الواردات الغذائية وقطاع الطيران الأكثر تضرراً

آثار المقاطعة شديدة الخطورة على قطر في المستقبل المنظور

صورة

بعد 14 يوماً على انقضاء زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب للشرق الأوسط، قام العديد من دول الخليج ومصر بقطع العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية والأمنية مع قطر. واتخذت كل من السعودية والإمارات والبحرين ومصر هذا القرار المهم، وانضمت إليها اليمن وموريتانيا والمالديف بعد أيام عدة.

وبالطبع فإن هذه التدابير صعبة بالنسبة لقطر، بالنظر إلى أنها لا تتوقف على إغلاق السفارات فحسب، وإنما هناك مقاطعة كاملة. وفي عام 2014 حدثت أزمة مشابهة بين قطر وجيرانها في الخليج العربي، أدت إلى إغلاق دول الخليج لسفاراتها في قطر، احتجاجاً على السياسة الخارجية للدوحة. وجرى حل هذه الأزمة إثر اتفاق تقول السعودية إن قطر لم تلتزم به ولم تحترمه.

ولكن في هذه المرة، وإضافة الى قطع العلاقات الدبلوماسية، قررت هذه الدول فرض مقاطعة اقتصادية ضد قطر، التي تعتبر قوية جداً من الناحية المالية، بيد انها صغيرة جداً جغرافياً. وبات مجلس التعاون الخليجي يشهد الآن في أسوأ أزمة دبلوماسية منذ تأسيسه في عام 1981، والتي تهدد بتقسيم المجلس الذي يعد قوة إقليمية كبيرة في المنطقة.

وكان السبب الرئيس الذي قدمته السعودية وحلفاؤها لموقفها، أن قطر هي الجهة الرئيس الراعية للمجموعات الإرهابية في الشرق الأوسط، خصوصاً في سورية. وترى السعودية أن مثل هذه السياسة تسهم في زعزعة الاستقرار في المنطقة برمتها، كما أنها تشكل خطراً محتملاً على الدول المجاورة. وبالطبع فإن الحقائق التي تستند إليها الدول التي قاطعت قطر عديدة، وكل دولة منها لها أسبابها لاتخاذ موقفها في مقاطعة هذه الدولة الخليجية الصغيرة.

العلاقة مع إيران

- السعودية ومصر تريان أن محطة الجزيرة تبث مواد إخبارية معادية لهما.

- تعتمد قطر في غذائها على الاستيراد، ويأتي 40% من وارداتها عبر السعودية، لذلك فإن إغلاق المملكة حدودها يمثل مشكلة للدوحة.

وبالنسبة للسعودية فإن السبب الأول لموقفها من قطر هو علاقتها القوية مع إيران، التي ترى فيها السعودية دولة تعمل على زعزعة الاستقرار في المنطقة، وتسعى إلى الهيمنة على الدول العربية. وبالتالي تريد الوقوف في وجهها وعزلها ومنعها من تحقيق أهدافها، لكن قطر تعتبر طهران شريكاً مهماً في المنطقة وتحتفظ بعلاقات جيداً معها.

أما بالنسبة للإمارات، فإنها ترى أن دعم قطر لمنظمة الإخوان المسلمين، هو السبب الرئيس الذي دفعها إلى تبني موقف دول مجلس التعاون لمقاطعة قطر. وترى الإمارات أن وجود العديد من قادة الإخوان المسلمين كلاجئين في قطر، يشكل خطراً وتهديداً محدقاً باستقرارها.

وترى مصر وبصورة مشابهة للإمارات، أن دعم قطر للاخوان المسلمين يشكل خطراً عليها، الأمر الذي دفعها إلى تبني موقف المقاطعة. وتطلب مصر ورئيسها عبدالفتاح السيسي من قطر التوقف عن الدعم السياسي للإخوان المسلمين وحركة «حماس». وترى الحكومة المصرية الحالية أن دعم قطر للإخوان المسلمين سينجم عنه إضعاف استقرار مصر في هذه الفترة. وكانت محطة الجزيرة التي تملكها وتديرها حكومة قطر، تغطي أحداث ما يسمى «الربيع العربي» الذي وقع في دول عربية عدة من ضمنها مصر، لكنها كانت تتبنى موقف حكام قطر، وهو سبب آخر أثار غضب الدول الخليجية والعربية من قطر، ومن هذه المحطة الإخبارية بالذات.

مشكلة «الجزيرة»

نظراً إلى أن المصدر الرئيس لدخل قطر يأتي من الغاز الذي يتم شحنه عبر البحر، فإنها ستواجه صعوبات كبيرة جراء إغلاق موانئ الدول المجاورة في وجه السفن التي تشحن منها الغاز، وبناء عليه يتعين عليها البحث عن موانئ جديدة كي ترسو فيها هذه السفن.

وترى السعودية ومصر وهما من كبريات الدول في المنطقة، أن محطة الجزيرة الواسعة الانتشار تبث مواد إخبارية معادية لهما، وعلى الرغم من حجم الدولتين الكبير وطموحهما في قيادة المنطقة، فإنهما تريان في الجزيرة عبئاً ومشكلة كبيرة، الأمر الذي جعل إغلاق الجزيرة من ضمن مطالب الدول الحليفة للسعودية من حل الأزمة مع قطر، هذه الأزمة التي سببت ضغوطاً كبيرة عليها.

وعلى الرغم من أن قطر تتمتع بأكبر دخل قومي للفرد في العالم فإن عائلة آل ثاني الحاكمة تدرك أن استمرار الضغوط من الدول المجاورة لها على اقتصادها سيؤثر على دعم شعبها لها في المستقبل المنظور، وإن كان خطر تفجر ثورة في الداخل أو تغيير النظام من الداخل أو الخارج غير وارد في هذه المرحلة.

ولكن نظراً إلى أن المصدر الرئيس لدخل الدولة يأتي من الغاز الذي يتم شحنه عبر البحر، ستواجه قطر صعوبات كبيرة جراء إغلاق موانئ الدول المجاورة في وجه السفن التي تشحن منها الغاز، وبناء عليه يتعين عليها البحث عن موانئ جديدة كي ترسو فيها هذه السفن. ومن المعروف أن إمارة الفجيرة هي أكبر مركز تصدير للنفط ومشتقاته في الشرق الأوسط، وهي مكان اعتادت السفن القطرية الرسو فيه للتزود بالوقود والمؤن، إلا أنها أصبحت مغلقة الآن في وجه هذه السفن. وبناء عليه يتعين على السفن القطرية أن تجد موانئ أخرى في جبل طارق مثلاً أو سنغافورة، إضافة إلى مراكز جديدة أخرى للتزود بالوقود والمؤن.

ويبقى التحدي الرئيس لقطر في الحفاظ على استمرارية وارداتها للحفاظ على الإمدادات من مختلف المواد الضرورية. وتعتمد هذه الدولة الصغيرة في غذائها على الاستيراد، ويأتي 40% من واردات قطر لهذه المواد عبر السعودية، وبناء عليه فإن إغلاق المملكة لحدودها مع قطر يؤدي إلى مشكلة كبيرة في وصول المواد الغذائية لقطر. وإضافة إلى ذلك، فإن العديد من الواردات يتم عبر ميناء جبل علي الواقع في دبي، الذي يعد الأضخم في الخليج العربي. وعرضت إيران تعويض النقص في واردات قطر بيد أن ذلك ربما يؤدي إلى زيادة عزلة قطر عن الدول العربية وتشديد العقوبات عليها.

تأثر النقل الجوي

وإضافة الى استيراد المواد الغذائية، فإن شركة الخطوط الجوية القطرية الرائدة في مجال صناعة النقل الجوي تأثرت بصورة مباشرة وقاسية نتيجة المقاطعة التي تفرضها دول الخليج، إذ إنه تم منع مرور طائرات الشركة في السعودية والإمارات ومصر. ويزدهر عمل الخطوط الجوية القطرية ومطار الدوحة الدولي نتيجة وجهات السفر الاستراتيجية التي تؤمنها للمسافرين في شتى أنحاء العالم، ولكن مع وجود الحظر الجوي على طائرات الشركة في البلدان الثلاث فإن العديد من الرحلات ستكون مدتها أطول بكثير من المعتاد، وأكثر كلفة. وستصبح الشركة عاجزة عن المنافسة مع الشركات الكبيرة في المنطقة مثل الخطوط الإماراتية، خلال هذه الأزمة. ولكن ردة فعل وزير الخارجية القطري محمد بن عبدالرحمن آل ثاني، تظهر أن قطر ترفض تغيير سياستها الخارجية، الأمر الذي يمكن أن يبقي العقوبات الخليجية على قطر لمدة طويلة. وربما تقبل قطر بالعروض الإيرانية من أجل الحصول على الواردات التي تحتاجها، كما أنها يمكن أن تعتمد على تركيا أيضاً للحفاظ على أمنها. ويبدو أن استراتيجية قطر واضحة اذ إنها تريد تجنب مواجهات مباشرة مع دول الخليج، كما أنها ستلتف على العقوبات عن طريق البحث عن شركاء دوليين أجانب، حتى وإن كانت هذه التحركات غير محسوبة النتائج.

ضمان مكلف جداً

ولكن مبدأ قطر في السياسة الخارجية الذي يعتمد على القوة الناعمة، وعلى محطة الجزيرة، وتنظيم بطولة كأس العالم لكرة القدم في عام 2022، والاستثمارات الضخمة في دول العالم الغربي ستكون ضماناً مكلفاً جداً وغير مأمون في ما يتعلق بحماية هذه الدولة الصغيرة الغنية المشهورة بإنتاج الغاز. وإضافة إلى ذلك فإن قطر تضم قاعدة العديد الأميركية التي تعد الأكبر في المنطقة، ولكن اليوم تبدو حسابات آل ثاني غير صحيحة تماماً، اذ إنهم يكتشفون الآن أن الوضع مختلف عما كان عليه أيام غزو الكويت من قبل العراق عام 1990، ففي تلك الأيام حشدت الولايات المتحدة حلفاً كبيراً ودمرت القوات العراقية وحررت الكويت، ولكن الامر مختلف الآن، إذ إن كل دولة غربية لديها علاقات ومصالح مع قطر، لديها مصالح قد تكون أكبر مع السعودية أيضاً، وهو الأمر الذي يستوجب إعادة النظر في العديد من المواقف التي اتخذتها قطر واعتمدت عليها في مواجهة مقاطعة السعودية والدول الحليفة لها.

ويعمل أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح في محاولة للتوسط بين أطراف النزاع لإيجاد حل وسط يرضي الجميع. وفي واقع الأمر، فإن أميرها يتمتع بفهم عميق لهذا الوضع، نظراً إلى أن دولته حاولت إبان التسعينات أن يكون لها سياسة خارجية طموحة.

تويتر