Emarat Alyoum

تخلي أوروبا عن أنقرة سيعزّز سطوة أردوغان على خصومه

التاريخ:: 25 أكتوبر 2017
المصدر: ترجمة: مكي معمري عن «سنتر فور يوربيان ريفورم»
تخلي أوروبا عن أنقرة سيعزّز سطوة أردوغان على خصومه

تدهورت العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وتركيا منذ منتصف 2010، عندما بدأت حكومة الرئيس رجب طيب أردوغان تظهر اتجاهات أكثر استبدادية، وازدادت وتيرة تدهور العلاقات بشكل كبير بعد الانقلاب العسكري الفاشل، الذي وقع في أغسطس من العام الماضي 2016، وما أعقب ذلك من حملة قمع أسفرت عن اعتقال 40 ألف شخص، وإقالة 140 ألفاً آخرين. وجاءت الضربة التالية بإصلاح دستوري مثير للجدل في أبريل 2017. وخلال حملة الاستفتاء، انتقدت الحكومة التركية نظيراتها في الاتحاد الأوروبي، التي لم تسمح لوزراء حكومة أنقرة بالقيام بحملة انتخابية في أوروبا، لاسيما هولندا وألمانيا، إلى حد اتهام الأخيرة بـ«ممارسات نازية». ويبدو أن الإصلاح الدستوري، الذي لم يحصل سوى على الحد الأدنى من الأصوات، جعل تركيا أبعد ما تكون عن معايير الديمقراطية الليبرالية.

أقدمت الحكومة التركية على خطوات تضرّ علاقتها مع الولايات المتحدة، وقد توصلت إلى اتفاق لشراء نظام دفاع جوي من طراز (إس 400) من روسيا، بدلاً من نظام غربي. وهذا يقوّض التحالف، حيث إن النظام الروسي غير قابل للتشغيل المتبادل مع أنظمة حلف شمال الأطلسي.


دعم أميركا للأكراد سبب شرخاً في العلاقة بينها وبين تركيا

الأزمة في العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وتركيا، هي أحد أعراض ابتعاد تركيا عن الغرب، ليس من حيث القيم فقط، بل أيضاً في سياستها الخارجية. وفي الواقع، ليست علاقة تركيا مع الاتحاد الأوروبي هي التي تضرّرت فحسب؛ فقد تدهورت العلاقات بين الولايات المتحدة وتركيا عقب قرار الرئيس السابق، باراك أوباما، دعم الأكراد السوريين ضد «داعش»، في أكتوبر 2014، وهي خطوة تعتبرها أنقرة «خيانة». وقد قدمت واشنطن دعماً عسكرياً واسعاً لحزب الاتحاد الديمقراطي في سورية، وذلك باستخدامه كنواة لتحالف أوسع يسمى «القوى الديمقراطية السورية». وقد شعرت تركيا بالغضب إزاء هذا القرار، نظراً لارتباط حزب الاتحاد الديمقراطي الوثيق بحزب العمال الكردستاني التركي، الذي خاض حرب عصابات ضد الدولة التركية منذ الثمانينات؛ وعلى الرغم من أن القوات التركية اشتبكت مع حزب الاتحاد الديمقراطي في سورية، إلا أنها لم تؤثر في تقدمه العسكري ضد تنظيم «داعش» وغيره من الجماعات المسلحة. وبما أن حزب الاتحاد الديمقراطي كان القوة القتالية الوحيدة في سورية التي يمكن أن تدعمها الولايات المتحدة، فقد تلقى المزيد من الدعم.

تسبب الخلاف حول سياسة سورية في حدوث خلل عميق في العلاقات الأميركية - التركية. وباتت حكومة أنقرة تثور بانتظام ضد الولايات المتحدة. وتصرّ تركيا على أن الولايات المتحدة كانت وراء محاولة الانقلاب، مشيرة إلى رفض الأميركيين تسليم رجل الدين فتح الله غولن، الحليف السابق لأردوغان. العداء للولايات المتحدة عميق في تركيا، ولا يقتصر على مؤيدي حزب العدالة والتنمية؛ فقد أظهر الاستطلاع الذي أجراه «بيو» كيف يرى 72% من الجمهور التركي أن الولايات المتحدة تشكل تهديداً رئيساً. وعلى الرغم من بعض العبارات الإيجابية من الرئيس ترامب تجاه أردوغان، لم يكن هناك تحسن ملموس في العلاقات بين الطرفين. في الواقع، استمر ترامب في سياسات إدارة أوباما نفسها تجاه الأكراد السوريين.

وكان ردّ فعل الاتحاد الأوروبي تجاه تركيا في البداية معتدلاً إلى حد كبير، لأن تركيا كانت تعتبر الشريك الرئيس في إدارة تدفقات الهجرة خلال أزمة اللاجئين. وفي إطار اتفاق مارس 2016 مع تركيا، وعد الاتحاد الأوروبي بإحياء مفاوضات الانضمام، ومنح الأتراك السفر من دون تأشيرة إلى الاتحاد الأوروبي. وفي وقت لاحق، حيث أصبح من الواضح أنه من المستحيل المضي قدماً حتى رمزياً في مفاوضات الانضمام، حاول الاتحاد الأوروبي التركيز على التحديث الموعود للاتحاد الجمركي.

لكن الجهود ذهبت سدى، ولم يخفف أردوغان من حملته. وفي صيف هذا العام، اتخذت العلاقات بين الاتحاد وأنقرة منعطفاً آخر للأسوأ، مع اعتقال تركيا التعسفي بعض المواطنين الألمان، الأمر الذي دفع الحكومة الألمانية إلى تقديم النصائح لمواطنيها بعدم السفر إلى تركيا، ودفع المستشارة الألمانية، أنغيلا ميركل إلى القول إنها تريد تجميد المساعدات المالية قبل انضمام أنقرة، وتعليق المفاوضات لتعزيز الاتحاد الجمركي، وإلغاء مفاوضات الانضمام. وجاءت هذه الدعوة في الوقت نفسه الذي أصدر البرلمان الأوروبي قراراً غير ملزم بإنهاء المحادثات. وأدت هذه التطورات إلى توتر العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وتركيا إلى أقصى حدودها.

مواقع سرية

أقدمت الحكومة التركية على خطوات تضرّ علاقتها مع الولايات المتحدة. وقد توصلت إلى اتفاق لشراء نظام دفاع جوي من طراز إس 400 من روسيا، بدلاً من نظام غربي. وهذا يقوض التحالف، حيث إن النظام الروسي غير قابل للتشغيل المتبادل مع أنظمة حلف شمال الأطلسي، وسيتطلب متابعة من الفنيين الروس لتثبيته وتشغيله. وفي خطوة أخرى، كشفت وكالة الأناضول التركية في يوليو عن مواقع سرية أميركية في سورية، ما قد يعرض الأميركيين الموجودين هناك للخطر. وفي أوائل أكتوبر، نشب توتر علني بعد أن اعتقلت أنقرة موظفاً في القنصلية الأميركية في أنقرة. وتوقفت الولايات المتحدة عن إصدار تأشيرات للمواطنين الأتراك، فيما ردت تركيا بالمثل.

ومن غير المحتمل أن تتراجع حدة التوتر بين واشنطن وأنقرة، بل ربما ستزداد سوءاً. وتأمل تركيا أن ينخفض الدعم الأميركي لحزب الاتحاد الديمقراطي، بمجرد هزيمة تنظيم «داعش» المتطرف. ولكن هذا ليس مرجحاً. وستظل الولايات المتحدة بحاجة إلى شريك على الأرض قادر على منع عودة «داعش» ومواصلة التوازن مع النظام السوري وروسيا وإيران و«حزب الله»، ومن غير المرجح أن تتفاعل تركيا بشكل إيجابي مع هذا.

أي علاقات جيدة مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة تصب في مصلحة تركيا، فالأخيرة تعتمد اقتصادياً على الغرب، وتعتمد شعبية أردوغان المحلية على النجاح الاقتصادي لتركيا، ولكن الحكومة التركية تعطي الأولوية لمجموعة مختلفة من الأهداف، مدفوعة بجدول أعمال سياسي متحفظ اجتماعياً. ويريد أردوغان إعادة تشكيل المجتمع التركي، وقد أصبح أكثر قدرة على القيام بذلك منذ أن قام حزب العدالة والتنمية بتفكيك سلطة الجيش، وتعزيز قبضته على مؤسسات الدولة. وفي السياسة الخارجية، تحول الحزب بشكل متزايد إلى أجندة تهدف إلى جعل تركيا قوة إقليمية مؤثرة، تتميز بخطاب مناهض للغرب.

محادثات مجمدة

في هذا السياق الدولي، من الصعب على الاتحاد الأوروبي صياغة سياسة أكثر فعالية تجاه تركيا. وقد يكون من المجدي تعليق مفاوضات الانضمام رسمياً، ووضع حد لما لم يعد يمثل اقتراحاً جدياً في السياق الحالي. في نهاية المطاف سيكون هذا خياراً محفوفاً بالمخاطر؛ ويذكر أن المحادثات مجمدة بالفعل. لكن تعليقها رسمياً أو حتى إنهاءها من دون إطار بديل سيؤدي ببساطة إلى تغذية المتغيرات السياسية التي تدفع تركيا بعيداً عن الغرب، وعلى الأرجح ستمكن أردوغان من القضاء على خصومه. وفي الواقع، من المرجح أن يختار الاتحاد الأوروبي إنهاء المحادثات، لكي يرمي الكرة في الجانب الآخر. وستصبح تركيا أقل استقراراً، ولا يمكن التنبؤ بما سيحدث فيها. وإنهاء عملية الانضمام دون بديل من شأنه أن يقوّض أيضاً القوى المؤيدة لأوروبا في تركيا، ما يدل على أن عضوية الاتحاد الأوروبي كانت حقاً غير مطروحة على الطاولة. ومن ناحية أخرى، يبقى الحفاظ على المفاوضات على قيد الحياة، أملاً في أن تعود حكومة تركيا يوماً ما إلى المسار الأوروبي.

الاتحاد الأوروبي لديه نفوذ على تركيا أكثر مما لدى الأخيرة. وفي حين أن اتفاق اللاجئين مهم في إبقاء الأرقام منخفضة، يشير مسؤولو الاتحاد الأوروبي إلى أن إغلاق طريق البلقان هو الذي أدى إلى انخفاض أعدادهم، أكثر من صفقة مارس 2016 مع أنقرة. وتقل أهمية تركيا كحليف للسياسة الخارجية، بسبب اقتناء معداتها من روسيا، كما أن خياراتها في السياسة الخارجية تعمل على تقويض حلف شمال الأطلسي (الناتو).

لاتزال عضوية «الناتو» وقربها من الاتحاد الأوروبي أمرين لا يقدّران بثمن بالنسبة لتركيا. ويعتمد نجاحها الاقتصادي، الذي يرتكز على الاستثمار الأجنبي، إلى حد كبير على عضوية الاتحاد الجمركي للاتحاد الأوروبي وعضوية الاتحاد. وإذا استمر تدهور سيادة القانون، الذي سيؤدي بالتالي إلى عدم الاستقرار السياسي، فمن المرجح أن ينتبه المستثمرون إلى العجز المتزايد في مقومات تركيا الاقتصادية وارتفاع معدلات التضخم. وفي الوقت نفسه، فإن «الناتو» يضمن أمن تركيا. إن جهود أنقرة لتصبح لاعباً إقليمياً أكثر أهمية لم تتحقق إلا قليلاً. وفي الواقع، تتعارض تركيا مع الشركاء التقليديين - مثل مصر والسعودية والإمارات - الذين يشعرون بالانزعاج من قرب أنقرة من جماعة «الإخوان المسلمين»، ودعم قطر في أزمتها الأخيرة مع الرياض وحلفائها. وبينما تقترب تركيا من روسيا وإيران، وتتعاون في محاولات دبلوماسية لتأمين وقف إطلاق نار محلي في سورية، فإن تلك العلاقات لاتزال تندرج في صميمها ضمن الخصومات. ومن دون دعم «الناتو»، يمكن أن تتفاجأ أنقرة بتحول موقف موسكو وطهران تجاهها بسرعة كبيرة.

حلقة خارجية

يتعين على الاتحاد الأوروبي الحفاظ على عملية الانضمام على قيد الحياة، لتجنب تسريع تردي العلاقات الثنائية. وفي الوقت نفسه، ينبغي أن يحاول صياغة إطار جديد لإقامة شراكة مع تركيا. وإذا تحرك الاتحاد، قدر الإمكان، نحو عضوية تتألف من مستويات عدة، فسيكون هناك مجال لربط البلدان بعناصر معينة من الاتحاد دون عناصر أخرى، بعبارة أخرى؛ شكل من أشكال العضوية المنتسبة. ويمكن أن تطمح تركيا للانضمام إلى حلقة خارجية، ربما مع وصول عميق إلى السوق الواحدة، ولكن دون حرية التنقل.

يجب على أوروبا أن تقدم لأنقرة عرضاً طموحاً يتجاوز التحديث المقترح للاتحاد الجمركي؛ ليشمل تحسين الوصول إلى السوق الأوروبية، في ما يتعلق بالسلع والخدمات وزيادة حركة اليد العاملة. وينبغي أن يكون الاقتراح مرتبطاً بشروط صارمة، لأن الاتحاد الجمركي الأصلي كان في منتصف التسعينات. وستكون الفكرة هي استبدال عملية الانضمام بشيء أكثر منطقية وواقعية، يمكن أن يسخر الطاقات الإيجابية. ومع ذلك، فإن مثل هذا الاقتراح سيكون صعب التطبيق، إذا ما تم سحب طلب الانضمام من الطاولة. هذا هو السبب في أن يطرح الاقتراح في وقت متزامن مع وجود طلب انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي على الطاولة. وإذا أحرزت المفاوضات بشأن الشراكة الجديدة تقدماً جيداً، في مرحلة ما، فإنه يمكن إنهاء عملية الانضمام.

وفي نهاية المطاف، لا يمكن وضع أجندة بناءة بين الاتحاد الأوروبي وتركيا إلا إذا غيّرت تركيا مسارها الحالي. وهذا يعتمد على السياق الأوسع للعلاقة بين تركيا والغرب. ولكن الاتحاد الأوروبي يمكن أن يساعد على الحد من خطر انهيار كامل للعلاقات، من خلال النظر بعيداً عن محادثات الانضمام الفاشلة، وتطوير طرق جديدة للعمل معاً.