يجب تغيير السياسة التحريرية التحريضية لقناة «الجزيرة»

دبلوماسي إسباني: يتعين على قطر تعديل سياساتهــــــا الخارجية

صورة

إن الأزمة الدبلوماسية والجيوسياسية التي اندلعت بين قطر ودول الخليج الأخرى ليست أزمة جديدة. في الواقع، إنها ليست مشكلة حديثة، كما يعتقد بعض المحللين، فهي استمرار للصدع الذي حدث في عام 2014 وتوترات 2011 نتيجة للدور النشط الذي قامت به قناة «الجزيرة» في ما يسمى بـ«الربيع العربي». كانت تلك الأحداث أيضاً من بين أهم أعراض المشكلة التي سنحاول فهمها هنا.

أصبحت «الجزيرة» محل خلاف شديد بالنسبة للعديد من الدول العربية والإسلامية. وقد استاءت هذه الحكومات من الشبكة التلفزيونية التي تتدخل بشكل كبير في شؤونها الداخلية. واعتبر الخط التحريري للقناة غير مقبول حتى بالنسبة للبلدان التي لها علاقات ثنائية ممتازة مع قطر، مثل المغرب. في رأيهم، يجب على الشبكة تقديم الأخبار من دون تحيز ومن دون التحريض على إثارة الاضطرابات الداخلية.

استقلال وسائل الإعلام وعدم تحيّزها يعني أنه لا ينبغي لها أن تستسلم لأي ضغوط إلا الحقيقة. ومع ذلك، ففي حالة «الجزيرة»، يرى العديد من المشاهدين، وليس الحكومات فقط، أن خطها التحريري متحيز ومزعزع للاستقرار. وأحد الأمور الأكثر شيوعاً التي طرحتها أطراف الأزمة هو أن القناة تعزز التمرد وتحرض على قلب نظم الحكم في العديد من البلدان، أو أنها ببساطة تهاجم مصالحها الأساسية والأكثر أهمية. وعلى أية حال، فإن هذه هي أسوأ أزمة تعصف بدول مجلس التعاون الخليجي، تسجل منذ استقلال جميع هذه البلدان.

فالخليج منطقة غالباً ما تفهم على أنها غير معقدة ومتجانسة، إذ يبدو أن الرأي العام الدولي يعتقد أن جميع دول الخليج الغنية متشابهة جداً، بل إن مجرد وجودها كدول مستقلة محل تساؤل عند البعض، الذين يرون فيها كياناً واحداً. والواقع في الخليج أكثر تعقيداً من ذلك، وهذه الأزمة دليل واضح جداً على ذلك.

سياسة شرسة

• يجب أن يتغير الخط التحريري لقناة (الجزيرة)، خصوصاً خط القناة العربي، نحو موقف أكثر اعتدالاً، وأن تكون محايدة وموضوعية في تقاريرها. إن الدعم أو التساهل مع المتطرفين يجب أن يقابل بالإدانة.

وينظر المحللون الدوليون إلى السياسة الخارجية لدولة قطر باعتبارها مختلفة ومستقلة وشرسة. وبالنسبة للآخرين، خصوصاً بعض الجيران، تعتبر تحدياً بحتاً. الأمر هنا يتعلق بعلاقة الدوحة بطهران.

منذ انتصار «الثورة الإسلامية»، كان لدى إيران سياسة خارجية عدوانية للغاية. الحرس الثوري الإيراني، ووزارة الاستخبارات واللجان الثورية، تريد التأكد من أن كل شيء يبقى ضمن الوضع القائم. إنها سياسة خارجية وأمنية عدوانية لتوسيع نفوذها، واستخدام الأقليات الشيعية كسلاح للهيمنة وزعزعة استقرار البلدان المجاورة. وأي بلد، لاسيما جيرانها، كان هدفاً لسياسات إيران التوسعية، وترى الدول الخليجية المقاطعة أن أي تهاون في الدبلوماسية غير مقبول، وهذا هو العنصر الأساسي والمركزي للأزمة.

العناصر الأخرى هي ما يعتبر دعماً غير مقبول لبعض التنظيمات الدينية المتطرفة من قبل قطر، ووجود بعض الشخصيات المثيرة للجدل، مثل يوسف القرضاوي، الذي يعتبر برنامجه على قناة «الجزيرة» مثيراً للمشكلات في جميع أنحاء العالم، سواء في الغرب أو بالنسبة لأغلب الحكومات العربية. إن الخط التحريري للقناة، يعتبره بعض الفاعلين الرئيسين، في مواجهة مصالح واستقرار غالبية دول المنطقة.

غضب جيرانها

وفي نظر العديد من المراقبين الدوليين، فإن سياسة قطر الخارجية طموحة جداً وجريئة بالنسبة لبلد في حجمه. وهم يجادلون بأنهم بلد صغير يحتاجون بالضرورة إلى أن يكونوا في حالة جيدة مع جميع الجهات الفاعلة الإقليمية، بما فيها إيران. وقد أثارت قطر غضب جيرانها عندما اعترفت بأن إيران قوة إقليمية كبرى. واعتبرت تلك العبارة مجرد إهانة لجيرانها.

قد تكون إيران قد تصرفت بعنف واستخدمت أجهزة الاستخبارات وقوات الأمن والحرس الثوري والأقليات الشيعية في المنطقة لتحدي خصومها وزعزعة استقرارهم، ولكن اعتراف قطر بأنها لاعب رئيس في المنطقة يعني أنها توافق على ما يجري. والحقيقة هي أن أي نوع من المواقف أو السياسات التي تعتبر بأي حال من الأحوال متساهلة، لينة أو متوافقة مع إيران، تعتبر خيانة وتواطؤاً مع العدو.

كيف يمكن نزع فتيل هذه الأزمة المتفجرة؟ اتخذت بعض الخطوات المهمة نحو الوساطة. وقد تمت الاستعانة بالكويتيين كوسطاء لتقديم «قائمة المطالب» التي قدمتها الدول التي تقودها المملكة العربية السعودية، والتي رفضتها قطر بشكل صريح. وقد قام وزير الخارجية المغربي بمحاولة أخرى، ملك المغرب له أهمية خاصة في العالم العربي، وكانت الوساطة منفصلة وبعيداً عن الأضواء، وهي الطريقة الوحيدة لجعلها فعالة.

تشديد العلاقات

الدبلوماسية والمرونة هي أهم ما نحتاج إليه في مثل هذه الأوقات. ولا يبدو أن تشديد العلاقات الدبلوماسية مع إيران قابلة للتطبيق بالنسبة لدولة قطر، ولكن يتعين على الأخيرة أن تمارس دبلوماسية تراعي جيرانها، وتندد بأي تدخل تقوم به إيران في الشؤون الداخلية لأي بلد آخر أو أي محاولة لزعزعة استقرار أو ارتكاب أعمال عدوانية ضد جيرانها.

قد لا يتم إغلاق قناة «الجزيرة»، ولكن يجب أن يتغير خطها التحريري، خصوصاً خط القناة العربي، نحو موقف أكثر اعتدالاً، وأن تكون محايدة وموضوعية في تقاريرها. إن الدعم أو التساهل مع المتطرفين يجب أن يقابل بالإدانة حتى لا تحصل المنظمات التي تتنافى مع السلام والاستقرار والاعتدال وحقوق الإنسان على أي نوع من الدعم، حتى لو كان ذلك فقط عن طريق التأييد التحريري.

قطر، من ناحية أخرى، دولة عضو في الأمم المتحدة، ومن الضروري أن يسود الحوار والاعتدال والحذر والحكمة والحس السليم في هذه الأوقات القاتمة من عدم اليقين العالمي. هناك حاجة إلى حل عاجل، لأن أي شرارة صغيرة يمكن أن تتسبب في حريق هائل من شأنه أن يطال المنطقة بأكملها.

غوستافو دي أريستيغي - سفير إسبانيا السابق في الهند

تويتر