يتحول من تنظيم متمرّد إلى مجموعة إرهابية

خلافاً لتوقّعات خبراء.. القضاء على «داعش» سابق لأوانه

صورة

قبل ما يزيد قليلاً على الثلاث سنوات برز تنظيم «داعش» بعنف على مسرح الأحداث الدولية، عندما استطاع أن يستولي على مساحات واسعة من الأراضي في أجزاء من العراق وسورية، وعلى الرغم من أن الحملة لمواجهة هذا التنظيم قد حققت تقدماً كبيراً، إلا أن جميع التوقعات بزواله النهائي سابقة لأوانها، وأن ما يشهده العالم في هذه اللحظة في ما يبدو انهزام لـ«داعش» إنما هو عبارة عن مرحلة انتقالية للتنظيم، أو على غرار كثير من التحليلات، مرحلة تحوّل من تنظيم متمرد، له رئاسة ثابتة، إلى شبكة إرهابية سرية متفرقة في جميع أنحاء المنطقة والعالم.

الاستراتيجية الصحيحة

الاعتراف بانتقال «داعش» من منظمة مسلحة إلى شبكة إرهابية أمر بالغ الأهمية، لأنه سيحدد صياغة الاستراتيجية الصحيحة، وتخصيص الموارد المناسبة اللازمة للقضاء عليه وهزيمته في نهاية المطاف. وبما أن التمرد والإرهاب ليسا على المستوى نفسه فإن أهداف مكافحة التمرد وأهداف مكافحة الإرهاب مختلفة أيضاً. وتتطلب مقاربات محاربة العدو عالي التكيّف مزيجاً من الأدوات المختلفة، التي تتمثل في أدوات عسكرية وشرطية ودبلوماسية واقتصادية لمواجهة فعالة لعنف «داعش» المتحول.

• يستطيع الإرهابيون القيام بهجمات بمجموعات صغيرة من الأفراد، ونادراً ما يتمسكون بالمناطق، وإذا فعلوا ذلك، فإن ذلك يدوم لفترة قصيرة جداً من الزمن.

• يُحتمل أن يركز جزء من استراتيجية «داعش» المنقحة على تخطيط وتنفيذ هجمات رئيسة في الغرب، وجزء آخر على السعي لاسترعاء الانتباه، وإثبات أن المجموعة لاتزال بكامل قوتها.

من الإقليمية إلى العالمية

استطاعت قوات الأمن العراقية طرد واقتلاع مقاتلي «داعش» من المدن الرئيسة التي يسيطر عليها، بما في ذلك الفلوجة والرمادي وتلعفر، وأخيراً الموصل، والتي كان يتخذها التنظيم قواعد أساسية لعملياته على مدى السنوات الثلاث ونصف السنة الماضية. وفي سورية أعلنت قوات سورية الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة بأنها استعادت ما يقرب من 80% من الرقة، مقر «داعش» ودعامة ما يسميه بدولة الخلافة. وفي الأسابيع الأخيرة، ظل الجيش الروسي والقوات الموالية لنظام الرئيس السوري، بشار الأسد، يقاتلان للاستيلاء على دير الزور، أحد المعاقل المهمة للتنظيم في سورية، والتي تمثل موقعاً استراتيجياً لـ«داعش» على الحدود العراقية يستخدمها مركزاً لوجستياً مهماً لتهريب التعزيزات.

قوة الزخم

ليس هناك من شك في أن القوة المناهضة لـ«داعش» تمتلك حالياً الزخم، وكثير من الضربات الجوية الأميركية تدمر باستمرار أهداف «داعش»، والتي تستهدف مجموعات من المقاتلين في أوضاع قتالية صعبة مع خيارات ضئيلة للهروب. ووصف الخبير العسكري الأميركي، العميد أندرو كروفت، أوضاع قيادة مقاتلي «داعش» في هذه الحالة، من مرحلة القتال، بأنها «أكثر تفككاً، وأقل قوة، وأنها واهية ومتفرقة»، كما أن هناك تقارير عن سخط ومعارضة واقتتال بين صفوف التنظيم، وتدنّي في الروح المعنوية في التنظيم، في الوقت الذي فشل فيه مشروع دولته، وبرز هذا الفشل للعيان ليراه الجميع.

واضطر «داعش» إلى تغيير استراتيجيته وتكتيكاته، لكنه بدأ يعد نفسه بشكل استباقي للمرحلة المقبلة من الصراع. وباختصار، فإن هذا التنظيم في مرحلة الانتقال من منظمة متمردة إلى جماعة إرهابية. يستطيع الكيان المتمرد أن يحتل الأرض ويتمسك بها، ويمارس السيادة على السكان، ويشكل في العلن وحدات مسلحة، ويمكنه أن يحشد الجماهير. في المقابل، لا يمكن للتنظيم الإرهابي أن يفعل أياً من هذه الأشياء. وبدلاً من ذلك، يستطيع الإرهابيون القيام بهجمات بمجموعات صغيرة من الأفراد، ونادراً ما يتمسكون بالمناطق، وإذا فعلوا ذلك، فإن ذلك يدوم لفترة قصيرة جداً من الزمن.

العنف أقل تركيزاً وأكثر تشتتاً

ونتيجة لهذا التحول فإن العنف الذي من المتوقع أن يمارسه «داعش» سيصبح أقل تركيزاً وأكثر تشتتاً. وستستمر هذه المجموعة في العمل تحت الأرض في المناطق الصحراوية في شرق سورية، وغرب العراق، في المستقبل المنظور، بالاعتماد على تكتيكات حرب العصابات الكلاسيكية، مثل القنص والكمائن، وهجمات الكر والفر، وتفجير القنابل، والاغتيالات.

ولا يمكن تحقيق الخلاص بشكل دائم من تنظيم «داعش» في المنطقة، إلا بالاستعانة بقوات الأمن المحلية المختصة، بما في ذلك الشرطة والجيش، القادرة على العمل بين الجيوب السنية في العراق وسورية. وهذه الأنواع من الوحدات معدومة تماماً في سورية، وبما أنها موجودة في العراق، إلا أنها في كثير من الأحيان طائفية في طبيعتها، وبالتالي تصبح بالكاد فعالة في المدى القصير، وتأتي بنتائج عكسية على المدى الطويل. بيانات الاقتراع الأخيرة في العراق تشير إلى أن 22% من السنة العراقيين، لا يثقون بالحكومة ويشكون في أنها تتعامل معهم كما تتعامل مع الشيعة العراقيين، وهي بداية متشائمة لمستقبل علاقات حميمة، ومن المحتمل أن تشكل هذه الظاهرة الأرض الخصبة لتصاعد نفوذ «داعش».

وسيؤدي انتقال «داعش» من التمرد إلى الإرهاب، إلى تحويل موارده لتعزيز عملياته القائمة حالياً في أفغانستان وليبيا واليمن وشبه جزيرة سيناء في مصر. كما سيسعى التنظيم الى الحصول على موطئ قدم له في دول أخرى فاشلة، ومناطق غير خاضعة للسيطرة تتعاطف مع أيديولوجيته امتداداً من شمال القوقاز إلى جنوب شرق آسيا.

بعد عام من خسارتهم في مدينة سرت، في ليبيا، بدأ مقاتلو «داعش» يعيدون تنظيم صفوفهم في خلايا سرية أصغر في كل أنحاء البلد، من صبراتة وبني وليد في الشمال، إلى أوباري وغات جنوباً. وفي أفغانستان، وسّع تنظيم «داعش» من شبكته العام الماضي لشن هجماته، حيث ادّعى مسؤوليته عن عدد من الهجمات، بما في ذلك هجوم انتحاري على مسجد شيعي في كابول أواخر أغسطس. كما تتزايد أنشطته الإرهابية في الجزء الشمالي من شبه جزيرة سيناء في مصر، على الرغم من جهود حكومة الرئيس المصري، عبدالفتاح السيسي، في مكافحة الإرهاب. وفي منتصف سبتمبر قتل «داعش» 18 شرطياً في هجوم بسيارة في سيناء. ونفذ التنظيم هجمات في مناطق بجنوب شرق آسيا، حيث خاضت القوات الموالية للتنظيم حملة دموية ضد قوات الأمن الفلبينية في مراوي، وانتشرت مراكز تجنيد «داعش» في المدارس الإسلامية في إندونيسيا.

ومن المحتمل أن يركز جزء من استراتيجية «داعش» المنقحة على تخطيط وتنفيذ هجمات رئيسة في الغرب، وجزء آخر على السعي لاسترعاء الانتباه، وإثبات أن المجموعة لاتزال بكامل قوتها. ولتحقيق هذه الغاية، قد يعتمد «داعش» بشدة على تركيا كمركز للخدمات اللوجستية، مستغلاً القرب الجغرافي لأوروبا، وكمعبر لتسلل ميليشياته الى البر الرئيس للقارة الأوروبية. في شهر مايو وأغسطس الماضيين، تضاعف عدد الهجمات الإرهابية التي نفذها «داعش» في أوروبا، وهو دليل آخر على أن التنظيم ينتقل من مرحلة التمرد الى مرحلة الإرهاب.

من المرجح أن يستمر «داعش» في استخدام الاتصالات المشفرة لتنفيذ الهجمات الإرهابية في الخارج، حتى في مرحلة تحوله إلى كيان أقل مركزية. وقد يكتسب هذا العنصر الافتراضي أهمية كبرى في الوقت الذي يحض فيه «داعش» أتباعه في جميع أنحاء العالم على تنفيذ أعمال عنف باسمه، إلى أن يتمكن من استعادة خلافته في وقت لاحق في المستقبل. ويجب على الحكومات أن تتصدى للتنظيم باستراتيجية شاملة لمكافحة الإرهاب، تتضمن مزيجاً من المبادرات السياسية، بدءاً من زيادة تبادلها للمعلومات مع وكالات الاستخبارات والأمن الممولة جيداً، والبرامج التي تركز على مكافحة التطرف.

الفشل الناجح

أشار خبيرا الإرهاب، تشارلي وينتر، وهارورو أنغرام، أخيراً، إلى أن «داعش» درج في الآونة الاخيرة على الادعاء بأن فشله هو عبارة عن نجاح، حيث إن فرضيته في هجوم بارسون غرين في لندن في 15 سبتمبر بأن المجموعة لم تفشل عندما لم يقضِ التفجير على أي من الركاب، وإنما كان «داعش» قادراً على أن يضرب المملكة المتحدة للمرة الرابعة في غضون ستة أشهر. ويبدو أن الغرب قد فشل فشلاً ذريعاً في معركة الدعاية، حيث إنه سمح باستمرار للتنظيم والجماعات الإرهابية الأخرى بالإمساك بالمبادرة، للترويج لنفسه وإطلاق الرسائل.

تويتر