تكهنات تدور حول قرب تركه «المنصب»

وزير الخارجية الأميركية يصل بدبلـوماسية بلاده إلى الحضيض

صورة

تسود التكهنات في واشنطن هذه الأيام، بشأن الشخصية التي ستخلف وزير الخارجية الحالي، ريكس تيلرسون، في منصبه، وتتناقل جهات على ما يبدو اسم اثنين من المرشحين المؤهلين لشغل هذا المنصب. وعندما واجه الصحافيون تيلرسون، الأسبوع الماضي، بشأن الشائعات المنتشرة بقرب مغادرته للمنصب، أظهر جهله بالأمر، ورد عليهم قائلاً: «من الذي أخبركم بمثل هذه الأمور؟». ووعد بالبقاء في منصبه طالما أنه، كما يعتقد، سيكون مفيداً. وكان تيلرسون قد عقد، أوائل هذا الشهر، مؤتمراً صحافياً لينفي ما تداولته تقارير صحافية بأنه على وشك ترك منصبه. ومن المعروف أن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، عبر في أكثر من مناسبة عن ثقته بكبير دبلوماسييه، رغم شائعات تفيد بأن تيلرسون نعت ترامب بـ«الغبي».

الأسوأ في السجل الدبلوماسي

يقول الباحث في السياسة الخارجية الأميركية بجامعة ماساتشوستس، بول مسغريف: «سيكون ريكس تيلرسون في أسفل قائمة وزراء الخارجية، ليس فقط في من جاءوا بعد الحرب العالمية الثانية، ولكن في سجل وزراء خارجية الولايات المتحدة ككل».

تيلرسون، الرئيس التنفيذي السابق لشركة «إكسون موبيل»، والذي وجد ترشيحه للمنصب في البداية ترحيباً حاراً من قبل مسؤولين بارزين في السياسة الخارجية، فشل في إحداث أي تأثير مهم في الإدارة الداخلية.

ويبدو أن سعيه لمعالجة «أوجه القصور» في وزارة الخارجية، وعدم اهتمامه بالعمل مع الموظفين القدامى، قد أحدثا ضرراً بليغاً بالمؤسسة. وبسبب عدم تعيينه موظفين في وظائف حيوية عالية المستوى، واستغنائه عن موظفين موهوبين جعل استجابة أميركا للأزمات الكبرى غير متماسكة، الأمر الذي أضعف وزارة الخارجية لـ«جيل» كامل، وفقاً لما ذكرته إليزابيث سوندرز من جامعة جورج واشنطن.

ولكن لا يمكن أن يلام تيلرسون على كل ذلك، حيث إن الدبلوماسيين المهرة أيضاً قد يجدون صعوبة في السيطرة على تأثيرات الفوضى التي خلقها وجود ترامب في البيت الأبيض، إذ يجد مسؤولون مثل السفيرة لدى الأمم المتحدة، نيكي هالي، صعوبة في ممارسة السياسة الخارجية، التي غالباً تتلقى تعليماتها من خلال «تويتر». ومع ذلك، يعتقد كل من الخبراء غير الحزبيين ومسؤولي إدارات رفيعة المستوى في الإدارتين السابقتين أنه يستحق شخصياً الكثير من اللوم.

ويقول المستشار في وزارة الخارجية الأميركية، في عهد الرئيس الأميركي جورج بوش، إليوت كوهين، إنني «أعتقد أنه سيكون من أسوأ وزراء الخارجية». ويقول المسؤول في عهد أوباما، الذي عمل في قضايا إسرائيلية فلسطينية، إيلان غولدنبرغ، إنه «سيتم تصنيفه كأسوأ وزير خارجية في التاريخ».

وكان من المتوقع أن يكون تيلرسون واحداً من «العاقلين في الغرفة»، يقدم المساعدة لوزير الدفاع، جيمس ماتيس، لتطويع بعض أفكار ترامب الأكثر وحشية. بيد أن محاولاته للقيام بهذا الدور جاءت بنتائج عكسية، ويظهر تقرير «إن بي سي نيوز» وآخرون أن محاولاته الخاطئة لتسيير ترامب أدت إلى استفزاز الرئيس، الذي اشتكى من وجهات نظره بشأن السياسة الخارجية. وكان الجدل الدائر بشأن عبارة «غبي» واحداً من هذه الإفرازات، ويدل على أن تيلرسون كان له تأثير ضئيل جداً في تفكير ترامب.

إن فشل تيلرسون في إحداث أي تأثيرات في ترامب، ذي التفكير الأحادي، وعدم سعيه لإدخال إصلاحات في وزارة الخارجية، أديا إلى الإضرار بهذا الكيان المهم، وإجبار الموظفين القدامى على مغادرة الوزارة.


 

- إرث تيلرسون الأساسي، في وزارة الخارجية، يتمثل في نضوب الوزارة من المواهب، والوصول بها إلى أدنى مستوى من انعدام الثقة بها، وتوليها دوراً متدنياً في صياغة وتنفيذ السياسة الخارجية للولايات المتحدة.

- داخل البيت الأبيض، يؤكد المسؤولون سراً أن مشاجرات تيلرسون المتكررة مع دوائر ترامب الداخلية المختلفة، تجعل بقاءه على رأس منصبه على المدى الطويل أمراً غير مؤكد.

 

وداخل البيت الأبيض، يؤكد المسؤولون سراً أن مشاجرات تيلرسون المتكررة مع دوائر ترامب الداخلية المختلفة، تجعل بقاءه على رأس منصبه على المدى الطويل أمراً غير مؤكد. والاعتقاد السائد هو أنه قد يغادر منصبه بعد أن يكون قد خدم عاماً كاملاً، وذلك من أجل الحفاظ على ماء وجهه، ولكي يتمكن من استكمال إعادة تنظيم وزارة الخارجية.

وكما ذكرت تقارير مؤلمة عدة، فإن إرث تيلرسون الأساسي في وزارة الخارجية يتمثل في نضوب الوزارة من المواهب، والوصول بها إلى أدنى مستوى من انعدام الثقة بها، وتوليها دوراً متدنياً في صياغة وتنفيذ السياسة الخارجية للولايات المتحدة. وستكون مهمة خلفه الأساسية هي بذل جهود مضنية ليعكس هذا الاتجاه ويضع القاطرة على مسارها الصحيح. وهناك اثنان من كبار المسؤولين المتنافسين على هذا المنصب، هما: السفيرة لدى الأمم المتحدة، نيكي هالي، ومدير وكالة المخابرات المركزية (سي آي إيه)، مايك بومبيو، اللذان سيحاولان صياغة مسارات مختلفة من أجل إصلاح وضع هذا الكيان الدبلوماسي.

وتلقى هالي إشادة من داخل فريق ترامب وخارجه، خلال فترة ولايتها القصيرة في مدينة نيويورك. ويعود الفضل لها في إنجازها قضايا مثل العقوبات على كوريا الشمالية، وتشديد الموقف الأميركي في الأمم المتحدة. وعلى عكس تيلرسون، كانت سريعة في تعيين فريق من المسؤولين المقتدرين، ما سمح لها بأن تكون فاعلة بشأن التعامل بين الوكالات المختلفة. وسيحول تعيينها اتجاه وزارة الخارجية ليميل نحو مواقف الحزب الجمهوري المتشدد تقليدياً، بما في ذلك الدعوة القوية للحرية وحقوق الإنسان في الخارج. ويمكن أن يعني أيضاً تحولاً في المساعي الحالية لإصلاح العلاقات مع روسيا.

وخلال الأسبوع الماضي، تحدثت هالي في معهد جورج دبليو بوش، قائلة إن التدخل الروسي في الانتخابات الأميركية يمكن أن يرقى إلى «حالة حرب». كما دافعت هالي عن تمويل الدبلوماسية والتجارة الحرة.

وتقول: «لا نريد أن نرى تمويل الدبلوماسية والتنمية متوقفاً، لأننا يجب ألا نفعل ذلك، وأن الرئيس لا يريد منا ذلك». وتضيف: «لم نقدم أبداً على إلغاء أي صفقات تجارية، وإذا كان الأمر كذلك، فلماذا لم نفعل ذلك من قبل؟».

وتتخذ هالي نهجاً وسطاً في المداولات المتعلقة بالاستراتيجية الجديدة بشأن إيران. وقد اجتمعت مع لاجئين من الشرق الأوسط، وواصلت زياراتها الدولية الأسبوع الماضي، متجهة إلى إثيوبيا وجنوب السودان والكونغو. وتبدو كأنها تقوم بحملة للترشيح لهذا المنصب.

إلا أن خيارات هالي محفوفة بالمخاطر بالنسبة لها، فهي تتمتع بالفعل بالكثير من المؤهلات المطلوبة، لتصبح الخيار الأمثل للرئيس لشغل هذا المنصب. وساعدها بعدها عن البيت الأبيض على تجنب الصراعات الداخلية والعمل بشكل مستقل. ليس من الواضح ما ستكسبه سياسياً من انتقالها لمنصب وزير خارجية، لأن تولي هذه المهمة ينطوي على مقامرة ضخمة.

وإذا استطاعت هالي الوصول إلى هذا المنصب، فإن الشاغل المحتمل لمنصبها الحالي هو نائبة مستشار الأمن القومي، دينا باول، وفقاً لبعض التقارير. فقد ظلت باول بعيدة عن دائرة الضوء، لكنها في الوقت ذاته تستعرض قيمتها وفاعليتها أمام ترامب.

وسيكون بومبيو وزيراً للخارجية لارتباطه القوي بالبيت الأبيض. فهو متشدد حيال إيران أكثر من هالي. وكما اتضح من تصريحاته الأسبوع الماضي، فهو على استعداد للتقليل من شأن التدخل الروسي في انتخابات عام 2016.

ويقدم بومبيو بنفسه إيجازات للرئيس مرات عدة في الأسبوع، ويرغب البيت الأبيض من بومبيو أن يدفع للأمام فرضية الإدارة. وفي حين أن ميله للصراحة السياسية كثيراً ما تسبب في امتعاض لبعض المسؤولين في الـ«سي آي إيه»، إلا أنه سيكون ركيزة جيدة لوزارة الخارجية.

وتدعي بعض التقارير أن بومبيو إذا حصل على منصب وزير الخارجية، فإن السيناتور، توم كوتن، سيخلفه في إدارة الـ«سي آي إيه». كوتن هو من الشيوخ النادرين الذين لديهم علاقات جيدة مع ترامب وفريق البيت الأبيض. وقد يكون انتقاله إلى الـ«سي آي إيه» نقطة انطلاق في طموحه لمناصب أعلى.

وسيرحب طاقم وزارة الخارجية بأذرع مفتوحة سواء كان القادم هالي أو بومبيو، ولكنّ أياً منهما لن تكون مهمته سهلة. وما لم يستطيعا أن يأتيا بمقاربات تختلف عن مقاربة تيلرسون، وتدافع عن الدبلوماسيين والعمل الذي يقومون به، فستجد واشنطن نفسها تبحث عن وزير آخر في وقت قريب.

في أعقاب التقرير الإخباري، الصادر عن محطة «إن بي سي»، والذي ذكر أن تيلرسون وصف الرئيس ترامب في يوليو الماضي بـ«الغبي»، اضطر وزير الخارجية إلى عقد مؤتمر صحافي غير اعتيادي لينفي فيه أية نية له لمغادرة منصبه. ولكن عندما تحدثت صحيفة «واشنطن بوست» إلى 19 من المسؤولين الحاليين والسابقين في البيت الأبيض حول هذا الجدل، كان الإجماع الواضح هو أن تيلرسون من غير المرجح أن يظل في منصبه، في ظل مثل هذه التقارير العامة التي تتحدث عن تحديه للرئيس.

تويتر