حمد بن خليفة هو الذي يدير سياسة الدولة

دسائس القصر تتمركز في قلب الأزمة القطرية

صورة

من يحكم قطر؟ سؤال مطروح الآن بقوة. طبعاً على الورق فإن حاكم قطر هو الأمير تميم بن حمد آل ثاني، البالغ عمره 37 عاماً، ابن الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، الذي تنازل عن الحكم لمصلحة ابنه تميم عام 2013. ولكن القيادتين السعودية والإماراتية تعتقدان أن الحاكم الفعلي هو الشيخ حمد، المعروف الآن «بالأمير الوالد» الذي لايزال يمسك بالخيوط جميعها، ويدير سياسة البلاد حسب رغباته. ويمكن أن تحدد لنا هذه الحقيقة ما ستؤول اليه أزمة الخليج الحالية، التي تحاول الولايات المتحدة التوسط فيها، لإيجاد حل سريع بين الأطراف المتنازعة قبل تفاقم الأمور، بينما تنظر إليها إيران بخبث.

وثمة الكثير من الآراء حول من الذي يسيطر على الأمور في الدوحة، وليس هناك أي منها ينطوي على مجاملات لآل ثاني القبيلة التي تعد نحو بضعة آلاف من الأشخاص، وتحكم دولة تملك ثالث أكبر احتياطي للغاز في العالم.

- استلزمت استضافة كأس العالم ضخ مليارات الدولارات، من أجل البنية التحتية، إضافة إلى رشى قيل إن قطر قدمتها كي يتم اختيارها لاستضافة هذا الحدث العالمي، التي تقدّر بـ180 مليون دولار.

- أحد المقربين من حمد قال عنه إنه شخص «خطر وصعب المراس»

- حمد بن خليفة لا يقاوم أي فرصة متاحة له لإزعاج جيرانه من الدول الخليجية، حتى لو كان يخاطر بتفكيك مجلس التعاون الخليجي، الذي قام بحماية دول الخليج من اضطرابات المنطقة، منذ اندلاع الحرب العراقية ـ الإيرانية عام 1980.

- قطر غير ملتزمة بتاتاً بالسياسات التي يتفق عليها (مجلس التعاون الخليجي)، بل الأكثر من ذلك أنها عمدت إلى نشر النقاط التي طلبتها دول المجلس على الملأ.

وكان رأي دبلوماسي سابق عاش في قطر لسنوات عدة يفيد بأن «حمد يكره الإمارات والبحرين، والسعودية أيضاً»، وشدد هذا الدبلوماسي على أن «الأمير الوالد» هو الذي لايزال يدير دفة الدبلوماسية القطرية حتى الآن». ويبدو ان حمد، البالغ عمره الآن 65 عاماً، يتبنى وجهة نظر تاريخية وشخصية قوية تجاه مختلف الأمور المتعلقة مع دول الخليج. وكان حمد قد وقف ذات مرة في غرفة كبيرة مملوءة بالخرائط القديمة، وشرح لوزير الدفاع البريطاني الذي كان في زيارة لقطر لمدة خمسة أيام متتالية، الروابط التاريخية لآل ثاني مع أماكن بعيدة بات معظمها خارج نطاق سيطرة قطر. وكان أحد المقربين من حمد قال عنه إنه شخص «خطر وصعب المراس».

وأما الأشخاص الأقل معرفة بعائلة آل ثاني فإنهم يمتلكون وجهات نظر أكثر إيجابية. وقال مسؤول أوروبي معني باستضافة قطر لبطولة العالم لكرة القدم عام 2022 «تميم شخص صاحب إرادة قوية، ولكن والده يتمتع بقدرة على ضبط أعصابه وتصرفاته. واستلزم هذا الحدث الرياضي ضخ مليارات الدولارات من أجل البنية التحتية، إضافة الى رشى قيل إن قطر قدمتها كي يتم اختيارها لاستضافة هذا الحدث العالمي، والتي تقدر بـ180 مليون دولار».

وهذه المبالغ تعتبر مصروف جيب بالنسبة للدوحة، إذ إن الغاز جعل قطر تتمتع بأعلى دخل محلي للفرد في العالم. وخلال فترة حكمه استخدم حمد هذه الأموال لإنشاء قناة الجزيرة، وهي أول محطة فضائية إخبارية في المنطقة، والتي أسهمت في سرعة انتشار نفوذ قطر بصورة غير عادية، إلا أنها أثارت غضب جيرانه من الدول الخليجية، لأنها سمحت لبعض الشخصيات بشتم دول أخرى، كما أنها استضافت رجال دين مثيرين للمتاعب، أمثال يوسف القرضاوي. ومع مرور السنوات بات حمد لا يتأثر باحتجاجات الدول الأخرى ضد «الجزيرة». ولطالما زعم لعدد من السفراء بأن «الجزيرة» قناة مستقلة، وانها تدافع عن حرية الرأي.

واتضح أن حمد لا يقاوم أي فرصة متاحة له لإزعاج جيرانه من الدول الخليجية، حتى لو كان يخاطر بتفكيك مجلس التعاون الخليجي، الذي قام بحماية دول الخليج من اضطرابات المنطقة، منذ اندلاع الحرب العراقية ـ الإيرانية عام 1980. والأمثلة على إساءة حمد لجيرانه كثيرة جداً. ومنذ بداية الحرب الاهلية في سورية، اصطدمت قطر مع السعودية بشأن دعم المعارضة السورية. وقامت الدوحة بدعم «الإخوان المسلمين»، وهو موقف مثير للتناقض بالنظر إلى ان «الإخوان» يهدفون الى انشاء الدولة الإسلامية، بدلاً من الدول الصغيرة والمتعددة مثل قطر.

وترجع علاقة حمد السيئة مع جيرانه في الخليج إلى أيام حكمه، بعد أن أطاح بوالده وتسلّم الحكم بدلاً منه عام 1995، لكنه تعرض أيضاً لمحاولة انقلاب استهدفته شخصياً، لكنها باءت بالفشل، ولم تعمل الولايات المتحدة على شجبها، الأمر الذي أثار غضب حمد وخيبة أمله.

استغلال الفرص

وفي عام 2003 سحبت السعودية إذن استخدام قاعدة الأمير سلمان الجوية من الأميركيين، ومنعتهم من استخدام هذه القاعدة. ولكن قطر كانت قد انشأت قاعدة العيديد بانتظار مثل هذه الفرصة، حيث فتحت الباب على مصراعيه أمام الأميركيين لاستخدام هذه القاعدة كيفما شاؤوا. واستخدمتها الطائرات الأميركية خلال العمليات ضد أفغانستان والعراق، إضافة الى ضرب تنظيم «داعش» المتطرف.

وتقود السعودية والإمارات العربية ومصر محاولة عزل قطر عن طريق قطع العلاقات الدبلوماسية، وعلاقات السفر، والنقل والشحن. وقدمت هذه الدول مطالب عدة لقطر التي بدورها رفضتها في 2 يوليو الجاري. وتمحورت هذه المطالب حول علاقات قطر مع إيران، ودعم «تنظيم داعش»، وإبعاد المتهمين بالإرهاب عن أراضيها والتوقف عن دعم «الإخوان المسلمين» الذين يهدفون الى زعزعة المنطقة. ويبدو أن قطر غير ملتزمة بتاتاً بالسياسات التي يتفق عليها مجلس التعاون الخليجي، بل الأكثر من ذلك انها عمدت إلى نشر النقاط التي طلبتها دول المجلس على الملأ. والسؤال المطروح ما الذي سيحدث الآن؟

وثمة سؤال مهم يفيد بأنه على المدى البعيد كيف سيرد حمد وتميم استناداً إلى كيفية شعور عشيرة آل ثاني بالضغوط المطبقة ضد قطر. يبدو أن قيادة حمد لا تحظى بالاحترام الكامل داخلياً، في حين أن قيادة تميم هي أقل منها احتراماً.

وكان حمد الذي تولى الحكم عام 1995 مكروهاً من قبل بعض أفراد عشيرته، لأسباب تتعلق بنسبه غير الكامل للعشيرة. وبالطبع فإن علاقة الدم مهمة جداً بالنسبة لآل ثاني، ولكن أم حمد هي من قبيلة آل عطية، ولذلك اعتبر الرجل بأنه ليس من آل ثاني بصورة كاملة، او انه ليس نقي النسب بالنسبة لآل ثاني، حسبما قاله أحد المراقبين المطلعين في هذا المجال. وبالنظر إلى أن اثنتين من زوجات حمد الثلاث من آل ثاني، والثالثة وهي موزة المفضلة لديه، كما أنها والدة تميم هي من قبيلة المسند. وبناءً عليه فإن موقف تميم في عشيرة آل ثاني لم يعد آمناً، أو انه أقل أمناً، مما كان عليه حمد نفسه.

ولا يرغب غالبية المجتمع القطري أن يكونوا في حالة صراع مع السعودية، كما أنهم لا يريدون ان يكونوا معتمدين في حياتهم على إيران التي أصبحت الآن طريقاً لوصول المواد الغذائية التي لم تعد تصلهم عن طريق السعودية، التي يأتي عبرها نحو نصف المواد الغذائية التي تحتاج اليها قطر.

ولكن الضغوط الداخلية من أجل المصالحة مع السعودية ودول الخليج الأخرى، ربما ليست كافية بالنسبة لحمد كي يتنازل كثيراً عن مواقفه، على الأقل في الوقت الحالي، لكنها تشهد تصاعداً تدريجياً. وربما تلعب صحته دوراً مهماً في ذلك، إذ إن حمد الذي كان رجلاً بديناً أصبح الآن نحيفاً بصورة استثنائية، كما انه يبدو في حالة هزال وليس في صحة جيدة. ويقول دبلوماسيون إنه يعاني متاعب صحية.

وخلال الأزمة الدبلوماسية الحالية يبدو أنه لا حمد ولا نجله تميم يحظيان بتأييد عموم القطريين. ولكن من الواضح أن حمد يستمتع بتطور الأزمة. وقبل سنوات عدة، طلب من حمد بن علي، وهو شاب من آل ثاني، يتمتع بسمعة، كونه واسع الحيلة والدهاء، إنشاء مشروع الأمن الغذائي. واعتقد الدبلوماسيون في حينه أن الامر يتعلق بالتغلب على المشكلات الناجمة عن مضيق هرمز، في مدخل الخليج، الذي لطالما هددت إيران بإغلاقه. ولكن يبدو أن «الأمير الوالد» يتعين عليه ان يطور خططه. فما الذي يمتلكه من أوراق أخرى يمكن ان تساعده على التخلص من الورطة التي وضع بها بلاده، والتي تبدو أكبر بكثير من مجرد إغلاق مضيق هرمز.

تويتر