أميركا تسعى إلى تجنب الاضطرابات والفوضى التي اجتاحت مصر وسورية وتونس

إثناء قطر عن دعم التطرف بداية لوقف طموحات الهيمنة الإيرانية

صورة

بينما يدرك الأميركيون جيداً آفة الإرهاب وأثرها في بلادنا، يبدو أنهم أقل اطلاعاً على البلدان التي تدفع ثمن الأسلحة لمصلحة الإرهابيين، وتدير العلاقات العامة لهم، وتوفر ملاذاً وغطاءً دبلوماسياً لمنظماتهم الإرهابية. وفي الخليج ومنطقة الشرق الأوسط المجاورة، قطع حلفاء الولايات المتحدة، بما في ذلك السعودية والإمارات والبحرين ومصر، علاقاتهم مع قطر، ما أثار أزمة دبلوماسية وعسكرية خطرة.

- جميع اللاعبين يريدون علاقات جيدة مع الأميركيين، وكلهم يرون تركيز إدارة ترامب على المنطقة والرغبة في مواجهة أعداء مشتركين باعتباره تحسناً في السياسة الأميركية.

- إن سعي الإدارة الأميركية الجديدة لوضع استراتيجية في الخليج تقوم على الحد من نشاط الجماعات الإرهابية وزعمائها المحليين، يعتبر تفكيراً سليماً.

ومنذ عام 1995، على الأقل، أدى تغيير النظام في قطر إلى احتضان هذا البلد العديد من الفاعلين الإقليميين. وكان من أهم الشواغل لدى النظام الحاكم في الدوحة، الدعم السري للجماعات الإرهابية، مثل جماعة الإخوان المسلمين، والبث عبر شبكة الجزيرة الإخبارية الموالية للمتطرفين، وإقامة علاقات تجارية وصلات مريحة مع إيران، والسماح بتشكيل جماعات متطرفة داخل قطر منذ «الربيع العربي»، وتمويل تنظيم «القاعدة»، كما ذكرت وزارة الخزانة الأميركية في عام 2013، على سبيل المثال، من قبل رئيس مؤسسة الكرامة في قطر.

ويأتي قطع العلاقات مع قطر في أعقاب دعوة وجهها الرئيس ترامب، في أواخر ربيع هذا العام، لحلفائه العرب من أجل تجفيف منابع دعم الإرهاب في المنطقة بشكل جماعي، وتوحيد هذه الجهود، بقيادة سعودية، ومن خلال جبهة دبلوماسية وعسكرية متينة للتصدي لإيران، بينما يتم العمل بشكل وثيق مع الولايات المتحدة.

قبل سنوات، توقع الباحث روبرت كابلان متطلبات هذا التحالف العربي - الأميركي لمواجهة طموحات طهران المهيمنة، وحلفائها الإرهابيين المرتبطين بها. ومن الواضح الآن أن هزيمة تنظيم «داعش» الإرهابي، وتراجع إيران، يتطلبان استراتيجية كهذه.

الأمور معقدة

لكن كما يبدو، فإن الأمور في الشرق الأوسط معقدة. فقطر، على الرغم من سلوكها السيئ، تستضيف أيضاً الولايات المتحدة في واحدة من أهم قواعدنا الجوية، ليس فقط في المنطقة، بل في أي مكان في العالم، ما اضطر واشنطن إلى العمل بتوازن دقيق. ومع ذلك، وكما كتبت صحيفة «واشنطن بوست»، فإن «جميع اللاعبين يريدون الحفاظ على علاقات جيدة مع الأميركيين، وكلهم يرون تركيز إدارة ترامب على المنطقة، والرغبة في مواجهة أعداء مشتركين، باعتباره تحسناً في السياسة الأميركية، مقارنة مع تلك التي انتهجتها الإدارة السابقة، التي وصفت بالتردد وعدم الالتزام».

لقد فرضت السعودية وحلفاؤها حظراً بحرياً وجوياً على قطر، ما يجعل شراء السلع والمواد إلى قطر مكلفاً للغاية، على الرغم من أن تركيا - العضو في حلف شمال الأطلسي (الناتو) - تعقّد الوضع، من خلال إقدامها على تزويد قطر بالسلع اللازمة. وفي حين يقول قائد الحلف السابق، الأدميرال جيمس ستافريديس، إن الأزمة بين حلفائنا هي نتيجة «خلاف طويل الأمد»، إلا أن ثمة حاجة إلى أن تدار الأزمة بخبرة من قبل الولايات المتحدة، حتى لا تخرج الأمور عن نطاق السيطرة.

مصدر مالي

ومع ذلك، يعترف الأدميرال بأن الولايات المتحدة لا يمكنها تجاهل أن الأفراد والكيانات القطرية «لاتزال بمثابة مصدر دعم مالي للجماعات الإرهابية، بما في ذلك حركتا (طالبان) والمقاومة الإسلامية (حماس)، وتنظيمات (الإخوان المسلمين) و(داعش) و(القاعدة)». وتصف وزارة الخزانة الأميركية دولة قطر بأنها «سلطة متساهلة في ما يخص تمويل الإرهاب». ويضاف إلى هذه المخاوف، التقارير والأخبار التي تبثها قناة الجزيرة، وتدعو إلى قتل الجنود الأميركيين، وكذلك «الصهاينة اليهود».

وتشمل مطالب حلفاء الولايات المتحدة ضرورة قطع الدوحة علاقاتها مع الجماعات الإرهابية، وإغلاق قناة الجزيرة، وأن تقتصر التجارة مع إيران فقط على ما هو مسموح به بموجب نظام العقوبات الدولية، وهو شرط قد يؤثر بشكل خطر في أرباح قطر من إنتاج الغاز المشترك مع إيران.

ومع ذلك، فإن تعزيز صلاحيات ولي العهد الإصلاحي في السعودية، والدفع الاستراتيجي من قبل الإدارة الأميركية لهزيمة الإرهاب والتطرف، وخطة وقف طموحات الهيمنة الإيرانية، كلها تتطلب مواجهة السياسات التي تغذي وتدعم وتمكن الإرهابيين من تحقيق أهدافهم في المنطقة، وهذا يتطلب، أيضاً، تحرك الحكومة القطرية لتلبية مطالب حلفائنا العرب، والبدء في تنفيذ رؤية الحكومة الأميركية الجديدة والضرورية والاستراتيجية للعمل في المنطقة. هل يتطلب هذا من قطر أن تصطف مع السعودية ودول الخليج الأخرى، وكذلك الولايات المتحدة، لاستبعاد إيران؟ لقد حان الوقت للاختيار، وعلى الرغم من أن تنفيذ المطالب الـ13 سيكون شاقاً ومرهقاً لقطر، إلا أن الوقت قد حان لهذه الدولة الغنية لوقف دعم الإرهاب الذي يقتل عشرات الآلاف، ويولد عدم الاستقرار والاضطهاد.

نهاية مأسوية

إلى الآن، قاومت قطر، ورفضت الموافقة على الشروط، وتصر على أنها ليست مذنبة بتهمة دعم الإرهاب على النحو المنصوص عليه في مطالب دول الخليج. ومع ذلك، فإن صلب الأزمة هو دعم قطر لجماعة الإخوان و«فروعها»، التي تسعى إلى الإطاحة بعدد من حكومات الخليج.

هذه المخاوف ليست خيالية. لقد انتهى «الربيع العربي»، جزئياً، بحروب أهلية في ليبيا وسورية، واضطرابات في تونس، حيث تولت جماعة الإخوان مقاليد السلطة. ثم جاء «الإخوان» مع الرئيس المخلوع محمد مرسي إلى السلطة في مصر بدعم من الحكومة الأميركية، ما أدى إلى الفوضى في تلك الدولة، فضلاً عن أن هذا الوضع أنتج تهديدات خطرة أخرى للمنطقة، بما في ذلك أمن قناة السويس وإسرائيل.

وهكذا، فإن إدراك الإدارة الأميركية الجديدة - المدعومة من قبل معظم حلفائنا الأوروبيين - لاستراتيجية في الخليج تقوم على وضع حد لنشاط الجماعات الإرهابية وزعمائها المحليين، يعتبر تفكيراً سليماً، وأميركا بذلك تسعى إلى تجنب الاضطرابات والفوضى التي اجتاحت مصر وسورية وتونس، ووقف الدعم والملاذ لمجموعات مثل «الإخوان» وتنظيمي «داعش» و«القاعدة» من قبل أي دولة في المنطقة.

وفي جبهة موحدة، يمكن للولايات المتحدة وحلفائنا العرب أن يبدأوا في السير على الطريق الصعب لإسقاط نظام الملالي في إيران، الذي يعتبر، وفقاً لوزارة الخارجية الأميركية، أكبر مؤيد وممول للإرهاب في العالم.

بيتر هيوسي : مدير مركز دراسات الردع الاستراتيجي في معهد ميتشل للدراسات الفضائية التابع لجمعية سلاح الجو.

تويتر