عبيد يبنون الأضرحة وليس الملاعب

عمال «كأس العالم 2022» فــــي قطر يتعرّضون للاستغلال والابتزاز

صورة

افترض أن اسمك «سومون» تعيش في إحدى القرى الصغيرة في بنغلاديش، يزورك في أحد الايام أحد أقربائك الذي تعرفه منذ الطفولة، يحدثك عن فرصة للتعيين في قطر بوظيفة كاتب، لأنه يعلم أنك طموح ومُجد في عملك، لهذا قدّم اليك هذه الفرصة الوظيفية. ويخبرك بأنه سيتولى أمر جميع الاجراءات من أوراق، واستخراج جواز سفر، واجراء فحص طبي، وانه سيكون ضامناً إذا كنت بحاجة إلى قرض مصرفي، الراتب الموعود هو 400 دولار أميركي في الشهر، ما يعني مبلغاً ضخماً لم تكن تحلم به في حياتك.

لقد سمعت بالطبع، عن الكثير من مثل هذه القصص. ولكن هذا صديق قديم، يذهب أطفاله مع أطفالك إلى المدرسة، ويعمل لدى الحكومة المحلية، ويريد مساعدتك، هذه بداية جيدة، تحمل معها الأمن المالي، ومستقبل أفضل لعائلتك، ومن دون ذلك ستبقى في قريتك لتشيخ ببطء.

لذلك ليس أمامك سوى التوقيع. هناك رسوم توظيف طفيفة يتعين دفعها، بالإضافة إلى رسوم ارشادية، والفحص الطبي والتأمين. سوف تضطر الى بيع جزء من الارض التي تملكها، وتستخدم بعض المدخرات الخاصة بك، وتعتمد على أسرتك الممتدة من أجل الدعم، وتقترض بعض المال بضمان ايراداتك المستقبلية. انها خطوة كبيرة لتغيير حياتك، ومع راتب جيد ستكون قادراً على إرسال المال لأبنائك في غضون بضعة أشهر.

للأسف، عندما تهبط في الدوحة، تتحول نقاط الهدف قليلاً. ويظهر هذا جلياً عندما تتسلم خوذة و«جاكيت»، وتصدر اليك التعليمات للذهاب لموقع بناء عند الساعة السادسة، صبيحة اليوم التالي، ولن تعمل ككاتب في مكتب، كما كنت تحلم من قبل، وإنما كعامل بناء في استاد رياضي. وأيضاً، من قال لك إن الراتب يعادل 400 دولار شهرياً، بل ربما يكون 200 دولار في الشهر. وتندهش عندما تكتشف أن رسوم الاستقدام ليست 200 دولار، كما تم عليه الاتفاق من قبل، وإنما 2000 دولار، بالإضافة إلى كلفة رحلتك إلى قطر. وعند وصولك يتم استلام جواز سفرك لكي لا تتمكن من الهرب. وقبل أن تتمكن حتى من إنهاء عملك في اليوم الأول، تكون مديناً لمخدومك ما يعادل أجرة عامين.

اغتراب واستغلال

التجريد لن يحدث

هل يمكن تجريد قطر من استضافتها لكأس العالم 2022؟ للأسف لا يمكن ذلك، لأن تجريد قطر من الاستضافة كان من المفترض أن يحدث في السنوات السبع الماضية، وليس الخمس المتبقية.

ونستطيع أن نقول إن الاتحادات الكروية هي المستفيدة من استضافة قطر لكأس العالم، فبمجرد أن تأخذ «فيفا» نصيبها، تتدفق الإيرادات التي يحققها كأس العالم مرة أخرى في اللعبة من خلال الاتحادات الكروية الأعضاء فيها. وهذا يعني أن اتحاد كرة القدم يستفيد مالياً من كأس العالم في قطر، على افتراض تأهل إنجلترا. هذه الأموال ستذهب إلى اتحاد كرة القدم المحلي، والنادي المحلي، والملاعب المحلية.

الشيء الآخر هو القوة الناعمة القطرية في كل مكان تذهب اليه، خصوصاً إذا كنت تعيش في مدينة كبيرة مثل لندن أو نيويورك. وإذا كنت تتسوق في سينسبري، أو تسافر على طيران الخطوط الجوية البريطانية، أو تملك حساباً لدى بنك باركليز، فإنك تقوم بتمويل الدولة القطرية بشكل غير مباشر. وإذا كنت تشاهد الدوري الممتاز أو دوري أبطال أوروبا، فإنك تشاهد لعبة سمنها ودعمها المال القطري، سواء كان المنتج عبارة عن استثمار مباشر في باريس سان جيرمان على شكل لاعبين، مثل نيمار، أو ببساطة سوق تضخم بشكل غريب بسبب الأموال التي تم ضخّها إليه.


• العمال المهاجرون في قطر يواجهون تمييزاً منهجياً وصريحاً، حتى عندما يكونون خارج مكان العمل.

وهكذا فجأة تكون قد سقطت في عالم غريب من الاغتراب والاستغلال، وساعات طويلة من العمل، وكسر ظهر في حر يشوي الأجساد، لتعمل 12 ساعة في اليوم، ستة أيام في الأسبوع. وفي الليل تنام على سرير قذر بطابقين. واذا كنت تتسلم راتبك في ميعاده على الأقل ستكون واحداً من المحظوظين. وعندما تتحدث مع العمال المهاجرين الآخرين الذين يقطنون أحد المخيمات المؤقتة العديدة المنتشرة حول ضواحي الدوحة، ستكتشف أن عمالاً آخرين لديهم نقود محتجزة لمدة شهرين، وأحياناً ستة أشهر.

إنه عالم من عدم الاستقرار والمهانة. زملاء العمل يختفون بسرعة، ويتبخرون في غضون دقائق ويموتون تحت بطانية سميكة، ويعتبرون «غائبين» ويختفون عن العيان الى الأبد. إذا حاولت زيارة أحد مراكز التسوق في يوم عطلة، سيرمقك أحد حراس الأمن بازدراء، ويخبرك أن هذا «مكان عوائل» ويصطحبك خارج المجمع التجاري، أنت لست عاملاً على الإطلاق، ولكنك أجير مملوك، ومقيد بعقد، وفي حقيقة الامر، أنت لا تبني ملعب كرة قدم وإنما تبني مذبحاً.

لاشك أنك تدرك أن «كأس العالم 2022» هي شيء سيئ. وقد تكفل بتأكيد ذلك طوفان التغطية الصحافية السلبية على مدى السنوات السبع الماضية، الذي تحدث عن فوز قطر باستضافة هذه الكأس. ومع ذلك، فإن «كأس العالم 2022» من المحتمل أن تكون أسوأ من ذلك.

إن عدم وجود وجوه بشرية حقيقية يمكن أن تروي لنا هذه القصة هو ما جعلني ابتكر شخصية سومون، والذي هو عبارة عن شخصية وهمية، ولكن قد تكون قصته قد حدثت بالفعل وتحدث اليوم وغداً.

أسباب مجهولة

الأسبوع الماضي، أصدرت منظمة «هيومن رايتس ووتش» أحدث تقاريرها عن أوضاع العمال المهاجرين في قطر، وكشفت أن اللوائح الخاصة بحماية العمال من الحرارة والرطوبة لاتزال غير كافية. وقد تبين أن الآلاف من العمال المهاجرين يلقون مصرعهم في مشروعات البناء كل عام، ولكن من الصعب التأكد من كيفية وفاتهم، وعدد المتوفين منهم، لأن قطر لم ولن تخبرنا عن ذلك، أو تجري فحوص ما بعد الوفاة. الوفيات القليلة التي كشفت عنها رسمياً وصفت أسبابها بأنها «غير معروفة» أو «أسباب طبيعية» أو «سكتة قلبية»، ما يعطي الانطباع بأن المسألة ببساطة جزء من دورة الحياة العادية، «هكذا ماتوا، حسناً؟ هذه الأمور تحدث».

وظلت منظمة «هيومن رايتس ووتش» تؤكد على هذا النوع من الامور لسنوات عدة، مشيرة بصبر إلى الوسائل التي تحاول بها البلاد مقاومة الرقابة الخارجية، ووعود الإصلاحات التي إما لم تنفّذ أو تم تطبيقها فقط على جزء صغير من العاملين فعلاً في استاد كأس العالم. إلا أن تقريرها الأخير أثار بالكاد سخطاً طفيفاً، ويبدو أن ردة فعل البعض لا تعدو أن تكون سوى «إنها مجرد قصة أخرى عن قطر، نعم، إنه أمر فظيع»، وهكذا على مر السنين، تراجعت فظائع «كأس قطر 2022» لتختفي أسفل رادار العواطف، وتبتلعها أمور جديدة سيئة ومثيرة. أحد أهم الأسباب التي لا تجعلنا نرى، أو حتى نسمع عن ضحايا التعسف القطري، هو أنه من الصعب الحصول على هؤلاء الضحايا.

في مارس من العام الماضي، زار وفد من الأمم المتحدة قطر للتحقق من التقدم، والتحقيق في ظروف العمل، وتجول بشكل عام حولها. وتحدث إلى عامل بناء نيبالي، كان لديه درجة من الدقة والصدق في الإجابة عن أسئلة الوفد. وتم طرد العامل تعسفياً من عمله، وطلب منه مغادرة البلاد في أول طائرة، واثناء توجهه الى المطار في طريق العودة الى بلاده، أدرك أحدهم أن هذا العامل طالما لم يعد لديه كفيل، فينبغي الزج به في السجن. ولهذا السبب تم إلقاؤه في السجن.

هناك شيء يدفعنا لكي نعزو كل ما يحدث إلى السوق الرأسمالية البسيطة، الجشع. ويمكننا القول إن الأغنياء يستغلون الفقراء منذ فجر التاريخ. ولكن أن نَصِف كأس العالم في قطر ببساطة بأنها فضيحة حقوق عمال، فإن ذلك سيكون بمثابة مبرر لنا للتخلص من هذا المأزق. ولكي نفهم السبب، فإننا نحتاج إلى فهم التركيبة السكانية في قطر.

مخاوف متأصلة

قبل 50 عاماً، كان بإمكاننا حشد جميع سكان البلاد في واحد من استادات قطر الجديدة الضخمة. ويبلغ عدد سكان قطر حالياً 2.6 مليون نسمة، منهم نحو 90% من العمالة المهاجرة. وبالنسبة للمواطنين القطريين، الذين يسيطرون على مفاصل الأمور، والذين هم أيضاً أقل عدداً من جميع السكان، يتمثل خوفهم الدائم في أن يتحد ويتآمر عليهم السكان القادمون من الخارج ويحتشدون ضدهم، وهذا ربما يفسر سبب خوف المواطنين من أي نوع من العمالة المنظمة، حيث ينظرون الى ذلك على أنها قضية أمن قومي. وهذا يفسر التمييز المنهجي والصريح جداً الذي يواجهه العمال المهاجرون، حتى عندما يكونون خارج مكان العمل.

وقد تم تصنيف بعض المواقع في الدوحة: الأسواق، ومراكز التسوق، وساحات البلدة، على أنها «مناطق عائلية»، في الواقع، للسكان المحليين والغربيين فقط. ويقوم حراس أمن مسلحون بدوريات في هذه المناطق، يصطحبون الى المخارج كل من يبدو من ملامحه بأنه من جنوب آسيا.

ويحظر على الوافدين حتى العيش في مناطق معينة. وقبل بضع سنوات، اقترح المجلس البلدي المركزي في البلاد تسمية يوم الجمعة، الذي يعتبر يوم العطلة الوحيد لمعظم العمال، بـ«يوم الأسرة» يحظر خلاله على غير القطريين دخول العديد من مراكز التسوق الشعبية في البلاد.

وببساطة، هذه هي الدولة التي ستحتضن، في غضون خمس سنوات، أكبر تجمع كروي على الأرض. وستكون «كأس العالم 2022» مبنية على جثامين آدمية لتدعم معنوياً مجتمعاً مؤسساً على أبشع أنواع العنصرية في العالم. وتستغل مقامرة قطر استغراق العالم الأوسع في مشكلاته الخاصة، ولن يعبأ بما فيه الكفاية لوضع حد لهذه المغامرة. إنها مقامرة فازت بها البلاد.

تويتر