من شأنه أن يؤدي إلى سُخط اجتماعي

قطر تستضيف كأس العالم على حساب رفاه مواطنيها

مدينة الدوحة تلوح في الأفق.. تقليص الدعم عن الأغذية قد يؤدي إلى عدم الاستقرار الاجتماعي. أ.ب

المقاطعة التي فرضتها كل من مصر والسعودية والبحرين واليمن والإمارات العربية وليبيا والمالديف على قطر، سيكون لها عواقب أكثر حدة على الدوحة نفسها، وتفرز نوعاً من عدم الاستقرار. هناك مبررات عدة لهذا النزاع الأخير، ولعل أبرزها ما حدث من جدل بين قطر والمملكة العربية السعودية في مارس 2014، ولعل النزاع الأخير يشكل أول سابقة في تاريخ مجلس التعاون الخليجي، يسحب فيه أعضاء عدة (المملكة السعودية والإمارات والبحرين) سفراءهم من دولة أخرى، هي قطر، تضاف إليها المقاطعة الاقتصادية.

يرجح أن يؤدي نقص الواردات الغذائية وانخفاض الدعم الغذائي إلى زيادة السخط الاجتماعي في قطر.

ويتجذر سبب المقاطعة، في أن الدول المذكورة شعرت بعدم الارتياح من دعم قطر للانتفاضات خلال ما يسمى بـ«الربيع العربي»، وتحديداً في البحرين وسلطنة عمان. وقد انتهكت قطر بهذا الدعم اتفاق الرياض الأول، الذي وقعه الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير قطر، في نوفمبر 2013، ويتناول الإقرار بهدف مجلس التعاون الخليجي المتمثل في عدم تدخل الدول الأعضاء في الشؤون الداخلية للدول الأعضاء الأخرى. وعلاوة على ذلك، فإن قطر من خلال دعمها للانتفاضات العربية، قدمت الدعم لجماعة الإخوان المسلمين، وهو ما أدى إلى توتر العلاقات بشكل كبير بينها وبين دولة الإمارات، وكان له تأثير في التطورات الأخيرة.

وقد أدت بعض القضايا مثل التدخل القطري في الانتفاضات العربية، ودعم الدوحة لـ«الإخوان المسلمين»، إلى جانب علاقات قطر الناعمة مع إيران إلى الصراع الأخير.

ومع ذلك، وخلافاً لما حدث في عام 2014، فإن هذه المقاطعة الأخيرة قد تلحق ضرراً كبيراً في استقرار قطر الداخلي، وقد تعطل تنفيذ خطة لتحديث البلد، والمتمثلة في رؤية قطر الوطنية 2030.

وفي ما يتعلق بهذه الخطة، فإن الهدف من الرؤية الوطنية القطرية هو «تحويل قطر إلى مجتمع متقدم قادر على تحقيق التنمية المستدامة»، بحلول عام 2030. ويرتكز على أربع ركائز أساسية هي التنمية الاقتصادية والاجتماعية والبشرية والبيئية.

ويشكل استضافة الدوحة المتوقع لكأس العالم جزءاً من هذه الاستراتيجية. وتشير مقالة نشرت في صحيفة الراية القطرية في عام 2016، إلى أن كأس العالم 2022 في قطر سيحظى بجميع التقنيات الخضراء، بما في ذلك الملاعب المضاءة بالطاقة الشمسية، والمباني الخضراء، وإخضاع جميع المباني العامة لنظام الاستدامة. وعلاوة على ذلك، فإن أحد الأركان الأساسية في الخطة اعتماد دولة قطر على مؤشر البناء الأخضر، بالإضافة إلى معايير مفصلة للمباني الخضراء والمدن المستدامة، باعتبارها آليات عملية مفصلة لتحقيق رؤية قطر الوطنية 2030.والمشكلة هي أن هذه الخطة أدت إلى تقليل الإنفاق من إيرادات النفط على السكان، ومن ثم تخفيض الرفاه العام. على سبيل المثال، أشارت وحدة المعلومات في مجلة الإيكونومست، إلى أنه تم تخفيض الإعانات الغذائية منذ عام 2011 بنسبة 30٪، ويسمح قانون جديد للرعاية الصحية في قطر بخفض الإنفاق، عن طريق إجبار المواطنين على دفع رسوم الرعاية الصحية، وعدم ضمان التغطية للظروف المذكورة مسبقاً، وأخيراً، ومن أجل الحفاظ على ثروة النخبة، تم تخفيض أعلى معدل للضرائب من 35 إلى 10%.

ومنذ أن بدأ نظام آل ثاني في إنفاق المال على كأس العالم، ورفع الدعم عن السكان، أفادت العديد من وسائل الإعلام العربية بحدوث العديد من المحاولات الانقلابية على الحكم في الدوحة، أهمها ما حدث في عامي 2011 و2013. واستطاع أمير قطر السابق، الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني إحباط هذه المحاولة الانقلابية الموجهة ضده. أما الانقلاب الثاني، فقد كان انقلاباً ناعماً أدى إلى تولي ابنه الشيخ تميم السلطة في البلاد، وقد تم ذلك كوسيلة لتوطيد دعائم الحكم داخل البلد، من خلال وجه جديد للقيادة.

وتشير الصحف السعودية هذه الأيام إلى احتمال حدوث انقلاب آخر. وتفيد تقارير صحيفة الرياض بأن عائلة أحمد بن علي ووالد الشيخ تميم، يخططان الآن لانقلاب ضد النظام الحالي. وهناك سببان بأن هذا التحرك الدبلوماسي سيضر بشكل كبير حكم تميم، لأن تأثيره سيمتد على الغذاء وعلى شبكات الأعمال الرئيسة في قطر.

وتستورد قطر 40% من غذائها مباشرة من المملكة العربية السعودية، وعلاوة على ذلك، فإن الحكومة القطرية قد خفضت بالفعل الدعم الغذائي منذ إعلان استضافتها كأس العالم 2022. وهذا أمر مهم، لأن البحوث الاقتصادية التي أجرتها مؤسسة مارك بلمار أخيراً، تبين أن أسعار الأغذية، على نطاق عالمي، من شأنها أن تزيد من الاضطرابات الاجتماعية. وبالتالي، فمن المرجح أن يؤدي نقص الواردات الغذائية، وانخفاض الدعم الغذائي إلى زيادة السخط الاجتماعي في قطر. ومنذ المقاطعة الدبلوماسية، انخفض سوق قطر للأوراق المالية بنسبة 7.6% في الساعة الأولى من التداول ولايزال يعاني الانخفاض. والأهم من ذلك، فقدت قطر 82% من وارداتها الخليجية بسبب هذه المقاطعة، وستنسحب آثار ذلك على الأعمال الرئيسة في قطر، وأسواق النفط والغاز، والسفر الجوي، ومن المرجح أن تضاعف المقاطعة الدبلوماسية الإحباط الذي يشعر به المواطن القطري.ولهذا فإنه وبالتزامن مع إجراءات تقليص الرفاه العام، التي بدأ العمل بها منذ عام 2008، من المرجح أن تتمخض الآثار الاقتصادية للنزاع الخليجي عن اضطرابات داخلية في قطر. وعلاوة على ذلك، فمن المحتمل أن يؤدي إلى تنازلات مستقبلية من قبل عائلة آل ثاني الحاكمة في الدوحة، لكي تحافظ البلاد على استقرارها الداخلي، وتواصل تحديث مرافقها المهمة.

تويتر