بعد أن طُردوا من البلدان العربية

أوروبا باتت أولوية لـ «الإخوان» حالياً

صورة

أنشئ المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية عام 2003 تحت إشراف وزارة الداخلية، ليكون الممثل الشرعي للدين الإسلامي في فرنسا، ويكون المتحدث باسم الجالية المسلمة في هذا البلد في ما يتعلق بالشؤون الدينية. وعلى الرغم من الحدود التي تقيدها فإن هذه المنظمة باتت ذات أهمية بالغة في السنوات الأخيرة.

• عندما بدأ ما يسمى بـ«الربيع العربي» في تونس، أصبحت قناة الجزيرة «صندوق الصدى»، وتنشر أخبار الثورة في مصر وليبيا وسورية واليمن، برعاية من الإخوان.

• بمجرد مجيئهم إلى السلطة، سواء ضمن ائتلاف أو منفردين بالسلطة أو بالسلاح، فإن الميول الشمولية للإخوان تزرع التوتر والرعب والانقسام في كل مكان.

في الواقع، تم تقسيم الصلاحيات ودياً بين أعضاء رئاسة المجلس، لتحقيق التوازن بين ممثلي الجالية الجزائرية والمغربية في فرنسا، الأمر الذي أثار حفيظة الأقليات الأخرى، مثل جماعة الإخوان المسلمين، الذين قاطعوا انتخابات المجلس الإسلامي مرات عدة. وبانتخاب أحمد أوغراس على رأس المجلس، الذي يمثل الأقلية التركية في فرنسا، بات من المرجح أن يشتد الصراع بين مكونات هذه الهيئة.

منذ أن قامت مصر بسجن قيادة جماعة الإخوان في عام 2013، أظهرت العديد من الأحداث عدوانية هذه المنظمة، التي باتت تحت وصاية تركية وقطرية، وهذا يثير تحركاً صارماً من قبل الدول العربية، كما يتضح من المقاطعة التي فرضت أخيراً على قطر. هذا هو السبب في أن الإخوان يحكمون سيطرتهم على تركيا، التوجه الذي اتضح في أعقاب المحاولة الانقلابية الفاشلة عام 2016. وفي غضون ذلك، تعيد الجماعة انتشارها في أوروبا، وهذا يتجلى في نشاط أردوغان وحزبه «العدالة والتنمية» للتأثير في المسلمين بفرنسا.

عزلة قطر هي التجسيد الأخير لحرب دامت عقوداً طويلة بين البلدان العربية والتنظيم الدولي للإخوان المسلمين. ومنذ بدايته ــ في عهد سيد قطب ــ كان هدف الجماعة القضاء على الأنظمة العربية، التي تراها غير إسلامية، وإقامة «الحكم الإلهي على الأرض».

في 1990 وقف تنظيم الإخوان إلى جانب صدام حسين الذي أقدم على غزو الكويت خلال حرب الخليج الأولى، ما أدى إلى طرد الآلاف من أعضاء الجماعة من السعودية.

لعقدين من الزمن (1991-2011)، استمر الإخوان في التوسع العالمي بدعم من قطر، وأصبحت هذه الدولة الصغيرة والغنية بنكاً يمول الجماعة بالمال، ومنصة إعلامية لنشر أفكارها من خلال قناة «الجزيرة» الشهيرة، حتى وإن تبنت الدوحة استراتيجية معينة من الانفتاح في محاولة لإخفاء هذه الحقيقة. عندما بدأ ما يسمى بـ«الربيع العربي» في تونس، أصبحت قناة الجزيرة «صندوق الصدى» وتنشر أخبار الثورة في مصر وليبيا وسورية واليمن، برعاية من الإخوان.

مناورة

عندما أدركت الأنظمة العربية هذه المناورة تحولت ضد هذا الكيان الخفي، ومن ثم بدأت المتاعب في قطر، وبمجرد مجيئهم إلى السلطة، سواء ضمن ائتلاف أو منفردين بالسلطة أو بالسلاح، فإن الميول الشمولية للإخوان تزرع التوتر والرعب والانقسام في كل مكان. وقد شددوا قبضتهم على تركيا من خلال حزب العدالة ورئيسه، مستفيدين من الحراك السياسي في العالم العربي، وكان ذلك حتى المحاولة الانقلابية الفاشلة صيف 2016.

وفي مواجهة هذه التهديدات، استعادت النخب والأنظمة العربية في كل مكان السيطرة على الوضع في كثير من الأحيان باستخدام القوة. وفي يوليو 2013، أطاح الجيش المصري بحكم الإخوان وأخرج الجماعة من الساحة السياسية، وأعلنت مصر والإمارات الإخوان جماعة إرهابية. وخوفاً من تعرضه للمصير نفسه، فضل التيار الإسلامي في تونس المراوغة، وقبول مبادئ دستورية تقضي بعدم تطبيق الشريعة، والمساواة بين المرأة والرجل، وقبول حرية العقيدة، وقد سمح ذلك بإنقاذ التنظيم محلياً.

في الأماكن الأخرى، يوجد الإخوان في حالة حرجة. في المغرب يتعايشون في تصادم مع الملك. وفي الجزائر انتهت انتخابات 2017 بتهميش التيار الإسلامي. وفي ليبيا، على الرغم من قوة استعراضهم في ما بعد انتخابات 2014، فشل الإسلاميون في الاستيلاء على مؤسسات الدولة ومواردها. وفي فلسطين، قررت إسرائيل ومنظمة التحرير إنهاء حكم «حماس» في قطاع غزة. أما في سورية، فتم سحق ائتلاف المجموعات الإسلامية في الحرب الأهلية، وباتت مهمته تقتصر على الدفاع عن منطقة صغيرة شمال البلاد.

في عام 2017، مُنعت جماعة الإخوان في العالم العربي، وخلاصهم جاء من تركيا وأوروبا. وبفضل قوتها المالية، تقوم أنقرة بتمويل التنظيمات الإخوانية في أوروبا، لا سيما إذا كانت تركية. وتعتبر فرنسا قطعة رئيسة في هذه اللعبة. الجمعيات ووسائل الإعلام، والأعمال التجارية والمساجد وشخصيات من الجماعة، أصبحت مرموقة في القارة، وينشطون بكل حرية دون الخشية من المحاسبة أو العقاب، ولذلك فمن السهل دخول الشأن الإسلامي في فرنسا، التي تضم أكبر جالية إسلامية في أوروبا بعد روسيا.

لقد لعبت شبكات إسلامية في فرنسا دوراً رئيساً في الصراع السوري، وبعد سنوات من الحرب أصبحت خدماتهم في متناول الإسلام الراديكالي الفرنسي. وقد مر آلاف الشبان القادمين من أوروبا وشمال إفريقيا عبر أنقرة من وإلى سورية. وعلى الرغم من التأثير الكبير في أوروبا، يتجاهل معظم الساسة الفرنسيين كل الحقائق.

طبيعة استبدادية

ومنذ صيف عام 2015، فتح الباب على مصراعيه أمام المهاجرين إلى أوروبا عبر تركيا من أجل زعزعة استقرار القارة. وفي عام 2017، يحافظ أردوغان على ورقة الهجرة بفضل أصدقائه في ليبيا، وبعد التفاوض على المليارات مع بروكسل، خاض الحملة الانتخابية في أوروبا، الأمر الذي رفضته ألمانيا، وطالب بحرية الحركة للمواطنين الأتراك في بلدان القارة الأوروبية. ويبدو أن وجود أحمد أوغراس على رأس مجلس الديانة الإسلامية، وهو أحد مناضلي حزب العدالة والتنمية التركي، ويحظى بدعم الإخوان، لديه حظوظ قليلة لحل المشكلات المتعلقة بالإسلام في فرنسا.

بيار فارميران كاتب ومحلل سياسي فرنسي

تويتر