Emarat Alyoum

الاتفاق النووي.. فترة راحة لإيــران تساعدها في فرض نفسها قوة نووية

التاريخ:: 04 أكتوبر 2017
المصدر: ترجمة: حسن عبده حسن عن «ذي ناشونال إنترست»
الاتفاق النووي.. فترة راحة لإيــران تساعدها في فرض نفسها قوة نووية

تبدأ نقطة البداية لأي تقييم للاتفاق النووي الإيراني، أو ما يعرف «بخطة العمل الشاملة المشتركة» من الاعتراف بأن إيران تظل مصممة على تحقيق أهدافها النووية، وأن الاتفاق النووي الإيراني لن يمنعها من تحقيق هذه الأهداف النووية. وفي حقيقة الأمر، إذا كان المجتمع الدولي يعتقد أن الاتفاق «ناجح»، فإن ذلك سيمنح إيران ما تحتاج إليه بشدة، وهي فترة من الراحة من أجل تعزيز قوتها الاقتصادية، وتقوية نفسها إقليمياً، وفرض نفسها في العالم النووي. وإذا تركت إيران لوحدها دون رقيب، بعد انتهاء مدة الاتفاقية، فإنها ستكون في موقف أفضل بالنسبة لها كي تندفع باتجاه صنع السلاح النووي، على نحو أقوى مما كانت عليه قبل إبرام الاتفاق.

الحيلولة دون تحقيق الهدف

ينبغي أن تركز سياسة إدارة ترامب في ما يتعلق بإيران على منعها من التقدم ببطء للوصول إلى هدفها النووي. وينبغي أن يتوقف جزء من هذه السياسة على إيضاح أن الاتفاقية لن تفيد في إيقاف إيران عن هدفها إذا أحجم الأميركيون عن رفضها وكشف ضعفها أو إذا اعتقدوا أنها ناجحة. ويتمثل العنصر الأهم في السياسة إزاء إيران في الضغط الكبير والرد بقوة على جميع استفزازات السلوك الإيراني، سواء كان ذلك في الشرق الأوسط أو عن طريق الخداع في التزامها النووي.

وبالطبع ينبغي إرسال رسالة متواصلة وقوية الى إيران طالما أنها تواصل العمل من أجل امتلاك السلاح النووي والقدرات الصاروخية، إضافة الى تعزيز وجودها في منطقة الشرق الأوسط. وينبغي مواجهة ادعاءات ايران بأنها بريئة وأنها لم ترتكب أي خطأ. ويجب أن تدرك إيران أنه ليس هناك من يتعاطف معها في واشنطن، وأن الإدارة الأميركية تفهم كيف أن ايران تتلاعب بالمجتمع الدولي بمنحه إحساساً زائفاً بالأمن، في الوقت الذي تستعد فيه لليوم الذي تصنع فيه السلاح النووي.

فرض الضغوط

يجب على الولايات المتحدة الرد على إصرار إيران على التصرف بشكل مستفز، إما بالكلام أو بالفعل. وعليها أن تفرض الضغوط على كل تصرف تقوم به إيران بغية استعادة قوة الردع الأميركية إزاء إيران، بدلاً من سلوك الترضية في التعامل مع تصرفاتها الاستفزازية الإقليمية التي سببت أضراراً كبيرة لقدرة الولايات المتحدة على الردع خلال سنوات إدارة الرئيس أوباما، نتيجة رفض الرجل الرد على كل تصرفاتها الاستفزازية. وكان عدم الرد من قبل الولايات المتحدة يعتبر بمثابة ضعف من قبل إيران.

وكلما أصبحت إيران اكثر قوة، من الناحية الاقتصادية والإقليمية وفي ما يتعلق ببنيتها التحتية النووية، ازدادت صعوبة منعها من الحصول على السلاح النووي، اذ إنه لن يكون هناك الكثير الذي يمكن القيام به نحوها إذا امتلكت السلاح النووي.


إيران تدرك أن الدول الغربية معرضة لعملية خداع الذات، خصوصاً إذا كانت مقتنعة بأنها ستحقق بعض المكاسب على المدى القصير.

تجاهل المشكلات

ويدعي أنصار اتفاق إيران النووي، أنه ناجح جداً، ويمنع طهران من صنع السلاح النووي. ولكنهم من خلال هذا الادعاء يتجاهلون كل الأخطاء الموجودة فيه، والمشكلات التي اعترته منذ اليوم الأول، وعدم الاهتمام بالعدوانية المتزايدة للنظام الإيراني في المنطقة. ويستخف مؤيدو الاتفاق بحقيقة أنه نظراً إلى أنه ليس سيئاً من وجهة نظر إيران، فليس هناك في واقع الأمر أي سبب يدعو النظام الإيراني لانتهاك أي من شروطه صراحة. وهم يصرون على أن «الاتفاق ناجح» لوحده على أساس عملية تأكيد امتثال إيران لبنوده، وهم يبعثون برسائل مضللة جداً عندما يساوون بين امتثال إيران للاتفاق ونجاحه. وإضافة لذلك، فإن أنصار الاتفاق لا يزعجهم أن إيران كانت مخادعة في ما يتعلق باتفاقية منع انتشار السلاح النووي، وبالتزاماتها بعدم العمل في برنامجها النووي، وأن النظام الإيراني كذب مرات عدة بشأن انتهاكاته السابقة لهذه الالتزامات. وهم يتجاهلون أن «خطاب البراءة» الذي تستغله إيران دائماً، يساعدها على تجنب المواجهة ودفع ثمن أفعالها. وأن هذا الخطاب عمل كقاعدة تسمح بمنح طهران حقوق السرية في التعامل مع المنظمة الدولية للطاقة النووية، في الوقت الذي لا يوجد أي مبرر يسمح بحصول طرف ينتهك بوقاحة قوانين المنظمة الدولية على هذه الميزة.

وفي حقيقة الأمر، فإن أنصار هذا الاتفاق يتجاهلون السياق الشامل لتقييم سلوكيات إيران فيه، حيث يختصرون كل شيء في مسألة المصادقة على أن إيران ملتزمة بها. وهم يتجاهلون حقيقة أن هذه المصادقة ليست من اختصاصات منظمة الطاقة الدولية. وبالنسبة لهم إذا قالت منظمة الطاقة الدولية، إن ايران لم تقم بأي انتهاكات صارخة للاتفاق النووي، فإن الأمور تسير على ما يرام، وأن إيران لا يمكن أن تصبح قوة نووية.

ترهات

ولكن ذلك عبارة عن ترهات غير منطقية، وهي موسيقى تلائم آذان قادة النظام في طهران، ومن وجهة نظر إيران فإن ما يهمها هو كيفية تحسين وضعها للتحرك نحو إنجاز صناعة السلاح النووي، على الرغم من الاتفاق النووي. وتدرك إيران أن الدول الغربية معرضة لعملية خداع الذات، خصوصاً إذا كانت مقتنعة بأنها ستحقق بعض المكاسب على المدى القصير. وبناء عليه فإن النظام الإيراني ينكر دائماً ارتكابه لأي عمل خاطئ. ويطلق الإيرانيون بيانات جريئة بشأن تعاون إيران الممتاز، ولكنهم في الوقت ذاته يواصلون التقدم نحو كل الجبهات غير المشمولة بالاتفاق. وهذه النشاطات بصورة خاصة مثل اختبار الصواريخ «أي آلية حمل الأسلحة النووية الى أماكن بعيدة» وتعزيز وجودها ونفوذها الإقليمي، سيساعد إيران على أن تصبح نووية في وقت لاحق.

وخلال الفترة ما بين 2015 و2017، وإضافة إلى اختبارات الصواريخ، صعدت ايران من حملتها العسكرية في سورية بما فيها ارتكابها لجرائم حرب ضد المدنيين السوريين ومحاولاتها انشاء وجود جديد لها بالقرب من إسرائيل، إضافة إلى تسليم أسلحة محظورة إلى «حزب الله».

وأما بالنسبة لعام 2017، بدأت إيران انشاء مصانع أسلحة في لبنان وربما في سورية أيضاً. وتعتبر إيران متورطة في حرب اليمن، كما أنها تسلح وتدرب المتمردين الشيعة في البحرين، وتقوم إيران الآن بالتحرش بالزوارق العسكرية التابعة للبحرية الأميركية في الخليج العربي بصورة متكررة. وفي الفترة التي كان فيها الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما في السلطة، لم توجه إدارته أي انتقادات لإيران، بل إنها كانت تؤكد أن إيران تقف على أرضية صلبة وملتزمة بالاتفاقية، لأن كل هذه السلوكيات التي تقوم بها ليست جزءاً من الاتفاقية. وأما في ما يتعلق بالأوروبيين لا يهمهم مطلقاً سلوك إيران طالما أنهم يستطيعون التجارة والعمل معها.

الجبهة النووية

وأمّا على الجبهة النووية، وجدت إيران أنها تستطيع أن تختبر صبر الآخرين وتفعل ما تريد دون المبالغة في ذلك. وبالطبع ليس لديها أي سبب يدفعها إلى انتهاك اتفاقية تمنحها الوقت لبناء البنية التحتية النووية وتعزيز وجودها على الصعيدين الاقتصادي والإقليمي، وكل ذلك مقابل تنازل بسيط قدمته لإعفائها من العقوبات المفروضة عليها، التي هي بأمس الحاجة للتخلص منها.

ومن الواضح أن ثمة حاجة ماسة لتغيير التعامل مع إيران، وقدمت إحدى المطبوعات النصيحة لإدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، حول كيفية التخلص من الاتفاق النووي السيئ. وعلى الرغم من أن العديد من الأشخاص يدافعون عن تجاهل الاتفاق، إلا أن رأيي في الموضوع سيئ جداً بمدى سوء الاتفاق ذاته، فأنا أرى أن التخلي عنها سيكون بمثابة خسارة للولايات المتحدة، في هذا الوقت المتأخر جداً. ومن المنطقي أكثر إبقاء هذه المشكلة التي ورثتها إدارة ترامب، مع تغيير كل شيء آخر يتعلق بتعامل أميركا مع إيران.

وأمّا ما يتعلق بالاتفاقية بحد ذاتها، فيتعين على الإدارة الأميركية بذل كل جهد ممكن لإقناع أعضاء مجموعة الدول «5+1»، التي وقعت الاتفاق مع إيران، من أجل توضيح وتغيير بعض القضايا المرتبطة مباشرة به. وتتضمن هذه الجهود، فتح سجل إيران صراحة، والاتفاق على أنها انتهكت اتفاقية منع انتشار الأسلحة النووية «استناداً إلى تقرير منظمة الطاقة النووية المنشور في ديسمبر 2015». وبالنظر إلى أن ثمة تأكيدات كبيرة على أنها مارست الخداع في ما يتعلق بالتزاماتها، فلا يمكن الوثوق في ايران بعد الآن، كما أنها غير مخولة للحصول على أي تعامل بحقوق السرية خصوصاً مع منظمة الطاقة الدولية، وبالتأكيد ليس في هذه المرحلة. وإضافة إلى ذلك، فإن الولايات المتحدة لا يمكنها قبول مواد هذا الاتفاق بصورة غير مشروطة، إذا لم يكن هناك تغيير في سلوك إيران وتعاملاتها.

الإصرار على الشفافية

ويتعين على الولايات المتحدة الإصرار على الشفافية والمزيد من التفاصيل في ما يتعلق بتقارير منظمة الطاقة النووية الدولية، إضافة إلى الصراحة الكاملة في ما يتعلق بمداولات وقرارات اللجنة المشتركة التي تتعامل مع إيران. ويتعين عليها أن تصر على توضيح كل ما هو غامض في الاتفاق، خصوصاً في ما يتعلق بمواد الاتفاق المتعلقة بشروط التفتيش في المواقع العسكرية. وحسب التقارير الأخيرة، فإن المنظمة الدولية للطاقة النووية لم تفتش العديد من المنشآت العسكرية المثيرة للشبهات، ربما بسبب رفض إيران أو أن المنظمة ذاتها رفضت طلب التفتيش خوفاً من أن ترفض إيران. وبالطبع هذا غير مقبول، وثمة حاجة الى النظر في المعلومات الاستخباراتية الألمانية، والمتعلقة بمحاولات إيران التحايل على شروط مجموعة المشتريات العاملة، والتوصل لصيغة تنسيق أمني يتعلق بالتعاون الإيراني مع كوريا الشمالية في مجال الأسلحة غير التقليدية، خصوصاً على ضوء التطورات الأخيرة التي حدثت في كوريا الشمالية.

في الأسابيع الأخيرة التي سبقت تقديم إدارة ترامب لسياستها نحو إيران، واجهت حملة متصاعدة يشنها أنصار الاتفاق ضد أي إجراءات قاسية، يمكن أن تتخذها الإدارة للتعويض عن الضعف والثغرات الموجودة فيه، وبناء عليه، فإن تغيير أسلوب التعامل مع إيران، يستدعي أيضاً تكريس الوقت والطاقة للتأثير في الجدل الداخلي الأميركي، بهدف تغيير الخطابات التي ظهرت إبان إدارة أوباما. ولاتزال الجوقة التي تشكلت إبان حكم الإدارة السابقة لدعم الاتفاقية، تواصل نشر خطابها بين أنصار الاتفاق.وإضافة إلى ذلك، فإن الإدارة يجب أن تكون واضحة تماماً في أنه ليس هناك أي تبرير لرسم خط بين نشاطات إيران النووية وباقي سلوكياتها السيئة، إذ لا يمكن التعامل مع الموضوع النووي وسلوكيات إيران الإقليمية بصورة منفصلة. وبالطبع فإن إيران القوية والجريئة ستكون مجهزة بشكل أفضل من أجل المواجهة الناجحة مع الجهود الدولية اللازمة للجمها، الأمر الذي سيسهل لها الطريق لامتلاك السلاح النووي، وبناء عليه يجب على الولايات المتحدة الرد على إصرار إيران على التصرف بشكل مستفز، إما بالكلام أو بالفعل، وعليها أن تفرض الضغوط على كل تصرف تقوم به بغية استعادة قوة الردع الأميركية إزاء طهران.

الآن وقت الضغط

والوقت الأمثل للضغط على إيران هو الآن، وفوراً، وليس من الصحيح أن يتم دائماً اللجوء الى الخيار العسكري إذا فشلت كل الأساليب. والواقع أن الخيارات لا تظل ثابتة لأن السياسة الدولية متحركة دائماً، ويعتبر حجم البنية التحتية النووية، وهوية صانعي السياسة في واشنطن وحضور وقوة إيران الإقليمية وقدرة لاعبين إضافيين لكبح الخيارات العسكرية الأميركية، هي العوامل التي يمكن أن تظهر بصورة تجعل من الخطورة بمكان اللجوء إلى الخيار العسكري الأميركي.

وتظهر حالة كوريا الشمالية بدقة ما يمكن أن يحدث عندما تؤدي الدبلوماسية الضعيفة الى إنتاج اتفاقيات، لا تعكس حدوث تغير كامل من ناحية الطرف الذي يحاول امتلاك السلاح النووي، وهذا المثال يجب أن يظل يذكرنا بصورة مستمرة، كي لا نكرر الأخطاء ذاتها التي ارتكبناها مع كوريا الشمالية في إيران.

وتظل إيران دولة خطرة ومصممة على امتلاك السلاح النووي، فقد عملت على خداع المنظمة الدولية للطاقة النووية، وحاولت امتلاك السلاح النووي، ولكنها اضطرت إلى الرجوع الى طاولة المفاوضات، عندما أصبحت العقوبات المفروضة عليها لا تحتمل، وكان هدفها فقط تخفيف هذه العقوبات، ولسوء الطالع، وجدت إيران الطريقة التي تناسبها، وذلك عن طريق التوصل الى اتفاقية تقتضي تقديم تنازلات صغيرة مقابل التخلص من معظم العقوبات.

إيميلي لاندو كبيرة الباحثين في المعهد الوطني للدراسات الأمنية الأميركي.