«الاحتواء الاستباقي» سياسة الصين لتجنب الوصول إلى شفير الهاوية

بكين تحاول التكيف مع «السيناريــــو الكارثي» لأزمة كوريا وواشنطن

صورة

تصاعدت الضغوط الدولية على الصين للتعامل مع التوترات المتزايدة بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية، بسبب التجارب الصاروخية الكورية الشمالية، إذ تفاقمت حدة المواجهة بين بيونغ يانغ وواشنطن، عقب فرض عقوبات دولية على كوريا الشمالية في أغسطس 2017، وتهديد الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بالردع النووي، في مواجهة تهديدات الرئيس الكوري الشمالي، كيم جونغ أون، باستهداف جزيرة جوام الأميركية بالصواريخ البالستية.

احتواء الضغوط

تتبع القيادة الصينية سياسة «الدبلوماسية الهادئة» في مواجهة الضغوط الدولية في الأزمة الكورية، على الرغم من اتباع الصين سياسة «التعامل مع كل الاحتمالات» بما فيها السيناريو الكارثي، وهو ما دفع إلى نشر عدد كبير من قواتها على الحدود مع كوريا الشمالية، تزامناً مع وصول القطع العسكرية الأميركية إلى السواحل الكورية، تحسباً لأي تطورات مفاجئة رغم أن كل الشواهد المحيطة بالأزمة، لا تُرجّح اندلاع الحرب في الوقت الحالي.

وتركز الصين جهودها على إيجاد «حل سلمي»، وتجنب الوصول إلى مواجهة عسكرية بغية عدم التعرض لتأثيراتها المباشرة على أمنها القومي، لاعتبارها كوريا الشمالية «منطقة عازلة»، وخط دفاع أولياً لحماية حدودها بسبب محاصرة حلفاء واشنطن لحدود الصين، خصوصاً كوريا الجنوبية، واليابان، وتايوان، والفلبين، منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية.

وأعلنت الصين منذ البداية رفضها تفاقم الأزمة، وتحولها إلى مواجهة عسكرية بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية؛ حيث أكد وزير خارجيتها «وانج يي» في أبريل 2017 أن الصين «لن تسمح حتى بأن يكون احتمال الحرب 1%»، واتبعت الصين إجراءات عدة لتحجيم الأزمة، يتمثل أهمها في ما يلي:

1 تطبيق العقوبات:

علقت بكين استيراد الفحم من بيونغ يانغ حتى نهاية عام 2017، لإيصال رسالة لكيم برفضها إجراء أي تجارب بالستية تهدد التوازن الإقليمي، ورسالة للمجتمع الدولي بأن الصين مستعدة للتعاون مع القوى الدولية لحل الأزمة.

2 مبادرات الوساطة:

طرحت بكين مبادرة عنوانها «التعليق مقابل التعليق» تنص على تعليق واشنطن وسيؤول التدريبات العسكرية المشتركة في شبه الجزيرة الكورية مقابل تعليق بيونغ يانغ برنامجها النووي وبرنامج الصواريخ البالستية، بهدف التوصل لـ«حل شامل».

3 الاستعانة بالحلفاء:

استعانت بكين بروسيا للإسهام في تهدئة التوترات بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية، ودفع الدولتين لاستئناف الحوار في ما بينهما، وحاولت بكين استغلال التقارب بين الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، والرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في وضع حدٍّ للتصعيد المتبادل.

وعليه يمكننا القول، إنه على الرغم من تمكن السياسات الصينية من وضع حدٍّ للتوترات الكورية - الأميركية بصورة مؤقتة؛ إلا أنها لن تمنع تجدد الصدام بين الدولتين، فالتقدم في برنامج الصواريخ الكورية، والسياسات التصعيدية لكل من الرئيس الكوري كيم جونغ أون، والرئيس الأمريكي دونالد ترامب؛ سيؤديان إلى تجدد التوترات بصورة متتابعة، ما يزيد من حدة الضغوط على الصين، ويدفعها للتفكير في اتباع سياسات أكثر فاعلية لمواجهة تهديدات التصعيد الكوري - الأميركي.

يعتقد الرئيس الكوري، كيم جونغ أون، أن القدرات النووية قوة الردع الوحيدة في مواجهة العالم الخارجي، ويرى أن الدول التي لا تمتلك أسلحة نووية سيكون مصيرها مثل العراق وغيره.

وفي هذا الصدد، تُعد الصين رقماً محورياً في معادلة الصراع الدائر في شبه الجزيرة الكورية؛ إذ تتبنى بكين موقف الدفاع عن كوريا الشمالية، وتحتفظ بعلاقات وثيقة مع النظام الحاكم في بيونغ يانغ، بالإضافة للدعم السياسي والدبلوماسي والاقتصادي، الذي تقدمه الصين لكوريا الشمالية، وهو ما يزيد من حدة الضغوط على الصين للضغط على بيونغ يانغ لوقف سياستها التصعيدية.

التهديدات الكورية

أدى تقدم كوريا الشمالية السريع في تطوير صواريخ بالستية قادرة على الوصول للأراضي الأميركية مزودة برؤوس نووية، إلى تصاعد الضغوط الأميركية على بيونغ يانغ، لاسيما أن واشنطن وجدت نفسها عرضة لخطر التعرض لهجوم بسلاح نووي خلال أقل من عامين، وفقاً لمسؤولين في الاستخبارات الأميركية.

ويستقر في النسق العقيدي للرئيس الكوري، كيم جونغ أون، أن القدرات النووية هي قوة الردع الوحيدة في مواجهة العالم الخارجي، ويرى أون، وفق تصريحاته، أن «الدول التي لا تمتلك أسلحة نووية سيكون مصيرها مثل العراق وغيره»، وتمثلت أهم السياسات التصعيدية لكوريا الشمالية في الآتي:

1- التجارب الصاروخية والعروض العسكرية:

أجرت كوريا الشمالية ثلاث تجارب بالستية عابرة للقارات في عام 2017: الأولى في فبراير 2017، والثانية والثالثة في يوليو 2017، كما كثفت من عروضها العسكرية لاستعراض قوة الردع لديها، وكان آخرها في أبريل 2017 لإحياء الذكرى الـ105 لميلاد مؤسس النظام الشيوعي كيم إيل سونغ.

2- التهديد بضرب القواعد الأميركية:

لوّحت بيونغ يانغ في أبريل 2017 بتوجيه ضربة للقواعد الأميركية في كوريا الجنوبية واليابان، بالإضافة إلى بعض المنشآت الحيوية في كوريا الجنوبية في حال تعرضها لهجوم.

3- خطط ضرب جوام:

أكدت وكالة الأنباء الكورية، في أغسطس 2017، تسلم كيم جونغ من جيشه خطة إطلاق صواريخ تجاه جزيرة جوام الأميركية بالمحيط الهادي، على بعد 3300 كلم من بيونغ يانغ، التي تشكل موقعاً استراتيجياً لواشنطن، يتمركز فيها 6000 جندي، وأضافت: «كيم سيراقب أفعال واشنطن لفترة أطول قبل أن يتخذ قراراً».

التصعيد الأميركي:

تستند إدارة ترامب في موقفها إلى السياسات الكورية الشمالية العدائية تجاه الولايات المتحدة، وتكرار التجارب الصاروخية بصورة استفزازية، بالإضافة إلى دور كوريا في إمداد سورية والعراق وإيران بصواريخ متطورة، ونقل التكنولوجيا النووية إلى دول معادية للولايات المتحدة، مثل إيران والعراق، ما دفع الولايات المتحدة إلى اتخاذ إجراءات عدة للرد السريع على كوريا تتمثل في ما يلي:

1- تحريك قطع عسكرية:

وصلت حاملة الطائرات «كارل فينسن»، ترافقها ثلاث سفن قاذفة للصواريخ «توماهوك»، إلى سواحل شبه الجزيرة الكورية، على بعد 300 ميل فقط من المواقع النووية في كوريا الشمالية، وفي يوليو 2017 اتفقت الولايات المتحدة مع سيؤول على نشر نظام THAAD لمواجهة أي تهديدات صاروخية من كوريا الشمالية، وهو ما قوبل برفض صيني، كون نطاق الرادار الخاص بـ«ثاد» يمكن أن يصل إلى أراضيها، وسيؤدي إلى الإخلال بالتوازن الأمني في شرق آسيا.

2- التلويح بالردع النووي:

أكد الرئيس الأميركي في أغسطس 2017 أن «ضرب جوام سيُعرّض بيونغ يانغ لحدث لم يرَ أحد مثله من قبل»، مستطرداً أن «التحذير الذي أطلقته، بأن بيونغ يانغ ستواجه ناراً وغضباً لم يرهما العالم قط إن هي شنت هجوماً على أميركا، ربما لم يكن صارماً بما يكفي»، وأشار في تصريحات سابقة إلى أن «جميع الخيارات مطروحة، بما فيها الخيار العسكري».

3- فرض العقوبات:

أدت الضغوط الأميركية إلى إقرار مجلس الأمن في أغسطس 2017 عقوبات جديدة بموجب القرار 2381 ضد صادرات كوريا الشمالية، بما فيها الفحم والحديد والزئبق والأطعمة البحرية، ومنع الدول من استخدام العمالة الكورية الشمالية لمخالفتها القرارات الأممية، بتماديها في التجارب الصاروخية والأسلحة النووية.

كلفة التصعيد المتبادل:

تتحمل الصين كلفة اقتصادية وأمنية وسياسية ضخمة، بسبب التوترات المتبادلة بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية، إذ باتت بكين تقوم بدور «الراعي الإقليمي» للنظام الحاكم في بيونغ يانغ، وتتحمل دولياً كلفة ضخمة نتيجة دفاعها عن سياساته في مواجهة الضغوط الغربية. وفي هذا الصدد تتمثل أهم الخسائر التي تتحملها الصين من التصعيد بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية في ما يلي:

1- الخسائر الاقتصادية:

ستتحمل الصين خسائر اقتصادية ضخمة نتيجة التزامها بالعقوبات الدولية المفروضة على بيونغ يانغ، حيث تُعد الشريك الاقتصادي الأول لبيونغ يانغ باستحواذها على 70% من إجمالي حجم التبادل التجاري الكوري الشمالي العالمي خلال عام 2017، وتحتل المركز الأول بين الدول المصدرة للسلاح لكوريا بما يعادل 208.3 ملايين دولار، بنسبة 83% من إجمالي حجم تدفقات السلاح العالمية لبيونغ يانغ.

2- التهديدات الأمنية:

ترى الصين أن انهيار نظام بيونغ يانغ ستترتب عليه موجات نزوح محتملة على طول الشريط الحدودي مع الصين، البالغ طوله 1416 كم، وهو ما يفسر إرسالها قرابة 160 ألف جندي بالقرب من الحدود الكورية الشمالية، على اعتبار أن الجانب الآخر من الحدود يشهد تمركز عشرات الآلاف من الجنود الأميركيين، وهو ما يزيد كلفة تأمين الصين لحدودها مع كوريا، كما ستتصاعد هذه الكلفة في حال حدوث مواجهات عسكرية بين بيونغ يانغ والولايات المتحدة.

3- تحجيم القدرات الصاروخية:

أشار خبراء إلى أن نظام «ثاد» الصاروخي يستهدف الصين بالأساس؛ لأن الكوريتين تشتركان في الحدود، وليست هناك حاجة لاستخدامه، وإنما يكفي إمداد الجنوبيين بالمدفعية أو منظومة صواريخ تتناسب مع المسافة، كما أن «ثاد» مصمم لاعتراض الصواريخ البالستية متوسطة المدى، وهي ما تمتلكه الصين، ومن ثم يبدو أن واشنطن تريد أن تكون لديها قدرة إضافية على المراقبة الرادارية للمجال الجوي فوق شمال شرق الصين؛ حيث تتمركز قواعد الصين التي تحتوي على صواريخ بالستية طويلة ومتوسطة المدى.

4- توتر العلاقات مع واشنطن:

تمارس واشنطن ضغوطاً على بكين بتهديدها بوضع قيود على الاستثمارات الصينية في الولايات المتحدة، أو منع الشركات الأميركية من العمل في الصين، أو فرض عقوبات تجارية ضد منتجي الصلب الصينيين، لدفعها للضغط على بيونغ يانغ لوقف أنشطتها الصاروخية، وليس أدل على ذلك من إبلاغ واشنطن وطوكيو للصين بوجود خيارين لا ثالث لهما: «إما أن تعزز بكين ضغطها، أو تشن واشنطن حربها».ويُرجع المراقبون الضغوط الأميركية على بكين إلى حالة التنافس الاقتصادي، ومخاوف واشنطن من زوال الهيمنة الاقتصادية الأميركية، ببدء بكين في تنفيذ «مشروع طريق الحرير البري والبحري» الذي يربط الصين بأكثر من 57 دولة، وتدشين بنك الاستثمار الآسيوي (AIIB)، وضم اليوان لسلة العملات الدولية، إذ إن كل ذلك يؤثر سلباً في القوة الاقتصادية للولايات المتحدة، ويؤدي إلى وجود عملة دولية منافسة.

تويتر