أكراد يرون أنه الوقت المناسب للاستفتاء.. وآخرون يخشون العواقب

«كردستان العراق» يسعى للاستقلال وسط احتقان إقليمي وانقسام داخلي

صورة

يصوّت الأكراد العراقيون، اليوم، على ما إذا كانوا يؤيدون استقلال إقليمهم في شمال البلاد أم لا، وهو خطوة نحو تحقيق حلمهم بإقامة الدولة الكردية. ومن المؤكد تقريباً أن تكون النتيجة «نعم»، ما يزيد الضغوط على منطقة لاتزال منشغلة بالقضاء على تنظيم «داعش». ولا يعني التصويت بـ«نعم» الاستقلال الفوري للمنطقة الكردية، إذ ليس لدى الاستفتاء قوة قانونية، إلا أن المسؤولين الأكراد قالوا إنهم سيستخدمون نتيجة الاستفتاء للضغط على الحكومة العراقية في بغداد، للتوصل عبر طاولة المفاوضات إلى تقديم طلب الاستقلال بشكل رسمي.

اعتراف دستوري

تأسست حكومة إقليم كردستان الإقليمية، ذات الحكم الذاتي وعاصمته أربيل، عام 1992، بعد أن فرضت الولايات المتحدة منطقة حظر جوى عبر الشمال عقب حرب الخليج. وبعد غزو العراق عام 2003، حصلت المنطقة ذاتية الحكم على اعتراف دستوري. ويقول أحد سكان أربيل، صابر سليم: «آمل أن ينجح الاستفتاء، لقد كنا في الدائرة نفسها مع العرب لمدة 50 عاماً، وثقتنا بهم تزعزعت»، ويضيف العجوز أن عائلته خرجت من كركوك خلال عهد صدام، وأن شقيقه قتل في اشتباكات مع قوات النظام في الثمانينات.

وقال علي عوني، أحد كبار أعضاء الحزب الديمقراطي الكردستاني الحاكم، إن هذا هو «الوقت المناسب لإعلان الاستقلال»، موضحاً «إن تركيا لديها مشكلات سياسية داخلية، وإن الإيرانيين يقاتلون على جبهات مختلفة، والعراق في حالة بائسة».

إلا أن بعض الأكراد، الذين يعارضون الاستفتاء، يعتقدون أن رئيس منطقة الحكم الذاتي، مسعود بارزاني، يحاول أن يصرف الأنظار عن فشله ويعزز موقفه. وقد تم تجميد عمل البرلمان الكردستاني في عام 2015، إلا أن بارزاني ظل في منصبه بعد فترة ولايته، وباتت أسعار النفط المنخفضة تهدد قدرة حكومته على دفع الرواتب، وسط اتهامات بأن قوات الأمن تعمل على تخويف معارضي الاستفتاء.

وقال رعبون معروف، الذي يترأس حملة معارضة للاستفتاء: «من خلال رفض الاستفتاء نريد أن نقول لا للنخبة التي حكمت المنطقة منذ 26 عاماً» إلا أنه أكد أنه لا يعارض الاستقلال من حيث المبدأ. وقال قاردو عبدالخالق، وهو صاحب متجر في أربيل، إن مزاج الانقسام يجعله يخشى تكرار المعارك العنيفة التي اندلعت بين الأحزاب الكردية في منتصف التسعينات، موضحاً أن «ما يقلقنا هو أننا سننتهي مثل جنوب السودان أو الأماكن الأخرى التي حصلت على استقلالها ثم سقطت في حرب أهلية».

• هناك عقبات أمام استقلال الأكراد، فثمة أزمة اقتصادية جراء انخفاض عائدات النفط، وحكومة الإقليم غارقة في الانقسامات، والكثير مترددون بشأن انفصال من دون ضمان الدعم والاعتراف الدولي.

• مما زاد من المخاوف التركية والإيرانية، تحرك الأكراد السوريين بقوة نحو إنشاء منطقة حكم ذاتي خاصة بهم، بعد الاستيلاء على الأراضي عبر شمال سورية، خلال الحرب الأهلية.

تسبب التصويت، المقرر اليوم، في تأجيج التوترات، ويذكر أن إيران وتركيا، اللتين تخشيان من أن يشجع الاستفتاء الأقليتين الكرديتين عندهما، قد طالبتا «كردستان العراق» بالعدول عن إجرائه. ووصف رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي الاستفتاء بأنه غير دستوري، وحذر من احتمال وقوع أعمال عنف في الأراضي التي يطالب بها كل من الأكراد وبغداد. وقد حاولت الولايات المتحدة، حليف الأكراد، إقناعهم بتأجيل التصويت خشية أن يفتحوا فصلاً جديداً من عدم الاستقرار، في الوقت الذي تحاول القوات التي تدعمها واشنطن استعادة آخر الجيوب التي يحتفظ بها تنظيم «داعش» في العراق.

ويمكن أن تمثل النتائج تحولاً تاريخياً مهماً، ومنذ سقوط نظام صدام حسين، في عام 2003، جمدت الحكومة الكردية أحلام الدولة، قائلة إنها ستحاول العمل داخل عراق موحد، ولو بدرجة كبيرة من الحكم الذاتي. إن التصويت من أجل الاستقلال سيعلن عزم الأكراد الاعتماد على أنفسهم، وإذا ما تحقق الانفصال، في نهاية المطاف، فإن ذلك سيكون علامة فارقة في إعادة رسم الحدود في الشرق الأوسط منذ إنشاء إسرائيل عام 1948. وسيقسم العراق، وتُقطع منه منطقة بحجم سويسرا، بما في ذلك موارد النفط الرئيسة، ويترك ما تبقى مع السكان العرب المنقسمين بين أغلبية شيعية وأقلية سنية. وتشكل منطقة الحكم الذاتي الكردية رسمياً نحو 10% من أراضي العراق، ويبلغ عدد سكانها نحو ثلاثة ملايين نسمة، أي نحو 8% من مجموع 37 مليون نسمة في العراق.

وبالإضافة إلى مزيج التوترات، وسّع الأكراد السيطرة إلى ما هو أبعد من حدودهم الرسمية، ما زاد حجم الإقليم بأكثر من النصف، وفي معارك مع تنظيم «داعش» استولوا على أجزاء من محافظة نينوى الشمالية، ومنطقة كركوك الغنية بالنفط، وهي إقليم تطالب به حكومة بغداد، ويقول الأكراد إنهم يعتزمون الاحتفاظ بتلك المناطق، ومن المحتمل أن يكون البعض من المناطق المتنازع عليها محل مقايضة في المفاوضات المتعلقة بالاستقلال، لكنها قد تصبح أيضاً نقاط خلاف مؤججة للعنف.

وفي خطبة أخيرة، حذر زعيم ميليشيات شيعية من أن قواته مستعدة للقتال من أجل هذه الأراضي، قائلاً إن قواته ستعتبرها أراضي عراقية يحتلها الأكراد إذا ما تحقق الاستقلال. وقال الشيخ حسيب الخزعلي للمصلين، في معرض إشارته إلى المعركة التي قامت بها جماعة «عصائب أهل الحق»، التي كانت في يوم ما ضد وجود القوات الأميركية في العراق، إن «لدينا خبرة في التعامل مع قوات الاحتلال».

وهناك عقبات أمام طموحات استقلال الأكراد، فالمنطقة الكردية تعاني من أزمة اقتصادية تعمقت بسبب انخفاض عائدات النفط، وحكومة الإقليم غارقة في الانقسامات، والعديد من الأكراد مترددون بشأن انفصال من دون ضمان الدعم والاعتراف الدولي. وربما يكون الهدف من الاستفتاء، ولو جزئياً، هو حمل الولايات المتحدة وبغداد وتركيا وإيران على إيجاد طريقة سلمية تجاه دولة كردية.

احتكاكات محدودة

ويرى كيرك سويل، وهو مدير نشرة إخبارية متخصصة في السياسة العراقية، أنه من غير المحتمل أن يكون هناك عنف على نطاق واسع بعد التصويت. وذلك على الرغم من وجود احتكاكات محدودة النطاق في المناطق المتنازع عليها. وأوضح الخبير في الشؤون العراقية، قائلاً إن «رد الفعل الإقليمي قد يكون صامتاً على الأرجح لأن الاستفتاء لن يغير شيئاً على الفور»، ومع ذلك فإن الأكراد العراقيين يقومون بتخزين البضائع في حالة إغلاق الحدود بين تركيا وإيران انتقاماً من التصويت.

ويضغط عدد كبير من السكان الأكراد في تركيا وإيران، من أجل الحصول على حقوق أكبر، إذ تطالب أطياف سياسية مختلفة بالاستقلال الذاتي. وقد اشتبكت تركيا مع المتمردين الأكراد مرات عدة، وكانت الاضطرابات شائعة في المنطقة الشمالية الغربية في إيران، ومما زاد من المخاوف التركية والإيرانية تحرك الأكراد السوريين بقوة نحو إنشاء منطقة حكم ذاتي خاصة بهم، بعد الاستيلاء على الأراضي عبر شمال سورية خلال الحرب الأهلية.

ووصفت طهران استفتاء الأكراد العراقيين بأنه «خطير واستفزازي»؛ وقال سكرتير مجلس تشخيص مصلحة النظام في إيران، محسن رضائي، «إذا بدأ تقسيم العراق فسيتوسع الأمر إلى سورية وتركيا وستبدأ حرب انفصالية، قد تجعل المنطقة غير آمنة لمدة 20 عاماً». وكانت الحكومة التركية قد قالت، نهاية الأسبوع الماضي، إنه سيكون هناك بالتأكيد «ثمن للدفع» إذا أصر الأكراد على إجراء الاستفتاء، من دون مزيد من التوضيح.

من جهة أخرى، هناك عقبة أمام الاستفتاء المثير للجدل، تكمن في التصويت بالمناطق التي تسكنها الأقليات غير الكردية، في الأراضي التي تم الاستيلاء عليها حديثاً من قبل المقاتلين الأكراد. ففي كركوك صوّت المشرعون المحليون، الشهر الماضي، لمصلحة المشاركة في الاستفتاء، في حين قاطع التصويت 14 من المشرعين الذين يمثلون الأقليات المحلية (التركمان والعرب)، لذلك كان الأعضاء الأكراد في المجلس المحلي هم الذين دفعوا عن هذا الإجراء.

تويتر