أصبحت ترعى القضايا الخاسرة في الشرق الأوسط

الدوحة تحوّلت إلى بازار للصراع السياسي في المنطقة

الحكومة القطرية غيّرت موقفها من الأسد بعد 2011. أرشيفية

تواجه قطر منذ أيام عدة مقاطعة غير مسبوقة من قبل جاراتها، شملت البر والبحر، ومع فقدان الحدود البرية، لم يبق لدى الدولة الخليجية الصغيرة، سوى ممر صغير لحركة المرور الجوي والبحري، وقد أوقفت شركات شحن عدة خدماتها إلى موانئ الدوحة. وبدأ يشعر بعض السكان بالذعر الشديد في الساعات الأولى من الأزمة الدبلوماسية، حيث هرعوا إلى محال البقالة لتخزين المواد الغذائية والإمدادات.

هذا النوع من العزلة هو لعنة عالم غريب من سياسات متمردة، نشأت في فنادق الدوحة ومراكز التسوق، ومراكز الفكر، والمؤتمرات في السنوات الأخيرة. الوجود في الدوحة - الحديث للكاتب - كان مثل المشي بصعوبة في بازار الصراع الإقليمي، كان هناك سوريون يتنقلون بين الفنادق الفخمة والفيلات التي شيدت حديثاً، وليبيون أقاموا في فندق «فور سيزنز»، وممثلو حركة طالبان الأفغانية، الذين أعجبهم التجول في مراكز التسوق الراقية خلال عطلة نهاية الأسبوع.

يجب على قطر أن تضع حدوداً لوسائلها الإعلامية المعادية.


وقف «المد» القطري

في يونيو 2013، بدأت قطر تعرض عضلاتها الدبلوماسية عبر الشرق الأوسط، في سياق ثوري، بينما كانت تضخ المليارات في استثمارات خارجية. وبينما كانت قطر تأمل سراً أن تسير الثورات على طول الطريق نحو الخليج، بقيادة «الإخوان المسلمين»، فإن القادة في المنطقة كانوا عازمين على وقف هذا المد قبل أن يصل إلى الخليج.

إن القرار الاستثنائي الذي اتخذته الرياض وأبوظبي، بالإضافة إلى عدد من الدول الأخرى، لقطع العلاقات مع الدوحة، وطرد القطريين من أراضيها، وعزل الإمارة اقتصادياً، هو علامة على فشل مذهل للأمير تميم، وعناده لجيرانه. لقد ورث الأمير الشاب من والديه الميل لإدارة المشكلات. وكان من الوهم دائماً الاعتقاد بأنه سيرسم مساراً مختلفاً وبشكل جذري. وفوق كل شيء، يبدو أن أمير قطر قد أساء الحكم على المتغيرات السياسية في الخليج والمنطقة العربية.

في الفندق الذي أرتاده كثيراً، وهو على ما يبدو أرخص فندق في منطقة الخليج العربي، لأنه لا يقدم الكحول، كان هناك مكتب للمتمردين القادمين من دارفور، وتم وضع علامة واضحة على الباب، لئلا يخطئ أحد إلى صالة الألعاب الرياضية، التي كانت بجانبه.

قطر هي مكان يمكن للجميع الاجتماع فيه، وهم يشجعون على ذلك. وخلال نصف عقد من العمل الصحافي في قطر، صادفت رئيس مكتب حركة المقاومة الإسلامية (حماس) خالد مشعل، والزعيم التونسي راشد الغنوشي، والمعارض السوداني حسن الترابي، والعديد من زعماء المعارضة السورية، الذين يرتادون فنادق أربع وخمس نجوم. التقيت أيضاً العشرات من الوسطاء الذين كانوا يتلقون دعماً من مستويات مختلفة من الدعم الرسمي.

هذا ما فعلته قطر، لكن في الرياض وأبوظبي والمنامة، الاستقرار هو الشعار. وحين باشر الحكام في الدوحة التغيير، وكدولة ملكية، لم يكن لدى قطر أي مشكلة مع أصحابها إذا كانوا متحالفين، لكن بعد ما سمي بـ«الربيع العربي»، اتخذ قادة البلاد موقفاً معادياً لأنظمة الحكم في سورية وليبيا ومصر.

القوة البشرية

تطلبت مثل هذه المواقف دعماً تكتيكياً بالطبع، وأصبحت قطر موطناً لأكبر قاعدة جوية أميركية في المنطقة في 2003، حتى عندما قدمت الدعم إلى فروع «الإخوان المسلمين» في جميع أنحاء العالم. ويملك البلد الذي يضم ربع مليون مواطن قطري، المال، لكن ليس القوة البشرية لممارسة النفوذ. وفي الوقت نفسه، كان تنظيم الإخوان الذي بات محظوراً حالياً في كثير من بلدان المنطقة، أفضل كيان غير حكومي منظم، مع الكثير من الناس، ولكن من دون مال، فوجد حاضنة في قطر.

أصبحت قطر الراعي للقضايا الخاسرة في جميع أنحاء الشرق الأوسط: «جماعة أحرار الشام» المتطرفة في سورية، والمسلحون الإسلاميون في ليبيا، و«الإخوان» في مصر. ولم تقتصر جهودها على إرسال شيكات معتمدة لكل من هذه المنظمات، بل وصلت إلى اختيار وسطاء «أصدقاء قطر»، كما أسمّيهم - لكل قضية، وحشد الدعم من خلال عملياتهم. في أفضل قراءة، كانت هذه الجهود فوضوية وفاسدة ومملوءة بعواقب وخيمة. وبالنسبة إلى منتقدي هذا البلد، كانت جهود الدوحة متهورة وغير مقبولة.

نفد صبر السعودية والإمارات والبحرين في عام 2014، وسحبت الدول الثلاث سفراءها من الدوحة، ودفعت قطر إلى توقيع اتفاق يعد بالامتثال للمعايير الإقليمية. وافقت الدوحة على وقف بعض أنشطتها المزعجة، ورحّلت المصريين الهاربين إلى تركيا، وقلّصت دعم الجماعات المسلحة في ليبيا. وبعد أسابيع عدة عادت الأمور إلى طبيعتها.

وكان الرئيس الأميركي دونالد ترامب، قد زار السعودية الشهر الماضي، في أول جولة له في الخارج، حيث وصف الرياض بأنها مركز الشرق الأوسط، وحليف الولايات المتحدة الرئيس. وقد نقلت هذه الخطوة بشكل واضح ميزان القوى في الخليج، فالإدارة الأميركية الجديدة مناهضة لإيران، وأيضاً للمتشددين وللثورات، وهذا يعني ثلاث ضربات موجعة للدوحة.

وبما أنها معزولة تماماً الآن، فمن الصعب ألا تذعن للطلبات الأميركية والخليجية.

ما يريده جيران قطر هو وضع حد لمصدرها الحقيقي للسلطة السياسية: قدرتها على الإزعاج. وقد لخصت وزارة الخارجية الإماراتية بعض التفاصيل: يجب على قطر أن تضع حدوداً لوسائلها الإعلامية، وأن تخرج الهاربين الإقليميين، وأن تمنع رجال الدين من التشهير بدول الخليج الأخرى، وأن تقطع الدعم عن تنظيم الإخوان. وبعبارة أخرى، فإنهم يريدون أن تتصرف قطر مثل بقية دول الخليج.

توترات متزايدة

إذا امتثلت قطر فستكون الآثار الإقليمية كبيرة. زعامة السعودية للعالم الإسلامي والعربي والسنّي ستكون مضمونة على الأقل بشكل مؤقت. كما أن جماعة الإخوان المسلمين - بما في ذلك فروعها في مصر و«حماس» الفلسطينية، وحركة النهضة التونسية - ستخسر جهة مانحة وملجأ آمناً ومنبراً إعلامياً على استعداد للدفاع عنها. وستخسر إيران خط اتصال، مع أنها تشارك قطر حقلاً للغاز الطبيعي، وتحافظ معها على علاقات جيدة.

تزداد التوترات بين الرياض وطهران منذ ما يسمى «الربيع العربي»، عندما اختارت العاصمتان أطرافاً مختلفة في الصراعات في كل من سورية والعراق واليمن. ويشعر المسلمون السنّة بالغضب من دور إيران في المساعدة على ذبح مئات الآلاف من المدنيين في سورية. وبعد الهجوم الإرهابي الذي وقع في طهران تزايد العداء الإقليمي.

ستحارب الدوحة لتبقى منشقة، كما فعلت دائماً. وطوال السنوات الست التي قضيتها في الخليج، كنت دائماً مندهشة - وأحياناً أصابني الهلع - من جدية السياسة الخارجية القطرية.

وبالتالي، فإن مصادرة إمبراطوريتها الإعلامية، على سبيل المثال، لا تعني فقط خفض الميزانيات والوظائف، بل تعني فقدان الدور.

إليزابيث ديكنسون صحافية ومراسلة عملت سنوات طويلة في المنطقة العربية.

تويتر