Emarat Alyoum

محاكمات استعراضية لمدبري الانقلاب في أنقرة

التاريخ:: 20 سبتمبر 2017
المصدر: ترجمة: مكي معمري عن «نيويورك تايمز»
محاكمات استعراضية لمدبري الانقلاب في أنقرة

عندما بدأت في أغسطس من العام الماضي، كانت أكبر محاكمة جماعية للمتهمين بتدبير الانقلاب الفاشل في تركيا، تحمل علامات بأنها ستكون محاكمة استعراضية، فقد اقتيد السجناء المقيدون في خط إلى المحكمة أمام حشد من المتظاهرين الذين يطالبون بشنقهم.

صعوبات المحامين

واجه محامون صعوبات في الوصول إلى موكليهم، ولم يحصلوا على الخصوصية القانونية. وقال المحامي أريكان إن المتهمين تعرضوا للتعذيب والإساءة، الأمر الذي أكده العقيد دوزينلي في شهادته، وقال إنه لم يسمح له بقراءة البيانات التي وقعها أثناء احتجازه، واشتكى سوء المعاملة، التي بلغت مستوى التعذيب في الأيام الأولى التي تلت الانقلاب.

ويؤكد العقيد دوزينلي أنه خلال الأيام الأربعة التي احتجزوه فيها داخل قاعة رياضية، للمرة الأولى، «قضى مئات الرجال أياماً غارقين في العرق والدم والبول والصديد». متابعاً «هناك أشياء كثيرة أخرى لن أقولها». وقال المحامون إن عائلات المتهمين بقيت بعيداً عن الأضواء بسبب التخويف، في معظم الأحيان.

في المقابل، يصل معارضو الانقلاب إلى مكان المحاكمات في الحافلات قادمين من أحياء مختلفة. وقال غوكمن اردم، الذي قتل شقيق زوجته ليلة الانقلاب «أحياناً أشعر بالغضب والضيق، لأننا رأينا الطائرات تقصف بالقنابل، والجميع ينكرها»، متابعاً «هناك الكثير من الأدلة على أن فتح الله غولن كان وراء هذا الأمر». وأعرب الشاب التركي عن أسفه لأن الولايات المتحدة لم تأخذ أدلة تورط غولن بجدية أكبر.


- يعرض نحو 20 متهماً، إلى الآن، دفاعهم أمام لجنة من ثلاثة قضاة، في قاعة محكمة بحجم صالة رياضية، وتستمر قراءة بيانات أعدت سلفاً، والإجابة عن الأسئلة لمدة ساعات، ويتاح للمحامين أيضاً وقت كافٍ للمرافعة في القضايا.

- واجه محامون صعوبات في الوصول إلى موكليهم، ولم يحصلوا على الخصوصية القانونية. وقال أحدهم إن المتهمين تعرضوا للتعذيب والإساءة.

إن العداء لهؤلاء من قبل أقارب الأشخاص الذين ماتوا في الانقلاب ومؤيدي الرئيس رجب طيب أردوغان لايزال قائماً، وكثيراً ما يعطل الإجراءات، لكن المتهمين، البالغ عددهم 481 من العسكريين والمدنيين، بدأوا يحضرون جلسات الاستماع على الأقل.

ويعرض نحو 20 متهماً، إلى الآن، دفاعهم أمام لجنة من ثلاثة قضاة، في قاعة محكمة بحجم صالة رياضية. وتستمر قراءة بيانات أعدت سلفاً، والإجابة عن الأسئلة لمدة ساعات، ويتاح للمحامين أيضاً وقت كافٍ للمرافعة في القضايا، إلا أن المتهمين يواجهون كماً هائلاً من الأدلة على إدانتهم، حيث تصل لائحة الاتهام إلى 4000 صفحة، وتشمل التهم الخيانة والقتل ومحاولة القتل، في محاولة الانقلاب الدموية التي لقي فيها 249 شخصاً مصرعهم، وأصيب اكثر من 2000 آخرين. وهم يواجهون عقوبات صارمة، يقول أحد المحامين إن أحد موكليه يواجه أحكاماً عدة بالسجن المؤبد، بتهم متعددة، في ثلاث محاكمات منفصلة.

وكان الرئيس التركي، الذي تمكن من الفرار من الانقلابيين في ليلة 15 يوليو 2016، قد اتهم حليفه السابق، رجل الدين فتح الله غولن، بتدبير الانقلاب، انطلاقاً من منفاه في ولاية بنسلفانيا الأميركية. وقد نفى الأخير الاتهامات، وقال إن أردوغان هو مدبر الانقلاب، حتى يتمكن من قمع معارضيه، والحصول على المزيد من الصلاحيات.

يعتبر غولن من بين المتهمين في ما أصبح يعرف باسم قضية قاعدة «أكينسي» الجوية، التي اعتبرت مقر مخططي الانقلاب، ومن حيث تم انطلاق الطائرات لقصف أهداف محددة. وطلبت تركيا من الولايات المتحدة تسليم غولن لمحاكمته في أنقرة، لكن المسؤولين الأميركيين يقولون إنه لا توجد أدلة كافية على تورطه.

وتقول القضية المرفوعة من قبل الحكومة التركية إن رجل الدين التركي قاد حركة غامضة، تسللت إلى المؤسسات الحكومية، تحرض على إزالة المعارضين لجماعة غولن، وتعزيز أنصارها في مواقع السلطة في الجيش والحكومة والقضاء، إلى أن تتمكن الحركة من الاستيلاء على السلطة.

ويدعم هذه الفرضية العديد من الصحافيين والمحققين والمحامين البارزين، الذين كشفوا الاتهامات الكاذبة من قبل أتباع غولن ضد ضباط الجيش والقوات الجوية، في محاكمات استعراضية دفعت بأتباع الحركة إلى مواقع بارزة، غير أنه قد يكون من الصعب إثبات أي صلة لجماعة غولن بالجهاز القضائي. وفي حين أن هناك تسجيلات للمحادثات العسكرية من برج المراقبة في «أكينسي» مع الطيارين، لا توجد تسجيلات من داخل مركز القيادة، حيث يجلس المدنيون. وقد أسفرت محاكمة المتهمين بالمشاركة في الانقلاب عن بعض المفاجآت. ومعظم الذين أدلوا بشهادات حتى الآن - أكثر من 20 من كبار الضباط والمدنيين خلال الأسابيع الثلاثة الأولى - نفوا أي مسؤولية عن الانقلاب، ما أدى إلى غضب أقارب الضحايا ومؤيديهم في الشارع التركي العام.

مؤثرة ومتهورة

قبل أيام، كانت قاعة المحكمة تعج بالمحامين والصحافيين والمعنيين من أهالي الضحايا، لسماع العقيد أحمد اوجتين، الذي شغل منصب قائد العمليات في قاعدة جوية، والمتهم بأنه أحد المحرضين الرئيسين على الانقلاب. ووفقاً للائحة الاتهام، فقد وصفه الشهود بأنه شخصية «مؤثرة ومتهورة»، أصدرت الأوامر، ووضعت قائمة بأهداف القصف تلك الليلة. خلال جلسة المحاكمة، كان العقيد السابق يرتدي قميصاً واسعاً من نوع «بولو» وسروال «جينز»، وبدا واثقاً من نفسه.

وأكد الضابط أنه قد تم تصويره داخل القاعدة تلك الليلة، لكنه نفى إعطاء أوامر للطيارين أو غيرهم من أفراد الخدمة. وقال إنه أمر سرباً من طائرات «إف 16» بالإقلاع من القاعدة، لكنه لم يعطهم أهدافاً.

لم أصدر الأوامر

ويقول اوجتين «لم أصدر أوامر بقصف مواقع»، متابعاً «إن القنابل لم تكن محملة بهدف قتل الشرطة. وأنا آسف بشدة لوفاة عناصر من الشرطة». ويوضح الضابط المتهم، أن من الممكن أن تكون الإشارات اللاسلكية قد تعرضت للتشويش وتمويه الأوامر الصادرة من آخرين. وحاول محامون يمثلون ضباطاً صغاراً يعرضون أمام المحاكم، الحصول على اعتراف من العقيد بأنه أعطاهم الأوامر، إلا أنه نفى قيامه بذلك مراراً.

وعندما سئل اوجتين عن كيف أن مجموعة من الضباط الذين حصلوا على ترقية معاً كانوا جميعاً في قاعدة أكينسي في ليلة الانقلاب، تحول إلى السخرية: «لقد أحرقنا روما أيضاً!».

في المقابل، يُتهم العقيد مظفر دوزينلي، رئيس إدارة في الجيش، بأنه أحد المنظمين الرئيسين لهذه المؤامرة، إلا أنه نفى المشاركة، وقال إن «المتآمرين» كبلوا يديه وسجنوه في غرفة بالقاعدة الجوية طوال تلك الليلة. وتقول لائحة الاتهام إن دوزينلي نظم اجتماعات لتخطيط الانقلاب، وإنشاء مجموعة اتصال من المتآمرين على خدمة الرسائل الهاتفية المشفرة «واتس أب».

وتظهر نصوص رسائل من هاتف دوزينلي سلسلة من الأوامر القاسية على نحو متزايد خلال الليل، بما في ذلك تفريق حشود المتظاهرين بإطلاق النار.

وقال العقيد إنه تمت دعوته إلى عشاء في القاعدة، وإنه عندما وصل إلى المكان تمت مصادرة هاتفه من قبل المتآمرين ووضعه في غرفة. وقال إن من الممكن أن يكون هاتفه قد اخترق، وأنشأت مجموعة الـ«واتس أب» دون علمه. غير أن محامين حكوميين قالوا إن الضابط ظهر في شريط فيديو يمشي بحرية في القاعدة في الساعة العاشرة مساء، وإن هاتفه سجل مكالمات مع متآمرين آخرين خلال النهار والمساء. وقال: «أخذوا هاتفي، وربما أجابوا عن الرسائل الواردة.. أنا لا أعرفهم». ورفض العقيد دوزينلي الإجابة عن بعض الأسئلة التي طرحها قاضي المحكمة، وتبادل الإهانات مع المحامي الشخصي للرئيس التركي، الذي كان حاضراً في الجلسة.

وعبر الحاضرين عن غضبهم وامتعاضهم من تصرفات الضابط المتهم، وبدأت بوادر الفوضى تلوح في القاعة، الأمر الذي دفع القاضي إلى طلب إخلائها.

ضغوط شديدة

من جهته، قال المحامي أوزاي أريكان، الذي يتولى الدفاع عن دوزينلي، إن «المبدأ القانوني العالمي الذي يفترض البراءة، قد دمر هنا»، متابعاً «لسوء الحظ، هذه المحاكمات أصبحت سياسية، والقضاة تحولوا إلى أعضاء نيابة عامة، ويتعرضون لضغوط شديدة، وليس هناك محاكمة عادلة».

وأضاف أن محامي الدفاع عانوا الإساءة اللفظية والتخويف، كما رفض العديد منهم إجراء مقابلات مع وسائل الإعلام، خوفاً من العواقب.