب، وسوف نكون موجودين في السلم». فقد كانت فرنسا من أولى الدول التي انضمت للتحالف الدولي لمحاربة «داعش»، حيث كانت المساهم الثاني في العمليات الجوية بعد الولايات المتحدة، ومن الطبيعي أن يكون لها دور في عملية إعادة الإعمار.

3- تطلع جماعات المصالح الاقتصادية للاستثمار في إعادة الإعمار

سواء كانت القطاع العام أو الخاص، شركات أو أفراداً، مستثمرين محليين أو عرباً أو أجانب، بشكل فردي أو جماعي. فعلى سبيل المثال، يظهر ذلك جلياً في تطلع بكين لعقود إعادة الإعمار في مناطق خارج نفوذها التقليدي. وفي هذا السياق، بحث الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي مع السفير الصيني تيان تشي، في 7 سبتمبر الماضي، إمكانية إسهام الشركات الصينية في إعمار اليمن، وفقاً لما أوردته وكالة الأنباء الرسمية اليمنية، لاسيما بعد تعرض الاقتصاد لانهيار حاد، وتضرر البنية التحتية نتيجة الممارسات التي قامت بها حركة الحوثيين وحلفاؤها.

معوقات حقيقية

تواجه عمليات إعادة الإعمار في الدول المأزومة بالصراعات المسلحة، العديد من الإشكاليات التي تحول دون نجاحها، والتي تتمثل في ما يلي:

1- ضخامة الموارد المالية المقرر تخصيصها لإعادة الإعمار

وهو ما يرتبط بحجم الدمار الحادث في البنية التحتية لمعظم دول الصراعات في المنطقة العربية. فقد أشار رئيس صندوق إعادة إعمار المناطق المحررة بالعراق، مصطفى الهيتي، في تصريحات إعلامية في 15 سبتمبر الماضي، على خلفية الاستعدادات الجارية لإعادة إعمار الموصل، إلى أن «نسبة الضرر التي لحقت ببيوت الموصل بلغت 70%، فيما بلغت أضرار الجسور 40%، وهو ما يتطلب الحاجة إلى 150 مليار دولار لإعادة إعمار العراق في السنوات العشر المقبلة، وستكون برامج إعادة الإعمار في العراق سوق عمل مربحة ومغرية لشركات المقاولات الكبرى في العالم».

وطبقاً لما نشرته صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية، في 14 سبتمبر الماضي، يشير برنامج الأجندة الوطنية لمستقبل سورية، الذي يشرف عليه خبراء سوريون ودوليون تحت مظلة لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (آسكوا)، إلى أن كلفة الحرب السورية بلغت 327.5 مليار دولار. وكان قطاع السكن هو الأكثر عرضة للدمار بنسبة 30%، واقتربت إلى 18% نسبة الدمار في القطاع الصناعي، و9% حصة دمار قطاع الكهرباء والمياه، و7% قطاع الزراعة، ولا تشمل الإحصاءات دمار مدينتي الرقة ودير الزور.

وكذلك الحال بالنسبة لارتفاع كلفة إعادة الإعمار في ليبيا واليمن، بعد تدمير المنشآت الحيوية والمباني التعليمية، والبنية الصناعية والمطارات والموانئ. ففي الوقت الذي تحتاج فيه ليبيا، وفقاً لتقديرات البنك الدولي لعام 2016، ما يزيد على 100 مليار دولار، فإن كلفة إعادة الإعمار في اليمن، كما عبرت عنها تقديرات وزير التنمية المحلية ورئيس اللجنة العليا للإغاثة في اليمن، عبدالرقيب سيف، تصل إلى نحو 70 مليار دولار.

2- تزامن عمليات إعادة إعمار الدول المنهارة

وتعد هذه إشكالية رئيسة، تواجه الدول التي مرت بصراعات داخلية وحروب أهلية ممتدة، تجاوزت ست سنوات متواصلة في بعض الأحيان، حيث يتطلع المانحون الدوليون والإقليميون لإعادة إعمار سورية والعراق واليمن وليبيا في توقيتات متزامنة، ما يلقي بأعباء مضاعفة على الموازنات المالية المخصصة لعمليات إعادة الإعمار.

ومن هذا المنطلق، قال الأمين العام لمنتدى الفكر العربي، محمد أبوحمور، خلال افتتاح أعمال الملتقى العالمي لإعادة الإعمار في دول الصراع (سورية والعراق واليمن) في عمان، 17 سبتمبر 2017: «إن تقدير الجهات المختصة حول كلف الإعمار في الدول العربية التي تشهد الصراعات والحروب، بلغت نحو تريليوني دولار، في وقت قدرت فيه بعض الجهات الدولية كلفة إعمار سورية وحدها بنحو 900 مليار دولار».

كما أكد نائب رئيس البنك الدولي لشؤون منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، حافظ غانم، في تصريحات لصحيفة «الحياة» اللندنية، في 9 أغسطس 2016، أن «إعادة الإعمار تعد من أهم محاور الاستراتيجية الجديدة للبنك الدولي في المنطقة، وتجري الاستعدادات لإعادة إعمار اليمن وسورية وليبيا فور الاتفاق على عملية السلام، فيما العمل جارٍ حالياً على إعادة إعمار المناطق المحررة من (داعش) في العراق».

3- تسييس مساهمات الجهات الدولية المانحة

تتمثل إحدى الإشكاليات الرئيسة، التي تواجه استعادة الدول عافيتها في بؤر الصراعات العربية، في ربط بعض الجهات الدولية المانحة الإسهام في إعادة بناء أو إعمار تلك المناطق، بشروط إجراء تغيير في هياكل النظم السياسية القائمة، على نحو ما يتضح جلياً في مقاربة بريطانيا خلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، في سبتمبر الماضي، بشأن ربط إعادة الإعمار بخروج بشار الأسد من تفاعلات المرحلة الانتقالية السورية. فلا يمكن الرهان على البقاء في السلطة، حسب رؤيتها، في حين أن الدولة مدمرة والاقتصاد منهك.

وفي هذا السياق، قال وزير الخارجية البريطاني، بوريس جونسون، في تصريحات صحافية في 20 سبتمبر الماضي: «إن بريطانيا والولايات المتحدة، وغيرهما من الدول المعارضة للرئيس السوري بشار الأسد، لن تدعما إعادة إعمار البلاد، حتى يتم الانتقال السياسي بعيداً عن الأسد». ويعد هذا التصور البريطاني قريباً من رؤى عدد من أعضاء مجموعة «دول أصدقاء سورية»، التي تصر على رحيل الأسد عن السلطة، وفي إطار عملية سياسية ذات صدقية تعكس إرادة معظم السوريين، إذ إن العمل العسكري والأمني وحده، طبقاً لرؤيتها، قد يؤدي إلى انخفاض العنف لكنه لن ينتج سورية مستقرة.

فبريطانيا تشترط انتقالاً سياسياً بعيداً عن الأسد لإعادة إعمار سورية، على نحو يحمل رسالة محددة لنظام الأسد وموسكو وطهران. غير أن هناك عدم توافق دولي بشأن هذه المسألة، وهو ما أشار إليه مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى، ديفيد ساترفيلد، بقوله: «نحن لا نرى أن الأسد سيبقى في السلطة في نهاية العملية السياسية، لأنه خسر شرعيته وحقه في الحكم، ولكن هذا قرار يعود إلى الشعب السوري، وهو نتيجة العملية السياسية، وعلى هذه العملية أن تبدأ».

ونظراً لاشتراط بعض دول الاتحاد الأوروبي التدخل في تحديد المسار الانتقالي السوري وربطه بالإسهام في إعادة الإعمار، يسود اتجاه داخل الحكومة السورية بضرورة الاعتماد على الذات والحلفاء فقط، حيث قال نائب محافظ حلب، فارس فارس: «علينا أن نعيد إعمار البلاد، بأنفسنا بمساعدة الحكومة، ومن دون دعم أوروبي».

ويبدو أن ثمة دولاً وأطرافاً سوف تحصد ثمار إعادة الإعمار، بحيث تكافئ الحكومة السورية الحلفاء الدوليين والإقليميين والمحليين وتعزز مكانتهم، ما يساعد في ترسيخ نفوذها، إذ أعلنت وزارة الخارجية السورية، في بيان لها في 15 سبتمبر 2017، أنها «ترحب بمبادرات الدول والجهات التي لم تنخرط في دعم المعارضة، وتلك التي تتخذ نهجاً واضحاً وصريحاً ضد الإرهاب، للإسهام في دعم جهود إعادة الإعمار».

وأبدت الحكومة السورية ترحيبها بدور إيران وروسيا والصين والهند، لأنه ينظر إليها بأنها أقل ميلاً إلى ربط المساعدات بالإصلاحات المرتبطة بالانتقال السياسي، وذلك خلافاً لما تشترطه بعض دول الاتحاد الأوروبي. ومن ثم، لم يكن غريباً أن يدعو الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، مجموعة الدول الأعضاء في «البريكس»، إلى الإسهام في عملية إعادة إعمار سورية.

كما فتحت موسكو هذا الملف مع رئيس الوزراء اللبناني السابق، سعد الحريري، خلال زيارته لروسيا في 13 سبتمبر الماضي، حيث قال الأخير لقناة «روسيا اليوم»، في اليوم ذاته: «الأولوية الآن هي تطوير وتنمية البنية التحتية وخطوط السكك الحديدية والمنطقة الاقتصادية في طرابلس، وكذلك الطريق السريع مع سورية، كي يكون لبنان مؤهلاً ليصبح محطة لكبرى الشركات التي تنوي الدخول إلى سورية، والعمل فيها بعد الحل السياسي».

4- التسويات المحتملة الهشة للصراعات المسلحة الممتدة

يتوقع أن ترتفع فاتورة إعادة الإعمار في الدول العربية المأزومة بالصراعات، في حال بطء التسوية السياسية بين أطراف تلك الصراعات، فضلاً عن احتمال زيادتها في حالة تراجع مسار «التسويات الهشة»، وارتداد الصراعات مرة أخرى بعد الشروع في عمليات إعادة الإعمار، وهو ما تشير إليه اتفاقات الهدنة أو التهدئة، أو خفض التوتر في عدد من الحالات، لاسيما مع تعدد الجيوش الجوالة العابرة للحدود الرخوة في الإقليم.

بعبارة أخرى، إن تعدد الميليشيات المسلحة في بؤر الصراعات، والتي قد تتضرر من إعادة الاستقرار لتلك الدول، وتتخوف من سيناريوهات قادمة تتعلق باستعادة أوضاع ما قبل الاقتتال الداخلي، أو سيطرة بعض الخلايا النائمة التابعة للتنظيمات الإرهابية على بعض البؤر الجغرافية، يفرض حالة من عدم اليقين لدى الأطراف الدولية والإقليمية، ما يجعلها تحجم عن المشاركة في عمليات إعادة الإعمار في الأجل القريب على الأقل.

وينطبق ذلك بشكل واضح على وضع الموصل في العراق. وفي هذا السياق، تقول منسقة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في العراق، ليز غراندي، في تصريحات صحافية، في 3 أغسطس 2017: «الموصل تشكل التحدي الأكبر على صعيد الاستقرار أمام الأمم المتحدة، لجهة الحجم والتعقيد»، لاسيما مع عدم قدرة الشرطة المحلية على السيطرة الميدانية، وكذلك اقتلاع الألغام، وغيرها من المعوقات».

5- صراعات رجال الأعمال على عقود إعادة الإعمار

وهو ما يبدو جلياً في ليبيا، وتحديداً في مدينة بنغازي، بعد إعلان قائد الجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر تحرير المدينة من الإرهابيين، حيث إن هناك من ينتظر انتهاء الحرب لكي يستثمر في إعادة البناء، بدرجة لم تصعِّد من حدة التنافس بين عدد من رجال الأعمال، سواء من دول عربية أو غربية للحصول على عقود فحسب، بل باتت تتطلب تحديد دور القطاع ودور الدولة في ما يخص إعادة الإعمار، وهو أمر غير واضح في الحالة الليبية.

ويتضح هذا الصراع أيضاً في عقود إعادة إعمار سورية، وهو ما يفسر الحملة التي شنها رئيس اتحاد غرف الصناعة السورية وعضو مجلس الشعب (البرلمان السوري)، فارس الشهابي، في أغسطس الماضي، على محتكري صناعة النسيج المقربين من نظام الأسد، والذين سماهم «دواعش اقتصاد الداخل»، واتهمهم بالسيطرة على الاقتصاد في مرحلة إعادة الإعمار، خصوصاً في مجال العقارات والأراضي، على نحو يجعل الهدف ليس إعادة البناء بقدر ما يتعلق بتحقيق أرباح مادية.

6- انتشار القنوات الخلفية في عمليات إعادة الإعمار

هناك إشكاليات أخرى قد تعوق عمليات إعادة إعمار الدول المنهارة مثل العراق، تتعلق بالتخوف من انتشار الفساد، من خلال إبرام بعض العقود بالأمر المباشر وليس عبر مناقصات، لاسيما أن العراق يتذيل قائمة مؤشر الشفافية الدولية، هذا بخلاف المعايير الطائفية التي تتبناها بعض الشركات التي تتولى إعادة الإعمار.

7- تعزيز الانقسامات الطائفية داخل الدول العربية

تسعى إيران إلى استغلال عملية إعادة إعمار الموصل، بهدف توسيع نفوذ الميليشيات الشيعية في المحافظات المحررة من العراق، وهو ما برز في لقاء وزير الصناعة والمناجم والتجارة الإيراني، محمد رضا نعمت زاده، في 16 يوليو 2017، بوفد عراقي في طهران، حيث أكد زاده أن «العراق بحاجة إلى إعادة الإعمار والتطوير، لاسيما في القطاعات الهندسية والبناء»، مشيراً إلى «استعداد بلاده لدعم العراق في مجال إنشاء البنية التحتية، لاسيما مد شبكات الماء والكهرباء وبناء الأرصفة البحرية والمنشآت العامة والترفيهية، وغيرها».

ويعكس ذلك، أيضاً، تلاقي نظام الأسد مع الرغبة الإيرانية، ليس في تحقيق مصالح اقتصادية فحسب، وإنما في إجراء تحولات في البنية الديموغرافية عبر توطين المقاتلين الشيعة وهدم معاقل القوى المعارضة، على نحو ما فعلته قوات الأسد في هدم المنازل في أحد أحياء دمشق القديمة، وهو بساتين الرازي، الموالي للمعارضة، لإفساح المجال أمام بناء مساكن جديدة، وأسواق، ومجمعات حكومية.

8- تضخم المؤسسات البيروقراطية المنخرطة في إعادة الإعمار

هذا الأمر يتوازى مع تداخل السلطات والجهات المشرفة عليها وتضاربها، على نحو ما تشير إليه محافظة نينوى (وعاصمتها الموصل)، إذ تتطلب خطة إعادة الإعمار وكلاء من جميع الوزارات، وممثلين عن مجلس أمناء صندوق إعادة إعمار المناطق المتضررة، ومحافظة نينوى والمجالس المحلية وأعضاء مجلس النواب.

9- تقاطعات إعادة الإعمار للمناطق المتنازع عليها

تبدو إعادة إعمار الموصل صعبة لأنها تتداخل مع أزمات العراق، داخلياً وإقليمياً، بحكم تداخل المدينة سكانياً وجغرافياً مع المناطق المتنازع عليها بين إقليم كردستان والحكومة المركزية، بما يرجح اتجاه العلاقة إلى مزيد من التعقيد، بل واحتمال الدخول في صدامات عسكرية، رغم أن الحكومة المركزية بسطت سيادتها على هذه المناطق، بعد الخلافات حول استفتاء الاستقلال الذي جرى في الإقليم قبل أسابيع قليلة. وقد يعيد ذلك إلى الأذهان أجواء الحرب إلى المدينة، بشكل قد يدفع الحكومة المركزية إلى تأجيل أي مسعى لإعادة إعمارها.

تويتر