Emarat Alyoum

القارة الإفريقية تواجه خطر التفتت

التاريخ:: 11 نوفمبر 2017
المصدر: ترجمة: عوض خيري عن «فايننشيال تايمز»
القارة الإفريقية تواجه خطر التفتت

هناك أمر مثير للاهتمام بشأن إفريقيا يتمثل في الاستقرار النسبي لحدودها، ونجد إفريقيا هادئة في الوقت الراهن خلافاً لأوروبا، التي اشتعلت فيها نيران الحروب بسبب الحدود قروناً عدة، فقد تحطمت يوغوسلافيا لتصبح قطعاً صغيرة قبل جيل مضى. وحتى اليوم، ففي الوقت الذي نجد دولاً أوروبية مثل إسبانيا والمملكة المتحدة لا تكاد تتماسك، لاتزال معظم الدول الإفريقية تقبل بوضع حدودها على علاته. هذا على الرغم من أن الدول الحديثة في القارة تم تشكيلها في مؤتمر برلين 1884-85 من قبل المستعمرين، الذين لديهم قليل من المعرفة بالواقع العرقي أو السياسي أو الجغرافي لهذه الدول. وعمد الاستعمار الى خلط العديد من الجماعات العرقية، واللغوية مثل أشانتي، واليوروبا أو بوغاندا، المتميزة تماماً عن غيرها من العرقيات، في دولة واحدة، حيث إن تلك المجموعات والعرقيات كانت تشكل دولاً حديثة بمنطق ذلك العصر قبل مجيء الأوروبيين.

• ينبغي ألا تنظر الدول لسلامة أراضيها على أنه أمر مفروغ منه، فعليها أن تسعى جاهدة لكي تجعل الأقليات تشعر بأنها جزء من الكل، وإذا لم تفعل ذلك فإن المركز لن يصمد إلى الأبد.

• إفريقيا اليوم ليست بمنأى عن الشعور الذي نشأ في العالم بدءاً بكاتالونيا إلى كردستان، ومن أسكتلندا إلى كيبيك.

وقد تمكن زعماء أفارقة مثل التنزاني السابق جوليوس نيريري، والغاني كوامي نكروما ــ على الرغم من قصورهما ــ من تشكيل دول متماسكة من هذا الخليط العجيب، ما يعد إنجازاً بالغ الأهمية. ولكن على الرغم من ذلك لم تتماسك جميع الحدود، فقد أصبحت إريتريا دولة مستقلة في عام 1993 بعد حرب طويلة الأمد مع إثيوبيا، وحصل جنوب السودان على استقلاله عن السودان في عام 2011 مع نتائج كارثية حتى الآن. ويشار الى أن أرض الصومال هي دولة مستقلة ذاتياً بحكم الأمر الواقع منذ عام 1991، عندما أعلنت من جانب واحد استقلالها بعد انهيار نظام الرئيس السابق سياد بري في الصومال، وانحدار البلاد الى حالة من الفوضى. لقد شهدت إفريقيا حروباً أهلية متعددة وحركات انفصالية متنوعة ناشئة عن عدم منطقية هذه الحدود.

وفي أعقاب الاستقلال مباشرة سعت كل من كاتانغا، المقاطعة الكونغولية الغنية بالمعادن، وبيافرا في جنوب شرق نيجيريا، إلى الانفصال، بيد أن الجيش النيجيري سحق آمال البيافريين في حرب 1967-1970، ما بعث برسالة قوية حول القارة بشأن ارتفاع كلفة النزعة الانفصالية، ومع ذلك فإن إفريقيا اليوم ليست بمنأى عن الشعور الذي نشأ في العالم بدءاً من كاتالونيا إلى كردستان، ومن اسكتلندا إلى كيبيك. وفي الكاميرون الانغلوفونية، ومرة أخرى في بيافرا، وبشكل غير عادي في غرب كينيا، تعالت صيحات الانفصاليين. وعلى الرغم من اختلاف كل حالة عن الأخرى، فإن المشكلة تنبع من فشل الحكومة المركزية في السماح لهذه الجماعات المختلفة، التي تجد نفسها خارج نطاق السلطة، بالتعبير عن نفسها سياسياً واقتصادياً وثقافياً.

وفي الكاميرون، تفاقمت مظاهر الاستياء الذي طال أمده بين الأقلية الناطقة بالإنجليزية والأغلبية الناطقة بالفرنسية، ويشعر الناطقون باللغة الإنجليزية، الذين يشكلون نحو خمس السكان، بالتهميش، وهو الشعور الذي ازداد أيضاً مع محاولات الحكومة المركزية إغراق المدارس والمحاكم بالمتحدثين بالفرنسية. وكما هي الحال في بعض المناطق، حيث تشعر مجموعات بالتمييز اقتصادياً أو ثقافياً، يدفع المعتدلون من أجل فيدرالية أكبر، في حين يصر المتشددون على رفع علم «أمبزونيا» الأزرق منادين باستقلال كامل عن الكاميرون.

بعد هزيمتهم من قبل الحكومة المركزية تأقلم معظم البيافريون على العيش في كنف نيجيريا الموحدة، وهي دولة أنشأها الاستعمار البريطاني من خليط من القوميات، بيد أن البيافريين استيقظوا أخيراً للمطالبة باستقلالهم، وهو المطلب الذي قابلته الحكومة المركزية بالقوة الباطشة. وقضى الكاتب النيجيري الحائز جائزة نوبل في الأدب وول سوينكا عامين في الحبس الانفرادي، لمجرد قوله فقط إن استقلال بيافرا لا يمكن التراجع عنه أبداً. حدثني الأسبوع قبل الماضي، وقال لي إنه متمسك بتلك العبارات.

ويضيف: «لم أكن أتحدث عن الناحية العسكرية، ولكن ما قصدته هو أن الفكرة دخلت مجرى الدم ولا يمكن أن تنمحي».

لا يفضل سوينكا تفكك نيجيريا، لكنه يعارض ما أدلى به الرئيس محمد بهاري في لوس أنجلوس، بأن سيادة نيجيريا غير قابلة للتفاوض. وكما يقول سوينكا، على العكس: «كثيراً ما يتم التفاوض في هذا الشأن». وفي ظل هذه الظروف، كما يقول، فإن السبيل الوحيد للحفاظ على تماسك نيجيريا هو إعادة إنشاء الفيدرالية الحقيقية، التي عبثت بها الأنظمة العسكرية المتعاقبة. وحتى مع ذلك، كما يقول، فإن الحاجة لـ«تحديد الهوية» يتجذر في داخل النيجيريين. ويمضي قائلاً: «انظر حولك، لا يمكننا التخلص من هذا الشعور، وهو التراجع إلى قوميات أصغر فأصغر».

وفي كينيا، فإن هيمنة قوميات مثل الكيكويو والكالينجين على السياسة الوطنية أقنعت الأقليات بأنها لن تستطيع أن تحصل على تمثيل في مثل هذا النظام، الذي يحصل فيه الفائز على كل شيء. وهذا هو ما يكمن وراء المعضلة الانتخابية الحالية، حيث رفض رئيس وزراء كينيا، رايلا أودينجا، الذي يمثل قومية «لوه» وغيرها من الجماعات الصغيرة، الاعتراف بالهزيمة، وهو أيضاً ما أثار دعوات غير عادية (من قبل مجموعات قليلة العدد) لانفصال الولاية الغربية.

ويقول الناشط الكيني البارز في مجال حقوق الإنسان، جون جيثونجو: «لدينا ما يسمى بالنظام الأكثري، والذي لا يعمل في المجتمعات الإفريقية غير المتجانسة». ونظراً لهذه الحقائق، فإن إحدى المعجزات تتمثل في أن الدول الإفريقية لاتزال متماسكة، ويبدو أن الحدود المفتوحة والشعور بالوحدة الإفريقية هما ما ساعد على ذلك. ولكن ينبغي ألا تنظر الدول لسلامة أراضيها بأنه أمر مفروغ منه، فعليها جميعاً أن تسعى جاهدة لكي تجعل الأقليات تشعر بأنها جزء من الكل، وإذا لم تفعل ذلك فإن المركز لن يصمد إلى الأبد.

ديفيد فيلينغ محلل بصحيفة «فايننشيال تايمز»